الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
اللاجئون التيغرانيون بحاجةٍ لعودة آمنة بعد حرب آبي

كيوبوست- ترجمات
ديفيد فولودزكو♦
بعد عامين من القتال العنيف، وأعمال الإبادة الجماعية، دخلت منطقة تيغراي في شمال إثيوبيا في سلامٍ هشٍّ بعد أن سلمت القوات المحلية بقيادة جبهة تحرير شعب تيغراي سلاحها الثقيل إلى الجيش الإثيوبي كبادرة حسن نية، وبعد أن انسحب مقاتلو الأمهرا من المنطقة. لكن هذا السلام محفوف بالمخاطر، ولابدّ للحكومة المركزية من العمل لضمان سلامة اللاجئين العائدين إلى المنطقة.
ومع أن بعض المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية كالكهرباء والاتصالات والمصارف وخدمات الإنترنت قد بدأت بالعودة إلى ميكيلي، عاصمة الإقليم، فإن هذه الخدمات لا تزال متواضعة جداً وتعاني من انقطاعات متكررة.

وقتل في هذه الحرب ما يتراوح بين 300 ألف و600 ألف مدني مقارنة بنحو 6952 مدنياً قُتلوا في أوكرانيا منذ بداية الحرب حتى يناير الجاري. وهذا ما يقارب ضعف ضحايا المعارك والعنف ضد المدنيين والانفجارات وأعمال الشغب التي وقعت العام الماضي في أفغانستان واليمن والصومال ونيجيريا مجتمعة. وأدى الصراع إلى تشريد ما يقارب 900 ألف لاجئ، فرَّ كثير منهم إلى شرق السودان، بالإضافة إلى 2.75 مليون نازح داخلي مما يعني أن 52% من سكان تيغراي قد تركوا منازلهم.
بالطبع لا يمكن إعادة الأرواح التي فقدت، لكن إذا ما كان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد يريد الحفاظ على تيغراي فلا بد من الترحيب بعودة هؤلاء اللاجئين، وهذا ما من شأنه أن يعزِّز سمعته كصانع سلام في إثيوبيا الجديدة.
اقرأ أيضًا: التطهير العرقي في إثيوبيا.. لم يعد من الممكن تجاهل ما يجري في تيغراي
بدأت الحرب في إقليم تيغراي في أعقاب أمرٍ غير دستوري أصدره آبي في يونيو 2020 يقضي بتأجيل الانتخابات الإقليمية بحجة جائحة كوفيد-19، وأتبع ذلك بتعبئة للقوات وتهديدات علنية بالإطاحة بقيادة الإقليم بعد إجراء الانتخابات المزمعة. ثم هاجمت قوات جبهة تحرير شعب تيغراي مقر القيادة الشمالية لقوات الدفاع الوطني الإثيوبية في ميكيلي، وأعلن آبي عن عزمه على “إنفاذ القانون” في عملية شملت إدخال القوات الفيدرالية من الجنوب، والقوات الإريتيرية المتحالفة معها من الشمال. وكانت النتيجة عامين من الحصار الذي شمل قطع الكهرباء والإنترنت والمصارف والغذاء، والخدمات الطبية، واستخدام المجاعة كسلاح حرب، ووقعت النساء من جميع الأعمار ضحايا لأعمال الاغتصاب والمذابح العرقية.

اليوم لا يكفي أن يقوم آبي بتعليق البنادق، وفتح أبواب العودة للاجئين. فالكثير من هؤلاء قد فقدوا منازلهم، ويعاني الإقليم بشكلٍ عام من قلة الغذاء والخدمات الصحية، حيث تم نهب ما يقارب من 70% من المرافق الطبية في الإقليم. أضف إلى ذلك انعدام الثقة لدى سكان الإقليم تجاه قوات الدفاع الوطني الإثيوبية التي ارتكبت وحداتها فظائع في المنطقة. وبطبيعة الحال، فلن يقبل آبي بتمكين جبهة تحرير شعب تيغراي من تأمين الموارد الغذائية والخدمات الأساسية لسكان الإقليم، بل سيعتمد على برنامج الغذاء العالمي لتوزيع المساعدات الغذائية في تيغراي وأمهرا وأوروميا.
وإلى جانب الأزمة الإنسانية، تعاني إثيوبيا من أزمةٍ اقتصادية حادة، وهي اليوم واحدة من أفقر دول العالم إذ لا يتعدى نصيب الفرد فيها من الدخل القومي 960 دولاراً. ومع ذلك فإن هذا الفقر يخفي إمكانيات هائلة، فإثيوبيا واحدة من أكبر الاقتصادات في إفريقيا، وثاني أكبر دولة فيها من ناحية عدد السكان.
وفي عام 2019 بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للدولة ما يقارب 9% وكان خامس أعلى معدل في العالم، قبل أن يتراجع إلى 4.8 في عام 2022. وتم تخفيض التصنيف الائتماني للبلاد إلى درجة “غير مرغوب فيه”، مما يعني أنه بات من المستحيل عملياً الحصول على قروضٍ لتمويل مشاريع البنية التحتية العامة التي ساعدت على دفع النمو في السنوات التي سبقت الحرب.
اقرأ أيضاً: الحرب الأهلية في إثيوبيا.. 5 أسباب ترجح أن التاريخ لن يعيد نفسه!
يستطيع آبي تسديد ديون إثيوبيا عن طريق الخصخصة، مثل بيع شركات السكر أو تراخيص تشغيل الاتصالات، ولكن حتى لو تمكنت البلاد من الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالديون، فإن اقتصادها لا يقف على أرض ثابتة.
ففي عام 2022 شهدت إثيوبيا ارتفاع مستوى التضخم إلى أعلى مستوياته، منذ عشر سنوات، وعانت من أسوأ موجة جفاف منذ أربعين عاماً، ولا تزال تعاني من الآثار الاقتصادية للجائحة والحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى أن الحرب في تيغراي قد دمرت سلاسل التوريد المحلية، ورفعت أسعار المواد الغذائية بشكلٍ كبير إلى درجة تهدِّد بإشعال حربٍ أخرى.
كل ما سبق يعني أن الترحيب بعودة اللاجئين هو أكثر من مجرد قضية أخلاقية، فإعادة بناء الاقتصاد يحتاج إلى رأسمال بشري. ولحسن الحظ، فإن البنية التحتية التي ستساعد على عودة الناس ستوفر نوعاً من الاستقرار للاقتصادات المحلية، وهذا يشمل بناء المستشفيات والمدارس وخلق فرص عمل للعائدين وشبكات الدعم لمساعدتهم على الاستقرار مرة أخرى، والمساهمة في نمو البلاد. ولكن هذه كلها حلول متوسطة المدى، والخطوة الأولى سوف تتطلب التركيز على الركائز الثلاث الأخيرة من الركائز الأربع لعودة اللاجئين (إعادة التوطين، إعادة الاندماج، إعادة التأهيل، إعادة الإعمار).

وعودة اللاجئين سوف تتطلب مساعداتٍ إنسانية طارئة، ومنحاً نقدية وتسليم المعدات الزراعية، وبالطبع ضمانات أمنية من الحكومة الفيدرالية، لا تقتصر على وقف القتال، بل تشمل إعادة تشكيل قوات الشرطة وسن تشريعات تحمي حقوق الملكية، وتعالج انتهاك حقوق الإنسان، وإعادة بناء الطرق ورفع الأنقاض وإصلاح شبكات المياه والصرف الصحي. ودون كل تلك الإجراءات، فلن يتمكن الناس من العودة إلى مناطقهم.
اقرأ أيضاً: الحرب الأهلية في إثيوبيا.. خطر وجودي يهدد أمن المنطقة
سوف يستغرق ترميم إثيوبيا عقوداً، والوقت بمر بسرعة. وكما تُظهر العديد من الدراسات، فإن احتمالية عودة اللاجئين إلى ديارهم تتراجع بمرور الوقت، وخاصة الأصغر سناً الذين هم الأكثر أهمية بالنسبة لمستقبل البلاد.
ولكن لسوء الحظ لا يبدو أن آبي يفكر في ذلك الأمر كثيراً. فقواته والقوات الإريترية لا تزال في المنطقة، ولا تزال قوات الأمهرا تسيطر على مناطق تسيليمتي وديما، في الغرب وألاماتا في الجنوب. ولا يزال الغذاء والخدمات الطبية غير متوفرين، وفي بعض المناطق لا يزال السكان غير آمنين. وربما يكون ذلك مخططاً له، حيث يقطف آبي ثمار السلام الرسمي، ويتجنب العقوبات الأمريكية، بينما يسمح للقوات الإريترية بالقيام بالأعمال القذرة دون أن يترك بصماته على مسرح الجريمة.
إذا كان آبي جاداً بشأن إنهاء الحرب، فلا بد له فعلياً من بناء السلام الذي وافق عليه على الورق. وحتى لو كان كل ما يريده هو السلطة فعليه التفكير بشكلٍ جدي في عواقب التمسك بها في بيئةٍ هشةٍ مثل تلك التي خلقها.
♦محرر في مؤسسة “برايترايت” للتكنولوجيا والمعلومات.
المصدر: فورين بوليسي