الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةمقالات
المأساة والتضامن
لقد ذكرنا الزلزال في تركيا وسوريا بأهمية التضامن في الوقت الذي أصبحت فيه الانقسامات في المجتمع الدولي أكثر عمقاً مما كانت عليه

كيوبوست
د.دينيس ساموت
يتلاشى بسرعة الأمل في العثور على ناجين تحت الأنقاض التي سببها الزلزال الهائل الذي ضرب تركيا وسوريا قبل بضعة أيام. تجاوز عدد الضحايا المعروف حتى الآن ثلاثين ألفاً بسبب الزلزال المدمر الذي بلغت شدته 7.8 درجة، وضرب جنوب شرق تركيا وشمال غرب سوريا في السادس من فبراير. وهنالك مخاوف كبيرة من أن يرتفع هذا العدد إلى أكثر من خمسين ألفاً. وبالإضافة إلى عشرات الآلاف من المصابين، تضرر الملايين من عواقب هذه المأساة.
كان هذا أقوى زلزال يضرب تركيا منذ عام 1939. وعواقبه الإنسانية وخيمة للغاية، ويرجح أن تكون له عواقب سياسية على المدى الطويل أيضاً. وقد قيل الكثير حول ما إذا كان بمقدور تركيا أن تفعل المزيد للاستعداد لمثل هذه الكارثة التي يعلم الجميع أنها ستقع يوماً ما. لكن هذا الجدل سوف يُثار في وقت لاحق. والآن يجب تركيز جميع الجهود على الأعمال الإنسانية لضمان عدم وجود المزيد من الناس تحت الأنقاض ينتظرون مَن ينقذهم، ولتلبية احتياجات مئات الآلاف إن لم يكن الملايين من المتضررين ممن فقدوا أحباءهم وبيوتهم ودُمِّرَت حياتهم تماماً بسبب الزلزال.
اقرأ أيضاً: لماذا تحدث الزلازل؟
تضامن المجتمعات
في مثل هذه اللحظات، عندما تضرب كارثة كبيرة كثيراً ما تتألق قصص الخير والشجاعة الإنسانية؛ مما يعيد الإيمان بالإنسانية وقيمها حتى عند أكثر الناس تشاؤماً. كانت الاستجابة للكارثة في تركيا ملهمة؛ وضع الناس من مختلف مشاربهم خلافاتهم جانباً، وانخرطوا في مساعدة ضحايا الزلزال. هنالك الآلاف من القصص الإنسانية الفردية وقصص البطولة، والكثير من القصص المتعلقة بالعاملين في فرق الإنقاذ. ويأتي ذلك على الرغم من أن تركيا كانت في خضم حملة انتخابية مثيرة للانقسام. وبغض النظر عن خلافات الأتراك والأكراد والانقسامات المجتمعية الأخرى، أدرك الجميع أن الزلزال لم يفرق بينهم وكان أثره على الجميع.
تعكس مثل هذه المآسي أحياناً تضامن المجتمع الدولي، الذي نادراً ما نراه هذه الأيام متفقاً على القضايا الأخرى. كانت الاستجابة الدولية للكارثة مشجعة للغاية على الرغم من الوضع الدبلوماسي والسياسي المعقد. وهذا السياق يوضح بشكل جزئي أسباب اختلاف الاستجابة بالنسبة إلى البلدَين المنكوبَين.

العالم يهرع لإغاثة تركيا
تمثل تركيا قوة إقليمية مهمة، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي ودولة ذات علاقات وطموح عالميَّين. وقد تأثرت عشر من ولاياتها الواحدة والثمانين بالزلزال؛ لذلك فمن غير المستغرب أن الاستجابة الدولية لدعمها في محنتها كانت غامرة.
وتركيا هي أيضاً دولة تتمتع بقدر معقول من التنظيم. وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهت إلى الحكومة لبطء استيعابها فداحة الكارثة والاستجابة لها، فقد تمكنت أنقرة من تعبئة موارد داخلية كبيرة وإنجاز ترتيبات لوصول المساعدات الدولية إلى المناطق الأكثر حاجة؛ بما في ذلك فتح ممرات جوية إنسانية خاصة. وهذا ما أتاح لأكثر من مئة دولة إرسال مساعدات إلى تركيا خلال الأسبوع الماضي.
اقرأ أيضاً: سوريا.. بين مطرقة الزلزال وسندان العقوبات
كانت هنالك مساعدات من جهات غير متوقعة أيضاً. فأرمينيا، التي كانت على مدى عقود على علاقة متوترة مع تركيا، كانت من أولى الدول التي استجابت. ولأول مرة منذ ثلاثين عاماً، تم فتح الحدود البرية بين البلدَين لتتمكن الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية من الوصول بسرعة إلى المناطق المنكوبة؛ الأمر الذي حمل رمزية كبيرة. فبصرف النظر عن القيمة الإنسانية لمثل هذه الإجراءات، فهي خطوة مهمة لبناء الثقة بين البلدَين في وقت يفكر فيه البلدان في طرق مناسبة لتطبيع علاقاتهما. وقد قبلت الحكومة التركية هذه المساعدة بكل امتنان.
كما كان وصول وزير الخارجية اليوناني إلى منطقة الكارثة مثالاً آخر على وضع السياسة جانباً في مثل هذه اللحظات المظلمة.

عزلة سوريا أعاقت الجهود الإنسانية
في سوريا، كان الوضع مع الأسف أقل تشجيعاً؛ فالنظام السوري يعاني عزلة دولية وعقوبات فرضها عليه المجتمع الدولي. والبلاد لا تزال تعاني حرباً أهلية؛ حيث لا تسيطر دمشق على مساحات كبيرة من الأراضي السورية. كما أن البنية التحتية في المناطق المتضررة من الزلزال هشة للغاية، وقد تدهورت بسبب سنوات من الحرب والإهمال قبل وقت طويل من الكارثة. وهذ ما زاد من صعوبة الجهود الإنسانية.
كان من المهم أن تخفف الولايات المتحدة على الفور عقوباتها على سوريا؛ لضمان عدم إعاقة وصول المساعدات الإنسانية، وقد تبعتها دول غربية عدة. وقد استغرق نظام بشار الأسد وقتاً أطول للموافقة على الوصول إلى المناطق الخارجة عن سلطته السياسية، كما اتهمه البعض بمحاولة الاستفادة سياسياً في لحظة مأساة وطنية.
شاهد: فيديوغراف: جسور الخير.. هبَّة إماراتية لنجدة ضحايا الزلزال
ولكنْ هنالك أيضاً بريق أمل في أن تخف قليلاً المعاناة الإنسانية في أعقاب الزلزال إذا ما اتفقت جميع الأطراف على ترك السياسة جانباً والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية دون معوقات.
الاستجابة السريعة والسخية لدول مجلس التعاون الخليجي
من القصص الإيجابية لمأساة الأسبوع الماضي؛ الاستجابة السريعة والسخية لدول مجلس التعاون الخليجي. وهنا لم يكن التضامن نابعاً من الحكومات فقط؛ بل أسهم الأفراد أيضاً بسخاء في صناديق الإغاثة التي تم إنشاؤها. تم جمع ملايين الدولارات في غضون أيام قليلة من التبرعات العامة في المملكة العربية السعودية وغيرها. وفي أبوظبي ودبي توافد الآلاف على مراكز الإغاثة للمساعدة في تقديم المساعدات العاجلة. وقد أبرزت زيارة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد، إلى المناطق التي ضربها الزلزال في تركيا وسوريا، مدى التزام القيادة الإماراتية بالجهود الإنسانية.

أهمية التضامن
لقد ذكَّرنا الزلزال في تركيا وسوريا مرة أخرى بأهمية التضامن ضمن الدولة وبين الدول. في الوقت الذي أصبحت فيه الانقسامات في المجتمع الدولي أكثر عمقاً مما كانت عليه على مدى العقود الماضية، لا يمكن أن نأخذ هذا التضامن على أنه أمر مفروغ منه.
تمتلك الكوارث الطبيعية القدرة على تذكير البشر بمدى ضعفهم في مواجهة الطبيعة. ضربت الزلازل العالم منذ بداية الزمن، وسوف تستمر في ذلك. ولكن الآن هنالك تحديات جديدة تلوح في الأفق؛ ومنها تلك الناتجة عن تغير المناخ. ناهيك بالأخطار المتزايدة للحوادث النووية التي يمكن أن تحمل معها عواقب غير مسبوقة. لا توجد دولة بمفردها قادرة على التعامل مع هذه المخاطر، وهذا ما يؤكد ضرورة وجود استجابة عالمية موحدة. لقد أظهرت لنا أحداث الأيام الماضية أنه عندما تقع الكوارث؛ فإن العالم يستجيب بسخاء. لكن هذا أيضاً يثير التساؤل حول أفضل السبل للاستعداد لمثل هذه الكوارث على المستويين الوطني والدولي.
شاهد: فيديوغراف… الإمارات توجه بمساعدات عاجلة لسوريا وتركيا بعد الزلزال
تحتاج المأساة التي تكشفت في تركيا وسوريا مؤخراً إلى تركيز عقول صانعي القرار في جميع أنحاء العالم على الحاجة إلى العمل الجماعي بشأن القضايا الإنسانية؛ استعداداً للطوارئ المختلفة ولضمان تعبئة الموارد المطلوبة وجاهزية إيصال المساعدات بسرعة وفعالية. لكن أولاً وقبل كل شيء يجب أن تذكرنا المأساة الحالية بأهمية التضامن في تعاملاتنا بعضنا مع بعض كأفراد ودول. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة إلى تفكير جديد ومبادرات جديدة؛ لضمان استعداد العالم بشكل أفضل للكوارث، سواء أكانت طبيعية أم من صنع البشر.
♦مدير مؤسسة “لينكس يوروب” في لاهاي، ومدير تحرير موقع commonspace.eu ([email protected])
لقراءة الأصل الإنكليزي: QP Tragedy and Solidarity