الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا: تاريخٌ موجز

كيوبوست – ترجمات

سيجريد هيرمان-مارشال♦

قبل بضعة أسابيع، أعلن المجلس الأعلى  للمسلمين في ألمانيا أنه استبعد رسميًا أحد أعضائه المؤسسين، وهو التجمع الإسلامي الألماني أو (الجمعية الإسلامية في ألمانيا سابقًا). المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا هو نقطة الاتصال الأكثر شهرة للسياسيين ووسائل الإعلام، والطوائف الدينية الأخرى في ألمانيا، عندما يتعلق الأمر بمخاوف السكان المسلمين هناك. وتجدر الإشارة إلى أن المجلس حاضر دائمًا في وسائل الإعلام الألمانية، وقد أجرى العديد من الاتصالات فيما يتعلق بالشؤون السياسية، على مدار السنوات السابقة.

سيجريد هيرمان-مارشال

وكان التجمع الإسلامي الألماني قد تعرّض لانتقاداتٍ علنية بسبب ارتباطه بجماعة الإخوان المسلمين. وقد وضع البيان الصحفي للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، الذي أعلن فيه خلافه مع التجمع الإسلامي الألماني، الذي صدر في 31 يناير 2022، نهاية مؤقتة لهذا الجدل العام. في الفترة التي تلَت تعليق عضوية التجمع الإسلامي في عام 2019، أصبح المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا أكثر ظهورًا وحضورًا في وسائل الإعلام والمجتمع المدني والسياسة. والآن بعد طرد التجمع الإسلامي الألماني، هل ينبغي لنا حقًا اعتقاد أنه لم يعد هناك المزيد من الإخوان في المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا؟

التجمع الإسلامي الألماني: أضخم جمعية ينظم فيها الإخوان المسلمون أنفسهم في ألمانيا

يُعتبر التجمع الإسلامي الألماني أضخم جمعية في ألمانيا تجمع الإخوان المسلمين. كما أنه الأكثر شهرة، على الرغم من أنه غيّر اسمه مرات عدة على مدى وجوده في محاولة للتخلص من وصمة المراقبة من قبل المكتب الاتحادي لحماية الدستور. ومع ذلك، فقد فشلت معظم هذه المناورات والدعاوى القضائية. وكعضو في المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، تمتع التجمع الإسلامي الألماني بالقدرة على الوصول إلى القنوات السياسية، وهو ما كان من الصعب أن يتمكن من تحقيقه دون هذه العضوية.

اقرأ أيضاً: كيف تتعامل النمسا وألمانيا مع أنشطة الإخوان المسلمين؟

عندما أحضر كولر، رئيس المجلس الأعلى آنذاك إبراهيم الزيات، رئيس التجمع الإسلامي الألماني وقتها إلى “مؤتمر الإسلام في ألمانيا” في عام 2007، وهي جولة من المحادثات بين وزارة الداخلية الألمانية، والمنظمات الإسلامية، كان ذلك بمنزلة الفضيحة، لأن وزارة الداخلية لم تقم بدعوته مع ذلك، فقد ظل حاضرًا في ذلك اليوم. ورغم أن الوزارة ابتعدت عن التجمع الإسلامي الألماني، لكنها لم تبتعد عن المجلس الأعلى للمسلمين.

كان المجلس الأعلى، خاصة في السنوات الأخيرة، ناجحًا للغاية في الظهور مع السياسيين على مستوى الولايات والمستوى الاتحادي، وتسلل إلى أعلى الدوائر السياسية. وقد حصلت مشاريع المجلس الأعلى على الدعم من خلال الأموال عامة، كما لو أن المجلس لم يكن مرتبطًا بالتجمع الإسلامي الألماني أو لم يكن لديه في حد ذاته مكون محل شكوك. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن الانتقادات العلنية التي تعرض لها حول أعضائه، لفتت الانتباه إلى صلاته مع منظمة الذئاب الرمادية القومية التركية المتطرفة، والمنظمات المتأثرة بالنظام الديني الإيراني.

تواجه السلطات الألمانية النفوذ التركي عبر المساجد في الداخل- وكالات

لم يرتفع صوت انتقاد التجمع الإسلامي الألماني كعضو في المجلس الأعلى للمسلمين إلا في وقتٍ لاحق، الأمر الذي دفع التجمع الإسلامي لمحاولة الابتعاد عن الأنظار، حيث لم تُذكر أسماء المساجد الأعضاء فيه علنًا، وسُمح لها بالظهور كمنظماتٍ مستقلة. وعلى الرغم من الصلة الواضحة، كانت هناك دعاوى قضائية ضد أولئك الذين لفتوا الانتباه إلى هذه الصلة. قبل سنواتٍ، حذر المكتب الاتحادي لحماية الدستور من هذه التكتيكات التي تهدف للتمويه. وقد تصرفت منظمات أخرى من جماعة الإخوان المسلمين في المجلس الأعلى للمسلمين بصورة أكثر تآمرية، ولا تزال ممثلة في المجلس. لذا، فإن البيان الصحفي لم يأت موجزًا جدًا بلا سبب.

ما المنظمات التي لا تزال موجودة؟

نشرت قائمة مجلس الإدارة الأخيرة للمجلس الأعلى للمسلمين في عام 2016. وقد نشرت قائمة العضوية الأخيرة في الوقت نفسه. لقد واجه الأعضاء الأقل بروزًا في المجلس الأعلى للمسلمين انتقاداتٍ علنية أقل في السنوات الأخيرة. وقد حقق المجلس الأعلى بعض أهدافه، مثل تعزيز النشاط الديني للشباب في المساجد، وتلقى الأموال التي طلبها لبعض مشاريعه. وتعامل السياسيون مع المجلس كما لو أنه ليس لديه مصلحة طائفية، بل ممثل لعددٍ كبير من المسلمين. ويرجع سوء التقدير من قبل السياسيين -بالإضافة إلى الاسم- أيضًا إلى تاريخ المجلس. ذلك أن المجلس الأعلى للمسلمين ادّعى منذ تأسيسه أنه قادر على التحدث باسم جميع المسلمين تقريبًا في ألمانيا.

اقرأ أيضاً: عن أول مدرسة في ألمانيا ممولة حكوميا لتخريج الأئمة

ومن أجل التأكيد على هذا الادّعاء، في المرحلة الأولى من نشأة المجلس، في فترة التسعينيات، كان هناك تمثيل للمسلمين من مختلف الطوائف القادمين من مختلف البلدان في المجلس. وكانت “مجموعة العمل الإسلامية في ألمانيا” نقطة اتصال للمصالح المشتركة للمنظمات الإسلامية منذ عام 1987. ومنذ تأسيسه، كان المركز الإسلامي في آخن (IZA)، الذي يأتي منه رئيس مجلس الإدارة المهيمن على المجلس. وتوجد لديه، مثل التجمع الإسلامي في ألمانيا، شبكة من المساجد المرتبطة به.

قبل سنواتٍ، رأى المكتبُ الاتحادي لحماية الدستور أن التجمعَ الإسلامي، والمركزَ الإسلامي في آخن، متشابهان أيديولوجيًا، ومن حيث عدد المتعاطفين أيضًا. ويرى أن التجمع الإسلامي قد أسسته جماعةُ الإخوان المسلمين المصرية، في حين أن المركز الإسلامي في آخن قد تأثر بجماعة الإخوان المسلمين السورية.

تسعى الحكومة الألمانية إلى تقويض نفوذ تركيا على المساجد- وكالات

لم يكن الاتحادُ الإسلامي التركي للشؤون الدينية، الذي يُعتبر هيئة حكومة دينية تركية، باعتبار أن معظم المساجد في ألمانيا تتبعه، عضوًا رسميًا في المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا. وربما أن القرب من تركيا، والحجم الهائل للدولة، جعل الجمعيات المرتبطة بالاتحاد الإسلامي التركي تشعر أنها تستطيع التحدث إلى السياسيين الألمان انطلاًقا من سلطتها الخاصة.

وعلى هذا النحو، شمل المجلسُ الأعلى للمسلمين -في المقام الأول- المنظمات ذات الأصل التركي الأصغر والأقل ارتباطًا بالدولة التركية، و/أو التي لم تكن تنظر إلى إسلام الدولة التركية في التسعينيات على أنه كافٍ. وباستثناء الاتحاد الأوروبي الإسلامي التركي، الذي يمكن تصنيفه ضمن منظمة الذئاب الرمادية، لم تعد هذه الجمعيات ممثلة في المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا.

اقرأ أيضاً: تدريب الأئمة.. زوبعة توتر العلاقات بين ألمانيا وتركيا

في البداية، كانت فكرة توحيد الشيعة والسنة في الشتات حاضرة. ومع ذلك، فقد قُوِّضت الفكرة مع تأسيس منظمة شيعية جامعة، هي الجمعية الإسلامية للطوائف الشيعية في ألمانيا (IGS). يعتبر المركز الإسلامي في هامبورغ (IZH)، عضو المجلس الأعلى للمسلمين، هو بشكلٍ غير رسمي العضو الأكثر نفوذًا في هذه المنظمة المظلة. وتضم الجمعية الإسلامية للطوائف الشيعية في ألمانيا، التي تأسست في عام 2009، أكثر من 100 جمعية عضو. وهذا التداخل غير معترف به علنًا، على الرغم من أنه يعني، على الورق، أن هذا المسجد الشيعي على الأقل هو عضوٌ في المجلس الأعلى للمسلمين، ولا يزال ممثلُ المركز الإسلامي في هامبورغ مدرجًا كعضو في مجلس إدارة المجلس.

الوضع الحالي

على الرغمِ من الحضور الإعلامي الضخم للمجلس الأعلى، فإن الإعلان الأخير ظلَّ مهملًا بشكل غريب من قبل وسائل الإعلام. ولم ينشر البيان سوى عدد قليل من وسائل الإعلام، مثل صحيفة “دي فيلت” التابعة لمجموعة سبرينجر. ولا يبدو أن الجهات الفاعلة الاجتماعية الأخرى، مثل الكنائس، التي أسهمت في تهيئة المجلس الأعلى كشريكٍ في الحوار السياسي على مرِّ السنين، تلاحظ التغيرات البنيوية في المجلس الأعلى على الإطلاق. إذن، كيف يمكن تفسير هذا؟

إحدى الإجابات هو أن هناك حاجة إلى المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، أو هناك شعور بالحاجة إليه. يمكن للصحافة دائمًا الاعتماد على المجلس كـ “صوت إسلامي” سريع الاستجابة عندما يتأثر المسلمون بحادثةٍ ما. ويبدو أن رئيس المجلس ليس لديه وظيفة أخرى غير حشد الأنصار، وممارسة الضغوط لصالح المجلس، وإدارة الفروع التابعة للمجلس. وهذا على النقيض من أعضاء مجلس إدارة المجلس الآخرين، الذين هم أطباء أو رجال أعمال. أما هو فيطلق على نفسه تلك التسمية الغامضة، “مستشار سياسي”. وهو دائمًا ما يفرغ وقتًا للصحافة، التي تتجنب في المقابل إلقاء نظرة فاحصة على ما هو عليه في الواقع.

تدرِّب ألمانيا الأئمة من أجل تقديم جيل جديد من الدعاة- وكالات

جرى تضخيم المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا من قبل الكنائس ليصبح شريكًا في السياسة، لأن ذلك يمكّنها من تمرير مصالحها الخاصة كمصالح تخدم المؤمنين بشكل عام. كما يستخدم السياسيون المجلس لأن الكثيرين يعتقدون أنه يفتح الباب أمام الناخبين المسلمين. ومع ذلك، أظهرت دراسة أجرتها وزارة الداخلية الاتحادية في عام 2020 أن 16% فقط من المسلمين الألمان يعرفون المجلس، و7% فقط يشعرون بأنه يمثلهم. وهذا يؤدي إلى مشكلة أساسية في تعامل المجلس مع السياسة.

الأمر لا يقتصر فقط في كون المجلس لا يمثل المسلمين جميعًا في ألمانيا. السياسيون ورجال الكنيسة الذين يتعاملون معه يفعلون ذلك على أمل أنه إذا تم تمويل المجلس بطريقةٍ تشبه تمويل الكنيسة، فإنه سيتصرف بطريقة تشبه الكنيسة. غير أن المشكلة أن المجلس لا يفكِّر بهذه الطريقة. وعلى الرغم من أنه يريد أن يكون جمعية دينية، فإنه ليس مثل الكنيسة، سواء في التكوين أو الهيكل أو في الطريقة التي يتعامل بها أعضاؤه. لكن المصلحة الذاتية للسياسيين -خاصة المقربين من الكنيسة- تتغاضى عن هذه الحقائق، فهم يريدون جمعية إسلامية مقبولة، ويمكن التأثير عليها، ولا يهم عدد المرات التي يقابل فيها المجلس ثقتهم هذه بإشراك الإخوان المسلمين القدامى في مشاريع ممولة من القطاع العام.

اقرأ أيضاً:  “قرار تاريخي” كواليس استبعاد منظمة إخوانية من “مجلس مسلمي ألمانيا”

الطبيعة التآمرية لجماعة الإخوان المسلمين هي أحد الجوانب التي أدّت إلى تراجعها في الشرق الأوسط. ومع ذلك، يحاول المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا تبرير هذا السلوك بادّعاء أن افتقاره للشفافية -حول عضويته وبنيته الداخلية- أمر ضروري بسبب المخاوف الأمنية. لكن لا يوجد سبب للاعتقاد بأن هذا صحيح. والأرجح أنه يدرك أن صورته العامة سوف تتضرر إذا كشف عن أعضائه.

على سبيلِ المثال، كشفت قائمة العضوية المتاحة الأخيرة عن عددٍ من الأعضاء الذين تربطهم صلات بجماعة الإخوان المسلمين. ومن المعروف أن عددًا من الأعضاء يخضعون أو كانوا يخضعون لمراقبة المكتب الاتحادي لحماية الدستور. وقد ورد ذكر الاتحاد الأوروبي الإسلامي التركي، عضو كبير في المجلس، في تقرير المكتب الاتحادي لمدة سنتين متتاليتين.

وقد وضع المركز الإسلامي في هامبورغ تحت مراقبة مكتب هامبورغ التابع للمكتب الاتحادي لمراقبة الدستور لسنواتٍ عديدة. كما يخضع عدد من الأفراد للتدقيق من قبل السلطات الأمنية. والحقيقة هي أن جميع المشكلات نفسها التي تنطبق على التجمع الإسلامي في ألمانيا تنسحب على المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا.

تفرض ألمانيا قيوداً مشددة على الجماعات التي يشتبه في علاقاتها بالمتطرفين- وكالات

وقد ذكر المركز الإسلامي في هامبورغ في تقارير صادرة عن المكتب الاتحادي لحماية الدستور لسنوات عديدة. وكون أنه لم يدرج في تقرير ولاية شمال الراين-وستفاليا في السنوات الأخيرة لا يعني أنه لا يخضع للمراقبة، بل إنه مجرد انعكاس للتدابير التي اتخذها المركز لإخفاء أنشطته. لم يتغير المركز في الهيكل أو الأيديولوجية. وما يزال يشارك في أنشطة شبكة عمل الإخوان المسلمين، كما اتضح مؤخرًا، مرة أخرى، في التقرير النهائي لشهر سبتمبر 2021 الصادر عن رئاسة الشؤون الدينية التركية والمجلس الأوروبي للفتوى والبحوث، وهو هيئة كان يقودها يوسف القرضاوي وتهيمن عليها جماعة الإخوان المسلمين.

ومن أجلِ النأي بنفسه عن هذا الوسط، بدأ المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، منذ سنواتٍ عدة، في إنشاء هيكل أكثر لا مركزية، يتماشى مع الهياكل الاتحادية في ألمانيا، وإقامة جبهات قابلة للإنكار. وستظهر الأيام المقبلة ما إذا كان هذا التمويه سينجح.

نظرة مستقبلية

حقيقة أن التجمع الإسلامي في ألمانيا قد استبعد الآن لا تعفي المجلس الأعلى للمسلمين من علاقاته مع الإخوان المسلمين. ذلك أن الانفصال لا يزيل سوى جزءٍ من الانتقادات الموجهة للمجلس، التي تتنامى منذ عام 2019. لكن الانتقادات الأخرى -للمركز الإسلامي في هامبورغ، والاتحاد الأوروبي الإسلامي التركي، وأعضاء آخرين- لا تزال قائمة.

اقرأ أيضاً: هل انتهى شهر العسل الطويل لـ”الإخوان” في ألمانيا؟

وقد خضعت أنشطة المركز الإسلامي، على وجه الخصوص، بوصفه عنصرًا مؤثرًا للغاية في المجلس الأعلى للمسلمين، لتدقيقٍ عام متزايد. في تقديري، هذا يعني أن المركز الإسلامي في هامبورغ سوف يضطر إلى استبعاد المزيد من الأعضاء، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تقليص المجلس الأعلى للمسلمين أكثر من ذلك، وبالتالي يجعله أقل تمثيلًا لمسلمي ألمانيا.

ومع ذلك، سيبقى تقييم ذلك صعبًا طالما بقيت قائمة العضوية سرية، وطالما ظلَّ المركز الإسلامي محميًا من التقييم العام الواقعي من قبل الكنائس، ووسائل الإعلام، والسياسيين، وقطاعات من المجتمع المدني. الأمر الذي يمكن أن يزيل هذا اللبس والغموض هو إذا ما ذُكر المركز الإسلامي نفسه مرة أخرى في تقارير المكتب الاتحادي لحماية الدستور. وهذا ممكن، وسيكون ملائمًا أيضًا.

♦باحثة مستقلة في قضايا المنظمات الإسلاموية، ومحللة لهياكل الحركات الإسلاموية، تعيش في شمال الراين وستفاليا، ألمانيا.

المصدر: عين أوروبية على التطرف

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة