الواجهة الرئيسيةترجمات
اللاجئون الأفغان يقعون في الفخ التركي
رجال الأعمال الأتراك يستغلون العمالة الأفغانية الرخيصة.. ومالكو الشقق غير المؤهلة للسكن يطلبون إيجارات عالية للسماح للاجئين بالسكن والتستر عليهم.. فضلًا عن مضايقة النساء العزباوات وارتفاع أجور المهربين

كيوبوست – ترجمات
هربًا من بلد دمَّرته الحرب وأعمال العنف المتواصلة هناك، اختار الآلاف من المواطنين الأفغان إسطنبول عاصمةً افتراضيةً لهم في انتظار فرصة تحملهم إلى أوروبا، وفي الأثناء يحاولون الاختباء هنا هربًا من السلطات التركية التي تهددهم بالطرد في أي وقت.
هرب وجوع
في ليلة معتمة وعلى هذا الرصيف في حي زيتين بورنو، تحاول امرأة أفغانية شابة تهدئة طفلها الذي يصرخ طول الليل “إنه جائع ولم يتبقَّ معنا المزيد من الحليب المجفف لإرضاعه”، تقول حميدة.
ينام إلى جانب أسرة حميدة عديد من العائلات الأفغانية، كما تقول: “لقد اختبأنا هنا جميعًا عندما طردتنا الشرطة التركية من الحديقة المجاورة يوم أمس”. يشير زوجها مسعود إلى ندوب تعرَّض لها على يد عناصر الشرطة الذين أقدموا على ضربه بالهراوات: “انظروا إلى جراحي التي أُصبت بها؛ لكن بصراحة أُفَضِّل أن أتعرَّض إلى الضرب على أن تتم إعادتي إلى أفغانستان”.
يجلس مسعود على قطعة من الورق المقوَّى ويستطرد: “لقد هربنا من هيرات (غرب أفغانستان) قبل شهر؛ بسبب انعدام الأمن المتزايد في الفترة التي تسبق الانتخابات.. لقد بِعنا أبقارنا ومزرعتنا وسرنا عبر الجبال التي تفصل أفغانستان عن إيران؛ بمساعدة مجموعة من المهربين.. عندما وصلنا إلى تركيا، قبل أيام، اعتقدنا أننا سنستقر هنا لفترة من الوقت؛ لكن الكابوس مستمر في إسطنبول، نتنقل هاربين بين الحدائق العامة وباحات المباني، عندما تطاردنا الشرطة وتهدد بطردنا، وليس لدينا المال الكافي لإطعام طفلنا”.
في هذه المنطقة النائية من إسطنبول، تتكرَّر قصص مماثلة كل يوم، كما يقول موظف في وكالة السفر الأفغانية: “لم يعد هناك مَن يشتري التذاكر إلى كابول، في المقابل شهدت الأشهر الأخيرة وصول عديد من الشبان المهاجرين إلى هنا، يُمكن التعرف عليهم من حقائب الظهر الكبيرة التي يحملونها.. بعد ذلك بدأت عائلات بأكملها تصل إلى هذا الحي، وأطفالها تنام على أكتافها”.
اقرأ أيضًا: ما أسباب تفشي “كراهية الأجانب” في تركيا؟ وما علاقة الخطاب الحكومي بذلك؟
هجرات متكررة
على بُعد خطوات قليلة من بحر مرمرة، استضاف حي زيتين بورنو لسنوات كثيرًا من المهاجرين: الأويغوريين والسوريين، وفي هذه الأيام المزيد والمزيد من الأفغان؛ بسبب موجة العنف الجديدة في أفغانستان، ناهيك باللاجئين الأفغان القدامى في إيران “الذين يفرون الآن من الأزمة الاقتصادية؛ بسبب العقوبات الأمريكية الجديدة على طهران”، كما يقول علي حكمت، عضو جمعية التكافل والمساعدة للاجئين الأفغان.
ومن قبيل الصدفة المحزنة اصطدمت موجات الهجرة الأفغانية الجديدة بسياسة هجرة أكثر تشددًا في تركيا، البلد الذي يستضيف معظم اللاجئين في العالم؛ حيث تصدَّر خبر طرد السوريين (وهم 3.6 مليون في تركيا) هذا الصيف عناوين الصحف.
ومع ذلك، فإن الأفغان هم الأكثر تضرراً من الإنذار الذي فرضه حاكم إسطنبول، في يوليو الماضي، والذي يطالب اللاجئين غير المسجلين بمغادرة المدينة قبل 30 أكتوبر المقبل، على عكس السوريين؛ فإن معظم الأفغان لا يحملون وثائق، وبالفعل قد تم طرد 32000 أفغاني غير شرعي وإعادتهم إلى ديارهم (وهو أكثر من عدد الأفغان الذين طُردوا في عام 2018)، وَفقًا لوزارة الداخلية.
لا عمل خارج إسطنبول
نجيب الله، أفغاني تم نفيه، يبلغ من العمر 35 عامًا، يعرف أنه أكثر حظًّا من غيره؛ لأنه أحد القلائل الذين لديهم بطاقة حماية مؤقتة، لكنه يبقى مهددًا بالطرد، فسجل أوراقه في مدينة أرزينجان، التي وصلها قبل عامَين مع زوجته وطفلَيه؛ لكنه استقر في إسطنبول.
يقول هذا الميكانيكي الشاب الذي امتهن عدة وظائف مقابل أجر زهيد: “إسطنبول هي المكان الوحيد الذي وجدت فيه عملًا”. إذا أوقفته الشرطة اليوم فهو مهدد بالطرد؛ لأنه لا يمتلك أوراقًا من بلدية إسطنبول، “لديّ أصدقاء تم وقفهم وإرسالهم بالطائرة.. إن العودة إلى أفغانستان هي حكم مضمون بالإعدام”.
اقرأ أيضًا: طموحات وألاعيب وأجندات خفية.. كيف تستغل تركيا مجاهدي وسط آسيا؟
يسحب نجيب الله هاتفه الجوال ويشير إلى صور على صفحته الفيسبوكية: “انظروا! إنه ليس فيلم رعب؛ هذه هي صور الهجوم الانتحاري الذي وقع في 17 أغسطس واستهدف حفل زفاف في كابول، أرسلها إليَّ صديق، أكثر من 60 قتيلًا، و180 جريحًا على الأقل. كل هذا يبعد 500 متر فقط من منزلي! كان هناك نساء وأطفال.. كان ابن عمي هناك أيضًا، لقد فقد حياته”.
الحلم اليوناني
بين شبح الحرب أو الاعتقال في تركيا، فقد نجيب الله كل أحلامه؛ باستثناء أمل واحد كما يقول: “اليونان، أدَّخر المال؛ حتى أتمكن من اصطحاب عائلتي عبر البحر”.
بالإضافة إلى خطر الغرق في قاع البحر، فإن المهاجرين يظلون تحت رحمة خفر السواحل التركي الذي يقطع الطريق في بحر إيجة؛ فمنذ توقيع الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي لاحتواء تدفق اللاجئين في مارس 2016، بات لديه مهمة رسمية لمنع القوارب من العبور.
بمجرد اعتراضها، يُعاد المهاجرون غير الشرعيين إلى تركيا ويوضعون في مراكز الاحتجاز بعيدًا عن الأنظار، غالبًا ما يتم “إذلالهم وإهانتهم”، كما تقول فريدة، أرملة أفغانية، تبلغ من العمر 31 عامًا، وتضيف: “مع أبنائي الثلاثة، كنت أُخَيِّم لبضعة أيام في حديقة حي زيتين بورنو، وقبل أسبوعين تم توقيفنا في عرض البحر بالقرب من جزيرة ليسبوس اليونانية.. كان هناك 48 شخصًا على متن القارب؛ بينهم 15 طفلًا، تم ضرب المراهقين، وأوقفنا في مركز احتجاز بالقرب من إزمير”.
وتشرح فريدة، التي فضلت استخدام اسم مستعار: “لقد أُجبرنا على النوم على أرضية المَرأَب، وأُجبر المراهقون على غسل المرحاض”، في إحدى اللقطات العديدة التي التقطتها فريدة بهاتفها الخلوي، يقوم أطفال لا تتجاوز أعمارهم 12 عامًا بتنظيف سيارة للشرطة. “لقد قالوا لهم إن لم تنظفوا السيارة جيدًا لن تحصلوا على الطعام.. وعندما أطلقوا سراحنا أخبرونا بأنه في المرة القادمة التي يتم فيها القبض عليكم سيتم طردكم مباشرةً؛ لذلك جئنا للاختباء هنا في إسطنبول”.
اقرأ أيضًا: بيع الفتيات مقابل الغذاء: سوق جديدة صاعدة في أفغانستان.
للصفقة التركية- الأوروبية، التي انتقدها منذ البداية مدافعون عن حقوق الإنسان، آثارها الضارة أيضًا؛ فرجال الأعمال الأتراك يستغلون العمالة الأفغانية الرخيصة، ومالكو الشقق غير المؤهلة للسكن يطلبون إيجارات عالية للسماح للاجئين بالسكن والتستر عليهم، فضلًا عن مضايقة النساء العزباوات، وارتفاع أجور المهربين.
تقول فريدة: “لقد دفعنا 1000 دولار للمهرب على الرأس الواحد، وانتهت الرحلة بالفشل؛ لكننا سنكرر المحاولة.. قُلت لأولادي: لا مستقبل لكم هنا”.
المصدر: لوفيجارو.