الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفة
اللقاح وحده لا يكفي للقضاء على الجائحة!

كيوبوست- ترجمات
كايلي هاربر
مع استمرار الجدل في الولايات المتحدة حول أهمية اللقاح في مواجهة الجائحة، كتبت كايلي هاربر، في صحيفة “التايم” مقالاً تناقش فيه مدى فعالية اللقاح في القضاء على “كوفيد-19” بشكل نهائي. وترى هاربر أن اكتشاف اللقاحات كان من أهم الإنجازات العلمية على مر العصور؛ ولكن الحلول التقنية وحدها لا تكفي.
اقرأ أيضاً: كيف ننقذ العالم من كوفيد طويل الأجل؟
في عام 1806، كتب الرئيس توماس جيفرسون، رسالة إلى الطبيب الإنجليزي إدوارد جينر، يهنئه فيها على اكتشافه لقاحاً لمرض الجدري، بعبارات سخية: “لم يحقق الطب أي تقدم يحمل مثل هذه الفوائد، سيدرك العالم في المستقبل أن الجدري قد أصبح من الماضي وتم استئصاله بفضلك”. لقد أفرط الرئيس جيفرسون في التفاؤل. صحيح أن معدل الوفيات بسبب الجدري انخفض بعد انتشار اللقاح؛ ولكن هذا التقدم توقف في أواخر القرن التاسع عشر، وحتى في القرن العشرين كانت هنالك الآلاف من حالات الإصابة بالجدري سنوياً في الولايات المتحدة، ولم يتم القضاء على المرض على مستوى العالم حتى عام 1977؛ أي بعد 171 عاماً من رسالة جيفرسون التي تصور فيها عالماً خالياً من الجدري.

تقول هاربر إن جائحة “كوفيد-19” كانت تذكيراً مؤلماً بأن مواجهة الأوبئة تتطلب العلم والتكيفات الاجتماعية أيضاً، وترى أن تطوير عدد من اللقاحات الفعالة والآمنة خلال أقل من عام واحد يعتبر إنجازاً رائعاً؛ ولكن التردد في أخذ اللقاح في الولايات المتحدة وانعدام المساواة في توزيع اللقاحات على المستوى العالمي سمحا للوباء بالانتشار من جديد دون رادع. كانت الولايات المتحدة قبل الجائحة تصنف على أنها مهيأة بشكل جيد للتصدي للأوبئة، ومع ذلك فقد كانت استجابتها كارثية. كان العلم جاهزاً؛ لكن المجتمع لم يكن كذلك.
وكمؤرخة للأمراض المعدية سبق لها أن توقعت وباءً مزعزعاً، لا ترى هاربر مفاجأة في ذلك، وتقول إن ما يثير القلق هو أننا لا نستوعب الدرس. في الشهر الماضي، أصدرت إدارة بايدن ملخصاً عن خطة التأهب للأوبئة المستقبلية؛ وهي خطة جريئة ترصد 65 مليار دولار على مدى عشر سنوات، تقوم على أساس حقيقة واقعية مفادها أن حدوث وباء آخر هو أمر لا مفر منه. وتتوقع الخطة زيادة في تواتر التهديدات البيولوجية الطبيعية أو تلك التي من صنع الإنسان. وترى أن هنالك فرصاً لظهور عوامل ممرضة معدية مثل الفيروس المسبب لـ”كوفيد-19″؛ ولكنها أشد فتكاً منه. تحمل استراتيجية الرئيس بايدن المقترحة الكثير مما يثير الإعجاب؛ فهي تَعِد باستثمارات كبيرة في المجالات الحرجة، كأنظمة المراقبة والإنذار المبكر، وأنظمة التتبع اللحظي لتطور الفيروس، وتحديد طرق تطوير ونشر اللقاحات بشكل أسرع، بالإضافة إلى تحسينات في مجال الصحة العامة على المستوى المحلي والدولي.
اقرأ أيضاً: المزيد من الدول توصي بتنويع جرعات اللقاح.. فهل هذا مفيد؟
لكن المشكلة في هذه الاستراتيجية هي أنها تركز بمعظمها على الحلول التقنية، ولا تحتوي إلا على إشارات بسيطة إلى جهود متواضعة لفهم كيفية استجابة المجتمعات لتحدي الأوبئة وكيفية العمل لجعل هذه المجتمعات أكثر مرونة. تدعو الخطة إلى ما سمته “تواصل الصحة العامة المبني على الأدلة”، وهذا أمر يستحق الثناء؛ ولكن بخلاف ذلك لا يوجد شيء يضاهي تطلعاتها العلمية من خلال دعوة طموحة إلى إعداد المجتمع الأمريكي للتعامل مع التهديد التالي بمزيد من التماسك والقوة. لا شك في أن مقاربة تشبه مقاربة مشروع المركبة الفضائية أبولو تستحق الهتاف لها؛ لكن التأهب لمواجهة جائحة يختلف عن الوصول إلى القمر؛ لأن النجاح هنا يتوقف على سلوك أكثر من 300 مليون أمريكي وثمانية مليارات إنسان على مستوى العالم.

وتشير كاتبة المقال إلى أنه من المحبط أن تكون تجربة “كوفيد-19” قد جعلت من مجتمعنا أقل استعداداً للتحديات المستقبلية. لقد كان التعاطي بعقلية قبلية تجاه مسألة استخدام الكمامة وأخذ اللقاح والتدابير الوقائية الأخرى سريعاً ومتطرفاً؛ مما شكَّل عقبة كبيرة في وجه الاستعداد. الحقيقة هي أن الصحة العامة أمر سياسي دائماً، ولكنها ليست دائماً موضع خلاف حزبي مرير؛ لا سيما في مجتمع مستقطب. في هذا الشأن ترى هاربر أن البلاد قد أخذت خطوة إلى الوراء. وتقول إن اللقاح الإجباري على سبيل المثال سمح لنا بهزيمة الجدري وأمراض أخرى خطيرة، وأصبح جزءاً من نظامنا الدستوري عندما قضت المحكمة العليا عام 1905 بأن التطعيم الإلزامي يقع ضمن صلاحيات الولاية. ربما تغيرت بعض الخصائص الدستورية؛ ولكن القضايا الأساسية لم تتغير. ونحن نستنبط إحساسنا بالمصلحة العامة في وقت تتفشى فيه الانقسامات وانعدام الثقة.
اقرأ أيضاً: 13 خرافة حول لقاحات “كورونا” يجب ألا نصدقها.. فما هي؟
وتخلص هاربر للقول: كلما أسرعنا في التعامل مع هذا الواقع، أصبحنا أكثر استعداداً. وتواصُل الصحة العامة المبني على الأدلة يشكِّل نقطة البداية؛ ولكنه ليس كافياً على الإطلاق. يجب أن نضع خطة عامة شاملة تستند إلى أعمال البحث والتطوير المستمدة من العلوم الاجتماعية والإنسانية. هنالك قدر كبير من الدراسات الجارية لمحاولة فهم أسباب استجابة الدول (وحتى الولايات) للجائحة بطرق متباينة. وبات من الواضح مدى تعقيد هذا السؤال الذي يتضمن الكثير من المتغيرات المرنة؛ مثل القيادة الجيدة وأيضاً العوامل الثقافية ذات الجذور التاريخية. ويجب على خطة بناء المرونة في وجه الأوبئة المستقبلية أن تواجه التوترات بين القيم الفردية والتماسك الاجتماعي، وتراجع الثقة العامة بالمؤسسات، وسموم الاستقطاب والدور السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل المواقف تجاه الصحة والطب، وغياب المساواة التي كان لها أثر واضح جداً أثناء الجائحة.

باختصار، تستحق مبادرة بايدن درجة جيد جداً من الناحية التقنية؛ ولكن ما لم تتم معالجة عيوبها فإنها ستفشل في أجندتها الاجتماعية. ونحن نعلم جيداً مصير هذه التوليفة عبر التاريخ وفي وقتنا الحاضر.
المصدر: صحيفة التايم