الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
القمة الإفريقية (36).. لا جديد في قارة تحكمها الانقلابات
مراقبون يشككون في قدرة الاتحاد الإفريقي على إيجاد حل للعديد من الدول الإفريقية التي يتكالب عليها العنف والإرهاب

كيوبوست– عبدالجليل سليمان
35 رئيساً و4 رؤساء وزراء شهدوا القمة الإفريقية السادسة والثلاثين التي التأمت من 17 إلى 19 فبراير في “الزهرة الجديدة”، العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، برئاسة غزالي العثماني رئيس جزر القمُر، الذي تولى رئاسة الاتحاد الإفريقي خلفاً لنظيره السنغالي ماكي سال؛ حيث اختتمت أعمالها بتبني حزمة من القرارات والمطالب التي تستهدف الارتقاء بالقارة سياسياً واقتصادياً وتنموياً، وتخفيف حدة التوترات والحروب؛ وتصدر الملف الأمني أجندة القمة وفرض نفسه على طاولات حواراتها بموافقة المشاركين على مبادرة “إسكات البنادق” الرامية إلى إنهاء النزاعات المسلحة داخل إفريقيا بحلول 2030.
وقال العثماني، في ختام القمة: إن الاتحاد سيواصل تعليق عضوية 4 دول؛ هي بوركينا فاسو وغينيا ومالي والسودان، والتي حكمها قادة عسكريون عقب الانقلابات، بينما أكد مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن بالاتحاد، بانكول أديوي، عدم التسامح مع أي تغيير غير دستوري للحكومات، مطالباً بدعم الدول الأربع من أجل العودة إلى النظام الدستوري، وترسيخ وتعزيز التوجهات الديمقراطية وحمايتها.

اقرأ أيضاً: جيوش موازية… الميليشيات تشكل خطراً على الدول الإفريقية
لا جديد يُذكر
بالنسبة إلى الباحث في الشؤون الإفريقية محمود الدنعو، فإن القمة الأخيرة لا تختلف كثيراً عن سابقاتها، وإن تبنِّي الديمقراطية كنظام حكم لدول القارة يحتاج إلى حكومات منتخبة وَفق نظام ديمقراطي، وهذا ما تفتقده معظم دول القارة التي أقعدت بها الانقلابات العسكرية بجانب النزاعات والحروب الأهلية؛ خصوصاً إذا علمنا أن مبادرة إسكات البنادق التي ظهرت مجدداً على رأس أجندة القمة كان تم إقرارها وتبنيها قبل نحو 10 أعوام ضمن الخطة العشرية 2063، ومنذ ذلك تفاقمت النزاعات المسلحة وارتفعت وتيرة الانقلابات العسكرية وارتفعت معدلات العنف القائم على أُسس لونية وعرقية ودينية بشكل غير مسبوق.
وهكذا فإن فرض أنظمة سياسية تفضي إلى حكومات منتخبة لن يتحقق إلا في ظل حكومات منتخبة ديمقراطياً، يضيف الدنعو لـ(كيوبوست)، ويتساءل: فهل يستطيع الاتحاد الإفريقي تحقيق ما عجز عنه خلال عقد من الزمان في 7 أعوام؟
اقرأ أيضاً: بوركينا فاسو في قفص المجاعة بسبب الإرهاب
مثقلة بالديون

هذا جانب، والجانب الآخر الذي لا يقل أهمية عنه هو الملف الاقتصادي؛ وذلك لارتباطه الوثيق والبنيوي بالملف الأمني، فعملية تسريع تفعيل منطقة التجارة الحرة الإفريقية التي دعت إليها القمة مرتبطة بدعم عمليات التحول الديمقراطي، ورفض الانقلابات العسكرية؛ لذلك فإن كل الدول الإفريقية لا تزال تخصص الجزء الأكبر من ميزانياتها الفقيرة لسداد الفوائد المتراكمة للديون إلى المؤسسات المالية الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي؛ الأمر الذي أقعد وشل خطط التنمية وأفقر الشعوب، وبالتالي فإن الأزمة الرئيسية التي ينبغي مواجهتها هي أزمة الحكم في إفريقيا، فهي المتسبب الأول في كل ما يحدث الآن؛ بما في ذلك التمدد الروسي الذي يزعج الدول الأوروبية، بينما عجزت هي عن دفع إفريقيا إلى الأمام خلال استعمارها لها، قبل أن تثقلها بالديون وتنتهكها باعترافها بالحكومات الانقلابية وتشارك في نهب مواردها وثرواتها، يختتم الدنعو حديثه إلى (كيوبوست).
أُس البلاء

من جهته، شدد الصحفي المهتم بالشؤون الإفريقية، سليمان مختار، في تعليقه على القمة، لـ(كيوبوست)، على أن المشكلة الأمنية هي أُس البلاء في إفريقيا؛ فالصراعات المسلحة بين الجماعات على الموارد الطبيعية والتمردات على الأنظمة والحكومات تضاعفت خلال عام 2022 بما يقدر بـ22% عن عام 2019، ومن بين 41 نزاعاً مسلحاً في العالم؛ تستحوذ إفريقيا على 23 منها، بما يمثل 56% من مجمل الصراعات في العالم، بينما تتصدر منطقة الساحل (بوركينا فاسو ومالي وغرب النيجر) قائمة المناطق الأكثر عنفاً في القارة.
يستطرد مختار: أدت الحروب الأهلية والنزاعات إلى إهدار مليارات الدولارات، فضلاً عن إزهاق عشرات آلاف الأرواح وتهجير الشعوب من أراضيها وتفاقم حركة النزوح واللجوء والهجرة.
وأرجع مختار أسباب هذه الفوضى الأمنية، بجانب ما يُعاد ذكره وترديده من قِبل الخبراء والمحللين، إلى التدخلات الخارجية التي تلعب دوراً كبيراً في تأجيج الصراعات وإذكاء النزاعات، كما يحدث الآن في منطقة الساحل التي تشهد دولها صراع نفوذ بين روسيا وفرنسا؛ ما تسبب بجانب المشكلات والقضايا الأخرى المعروفة في 2737 من أحداث العنف خلال العام الماضي، بينما ارتفعت عمليات الجماعات الإرهابية خلال نفس العام بنسبة 36%، وهي نسبة غير مسبوقة في أي مكان آخر من العالم.
اقرأ أيضاً: الإرهاب سبب رئيسي في ازدهار تجارة المخدرات في إفريقيا
استهلاك سياسي

أما بالنسبة إلى القمة الأخيرة، فإن تصريح رئيس الاتحاد الإفريقي غزالي العثماني، بأن منظمته ستظل غير متسامحة مع أي تغيير غير ديمقراطي، يبدو للوهلة الأولى كخطوة جيدة إلى الأمام؛ لكن في الواقع فإن معظم الدول الإفريقية تحكمها أنظمة عسكرية مستبدة، ذات حساسية عالية مع كلمة (ديمقراطية)، وتستخدمها فقط عند الضرورة ومن أجل الاستهلاك السياسي.
يستطرد مختار: ما يعول عليه الجميع الآن، هو اتفاقية التجارة الحرة (AfCFTA) التي تضم جميع دول القارة عدا إريتريا، وبالتالي فإنها ستقدم دفعة قوية لاقتصاد القارة إذا ما تم تفعيلها؛ حيث تستهدف 1.4 مليار شخص يعيشون في 54 دولة، خصوصاً إذا علمنا أن معدل التبادل التجاري بين الدول الإفريقية يبلغ 15% فقط من جملة السلع والخدمات المنتجة داخل القارة، وهذا ما أشار إليه رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي، في مخاطبته القمة، وعلله بعجز البنية التحتية في الدول الإفريقية عن استيعاب أية زيادة في حجم التبادل التجاري البيني؛ إذ نوه بأن 600 مليون إفريقي لا يحصلون على الكهرباء حتى اللحظة.