الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون عربية

المدارس العتيقة في المغرب… صمام أمان لصون الهوية الدينية

يزخر المغرب بالعديد من "المدارس العتيقة" وتؤدي وظيفة "التعليم العتيق" أو التعليم الديني التقليدي

كيوبوست – حسن الأشرف

تسعى المدارس العتيقة، التي يعود تاريخ وجودها إلى قرونٍ خلَت في المملكة، إلى تعزيز زاد الطالب بمختلف الأسلحة المعرفية ذات الارتباط بالدين، من لغة ونحو وأدب وسيرة وحديث، لكن هذه المدارس العتيقة تروم في السياق نفسه “تهذيب سلوك المتعلم والطالب وتلقينه مبادئ التسامح والرقي”.

ويزخر المغرب بالعديد من المدارس الدينية التقليدية، تسمى “المدارس العتيقة”، وتؤدي وظيفة “التعليم العتيق” أو التعليم الديني التقليدي، بما يعني تحفيظ القرآن الكريم، والنهل من العلوم العربية والمعارف الإسلامية، بينما تخرج منها الكثير من الفقهاء والعلماء والمصلحين.

اقرأ أيضاً: المجالس العلمية بالمغرب تواجه رهان الوسطية والاعتدال

وفي الوقت الذي يركِّز التعليم العتيق في المغرب على صون الهوية المغربية، متمثلة في “المذهب المالكي، والعقيدة الأشعرية، وتصوف الجنيد، وإمارة المؤمنين”، فإن استمرار ونجاح هذا النوع من التعليم الديني بالبلاد رهين بتوسيع آفاقه، وتحديث أدواته التربوية والبيداغوجية، وفق محللين وخبراء.

تعريف وتاريخ

ويمكن تعريف المدارس العتيقة بأنها مدارس دينية تقليدية أصيلة، أو مدارس قرآنية وشرعية، ولعل أول من أسماها باسم المدارس العتيقة هو المؤرخ والأديب والفقيه الراحل محمد المختار السوسي، بالنظر إلى وفرة هذا النوع من المدارس في منطقة سوس جنوب البلاد بالخصوص.

طلبة يدرسون في مدرسة عتيقة بالمغرب (مواقع التواصل)

وتعود جذور المدارس العتيقة في المغرب، وفق منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المسؤولة عن التعليم الديني التقليدي، إلى الفتح الإسلامي للمغرب الأقصى على يد عقبة بن نافع الفهري، وبعده موسى بن نصير في العقد الثاني من القرن الهجري الأول.

وترتبط المدارس العتيقة والمراكز الدينية التقليدية، وفق المصدر عينه، بالحركة العلمية والفكرية التي عرفتها البلاد، ابتداء من عهد المولى إدريس الأكبر سنة 175هـ، ومرورا بالدول المتعاقبة على الحكم في المغرب.

اقرأ أيضاً: أهوال المدارس الدينية السودانية.. حبس وضرب وانتهاكات جنسية للأطفال

ومنذ ذلك التاريخ “تنافس المغاربة في بناء المدارس الدينية العتيقة، والمراكز العلمية، وأنفقوا عليها بسخاء من صميم أموالهم، يوفرون لها بانتظام المؤونة الكافية، ويجهِّزون بيوتاً لإيواء الطلبة، يجعل فيها كل منهم ما يكون معه من المتاع والكتب في أمن تام”، تورد وزارة الأوقاف المغربية.

وعدا المهام التعليمية التي تضطلع بها المدارس العتيقة في المغرب، فإن لها مهام تربوية وسلوكية بشكلٍ خاص، فهي تراهن على تخريج فقهاء يتسمون بالوسطية والاعتدال، من خلال تربيتهم تربية روحية بطريقة الإمام أبي القاسم الجنيد.

يزخر المغرب بالعديد من المدارس الدينية التقليدية

والذي يميز المدارس العتيقة بالمغرب كونها تعتمد في تمويلها على مساهمات وصدقات المحسنين، وفاعلي الخير، والأحباس أيضاً، من أجل سداد رواتب المدرسين، وتكاليف المأكل والمشرب، وشراء الكتب المدرسية، وغير ذلك من المستلزمات.

صمام أمان للهوية الدينية

يقول الدكتور خالد التوزاني، أستاذ باحث في التصوف والأدب والنقد والجماليات، ورئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي “مساق”، إن المدارس العتيقة في المملكة المغربية تشكِّل رافداً مهماً يخدم الثوابت الدينية والوطنية للمملكة، نظراً لأصالة هذا التعليم، وكونه يركِّز على الهوية المغربية المتمثلة في المذهب المالكي، والعقيدة الأشعرية، وتصوف الجنيد، وإمارة المؤمنين.

د.خالد التوزاني

وأردف التوزاني، في تصريحاتٍ لـ”كيوبوست” إن هذه المدارس العتيقة تقوم بتحفيظ الطلاب والمتعلمين المتون العلمية التي دأب المغاربة عبر التاريخ على تلقينها للمتعلمين، وعلى رأسها “منظومة المرشد المعين على الضروري من علوم الدين” للشيخ عبدالواحد بن عاشر، ودلائل الخيرات للجزولي، والأجرومية لابن أجروم، وغير ذلك من المتون، فضلاً على حفظ القرآن الكريم، وكتب السنة النبوية، وعلى رأسها موطأ الإمام مالك، إلى جانب علم التزكية أو الأخلاق التي تنطلق من سيرة النبي الكريم.

واسترسل الباحث ذاته بأن “التعليم العتيق في المغرب مثّل صمام أمان للهوية الدينية، ومنه تخرّج كبار العلماء في الماضي والحاضر، إذ لا تزال هذه المدارس تقوم بدورها إلى اليوم، وذلك في جميع ربوع المملكة المغربية، وخاصة في القرى والمناطق النائية”، مردفاً أن هذه المدارس تحظى بالعناية السامية للملك محمد السادس بصفته أميراً للمؤمنين وفق الدستور المغربي، والذي يوليها الاهتمام الكبير، وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 في أمريكا، والتي كانت لها انعكاسات على التعليم الديني في العالم الإسلامي.

اقرأ أيضاً: رابطة علماء المغرب تواجه التطرف العنيف… حوارات خلفية وخرائط ذهنية

وزاد التوزاني بأن المغرب حافظ على مؤسساته الدينية العتيقة أمام تيار العولمة، وقام بتحديثها بفتح مسارات إدماج خريجي هذه المدارس العتيقة في التعليم العام، مما انعكس إيجابياً على تكوين طلاب هذا النوع من التعليم، بحيث أصبح المتعلم يجمع بين التعليم الديني والتعليم العصري، بانفتاحه على اللغات والتواصل والإعلاميات.

واستطرد “تجدّدت بذلك الأدوار الاجتماعية والدينية والثقافية والحضارية للمدارس العتيقة بالمملكة المغربية لتشكل مساراً علمياً ومنهجاً تكوينياً يملك مصداقية كبيرة، وخير مثال على ذلك خريجو هذا التعليم الذين يتميّزون بالأخلاق العالية وحفظ المتون، فضلا عن إتقان علوم اللغة والبيان مما يساعدهم على فهم سليم للنصوص الشرعية وفق ثوابت الأمة المغربية”.

مرتبط بالأصل ومتصل بالعصر

د.عبدالكريم القلالي

من جهته، يؤكد الدكتور عبد الكريم القلالي، أستاذ العقيدة والفكر والأديان بجامعة فاس، أن التعليم العتيق نظام تعليمي راسخ في التاريخ القديم والحديث، ومرتبط بهوية الأمة المغربية، يحفظ دينها وتدينها، ويصون إرثها العلمي والحضاري، وهو مستمر في أداء رسالته التربوية والتعليمية والاجتماعية، من خلال جهود مبذولة وتعاون مستمر بين المحسنين، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.

وتابع القلالي، في حديثٍ مع “كيوبوست” بأن هذا النوع من التعليم عرف تنظيماً شاملاً بصدور “الظهير الشريف” المنظم للتعليم العتيق 13.01، وهو في تطور مستمر من خلال التجديد في البرامج والمناهج التي يشرف على وضعها نخبة من علماء البلد تحت إشراف الوزارة الوصية.

اقرأ أيضاً: نموذج التدين المغربي يحارب التطرف بالتسامح و”إمارة المؤمنين”

وأكمل المتحدث بقوله “إن مدارس التعليم العتيق تعرف نمواً مطرداً يتجلى في إحداث بناياتٍ تتوفر على مواصفات وفضاءات متطورة مجهزة بتقنيات حديثة مواكبة للتطور العلمي، تجعل طالب التعليم العتيق مرتبطاً بالأصل، ومتصلاً بالعصر”. وتابع الأستاذ الجامعي “يتلقى خريجو هذا التعليم تكويناً متيناً ومتنوعاً يشمل اللغة العربية، وعلوم الشريعة، وغيرها من المواد المدرسة بهذا التعليم الذي يتضمن نفس المواد المدرسة بالتعليم العام، مع زيادة تعمق ومتانة تكوين في مجال التخصص”.

إشكالات معيقة

لكن رغم كل هذه الدعائم والإيجابيات لمسار المدارس العتيقة التي تتسم بالتكامل المعرفي، فإن هناك أيضاً معيقات وإشكالات، يرى الدكتور القلالي أنها “تكمن في آفاقه المجحفة وغير المنصفة، خصوصاً بعد صدور قانون تحديد سن ولوج وظيفة التعليم في ثلاثين سنة الذي أثر سلباً على فئة عريضة من خريجي التعليم العتيق”.

ويشرح الباحث بأن “معظم هؤلاء الخريجين عند الحصول على شهادة العالمية التي تعادل الإجازة يكونون قد جاوزوا الثلاثين؛ لانشغالهم في مطلع عمرهم بحفظ القرآن الكريم الذي يحتاج إلى سنين، ومع استمرار شرط عدم تجاوز الثلاثين عاماً في مباريات التعليم لا يبقى أمام المتخرج من هذا التعليم سوى وظائف المرشدين الدينيين التي لا تتجاوز 250 منصباً سنوياً، تضاف إلى ذلك بعض الوظائف المحدودة في قطاع العدل”.

وذهب القلالي إلى أنه “رغم أن الإقبال على هذا النوع من التعليم يتداخل فيه ما هو اجتماعي واقتصادي وديني، فإن استمراره ونجاحه رهين بتوسيع آفاقه، وإحداث مناصب تقدر فيها الجهود المبذولة خلال سنوات التحصيل، والتي ثبت من خلال التجربة العملية سبق أصحابها في مختلف المباريات، مقارنة بنظرائهم في المؤسسات العامة ذات التخصص المتشابه”.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

حسن الأشرف

صحفي مغربي

مقالات ذات صلة