ترجماتشؤون دولية
القضاء على الاحتجاج في البداية أو السقوط: هكذا تصمد الأنظمة الاستبدادية!
كيف يتصرف النظام الاستبدادي في حالات الأزمات؟

ترجمة كيو بوست –
كتب المحلل الإسرائيلي أورن نهاري، بتاريخ 6 يناير، مقالًا في “موقع واللا الإخباري” تحدث فيه عن كيفية صمود الأنظمة الاستبدادية، وهذا أبرز ما جاء في المقال:
في صيف 1989 خرج الشباب للشوارع ضمن مجموعة احتجاجات مختلفة ضد الوضع الاقتصادي، مطالبين بالحقوق المدنية والديمقراطية، غاضبين، على إثر ما يعيشونه في الحاضر، وما عاشوه من اضطهاد في الماضي القريب، وشعورهم أن الحكم الحالي ليس قويًا كسابقه. هذا المشهد حدث فعليًا في اثنتين من الديكتاتوريات الشيوعية القديمة والقاتلة، الاتحاد السوفيتي والصين.
الاتحاد السوفييتي، القوة العظمى المرعبة التي أرسلت دون تردد الدبابات إلى هنغاريا عام 1956 وتشيكوسلوفاكيا عام 1968، ها هي تقمع أي فرصة للاحتجاج، وتقع في مأزق. لقد رأت الاحتجاجات المتزايدة، وشجاعة المتظاهرين، عدم إصرار البيروقراطيات في برلين الشرقية، بودابست، ريغا، ولم تفعل أي شيء. وفي نهاية المطاف، انهارت الكتلة الشيوعية، وبعدها على الفور انهار الاتحاد السوفيتي نفسه، لقد سقطوا وتفككوا دون ضحايا.
أما في الصين، فبعد سبعة أسابيع من التأرجح، بعد انقسامات داخلية في النظام، تم استدعاء جيوش عسكرية إلى وسط بكين. مظاهرات ساحة تيانانمن تم قمعها، آلاف قتلوا على يد النظام، وآلاف غيرهم تم نفيهم إلى معتقل غولاغ. وفي نهاية المطاف، نجا النظام، وازدهر.
اقرأ أيضًا: شعار “الموت لخامنئي” لأول مرة: هل هي بداية الربيع في إيران؟
وهذا يُثير السؤال الكبير، لماذا، أو ربما متى، ينهار النظام؟ والحديث هنا عن نظام دكتاتوري أو استبدادي، لأن الديمقراطي ينهار، بطبيعة الحال، ويتحول إلى دكتاتوريات، مرورًا بروما القديمة وصولًا إلى جمهورية فايمار، وحتى يومنا هذا.
يمكن للنظام أن يسقط، بطبيعة الحال، حين يهزم من الخارج، مثل ألمانيا واليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية. القتال يُحسم حين تتم هزيمة النظام والدولة تمامًا، حين يرفع العدو علمه فوق العاصمة، ويُسحق النظام تمامًا. إن هذا الأمر حدث مرات عديدة على مدار التاريخ.
لكن هذه السطور مكتوبة تزامنًا مع سياق حالي، إنها الأحداث في إيران. كلنا نحاول أن نفهم سواء من الأحداث نفسها، أو من الموازاة التاريخية، إن كان النظام الإيراني، الذي يُعتبر نظام مختلف عن الأنظمة الأخرى، على وشك انهيار سريع، أم لا، وماذا يمكن أن نتعلم، إن كان هناك شيء يمكن تعلمه، من التاريخ؟
في تونس عام 2010، ومصر بعدها مباشرة، انهار الرؤساء الذين حكموا عشرات السنوات بدكتاتورية علمانية مكللة بالإنجازات، في غمضة عين. لكن لماذا انهار تحديدًا نظام قربان بيك باقايف في قيرغيزستان رغم أن نظامه كان الأقل فسادًا والأقل مساسًا بحرية العبادة مقارنة بجيرانه؟ الإجابة هي أن الوقت الأخطر على الإطلاق على نظام دكتاتوري هو حين يحاول إجراء اصلاحات. واسألوا ميخائيل غورباتشوف آخر رئيس للاتحاد السوفييتي قبل انهياره، الذي حاول إصلاح منظومة لا يمكن إصلاحها، وإجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية في الدولة التي لم يكن فيها يومًا اقتصاد حر، ولم تكن يومًا ديمقراطية. هو فعليًا لم يصلح النظام، بل سرّع في انهياره.
اقرأ أيضًا: كيف يرى الإعلام الإسرائيلي احتجاجات إيران؟
الدرس للديكتاتور يمكن أن يكون بسيطًا وقاسيًا، و”ميكافيليًا”: قتل الكثير، والقتل في وقت مبكر. القضاء على كل التظاهرات والمتظاهرين. كان هذا درس الأسد الأب، والأسد الابن، وصدام حسين، وغيرهم الكثيرين. وهذا الأمر حقق هدفهم بالفعل، ونجا النظام.
متى يجب أن نقلق؟
النظام الدكتاتوري بحاجة إلى شرعية، وكذلك الدكتاتوريين لا يقتلون بسهولة، ويفعلون ذلك من خلال قوانين مصطنعة، لكنها قوانين في النهاية. داخل الدكتاتوريات هناك صراعات داخلية وأسئلة حول الطريق الصحيح، هل يجب التهاون مع المتظاهرين أو على الأقل الاعتراف بألمهم، مثلما يفعل الآن روحاني في إيران، أو قمعهم حتى النهاية، وهو نهج آية الله خامنئي؟ كلاهما، على أي حال، قلق من الوضع الذي يخرج به الجماهير إلى الشوارع.
متى نصل إلى النقطة الحاسمة؟ في إيران اليوم يحدث هذا حين يخرج الحرس الثوري إلى الشوارع. النظام الإيراني يذكر جيدًا كيف وصلوا هم أنفسهم إلى الحكم. إنهم يذكرون كيف أن الشارع أخضع الجيش العظيم وأجهزة الأمن المرعبة، وأقسموا أن ذلك لن يحدث لهم. لقد انتفض الشارع في 2009، وتم قمعه. لكن حين يبدأ الحرس الثوري بالعمل سنعلم أن النظام بدأ يشعر بالخوف. وفي حال -وهذا لا يبدو قريبًا على الإطلاق- خطر في بال وحدات الجيش رفع سلاحها، فإن التظاهرات لن يخرج فيها فقط عشرات آلاف بل عشرات الملايين، حينها سينهار النظام الإيراني. هذا يمكن أن يحدث فقط من الداخل. وكل رسالات الدعم الخارجية، وبالتأكيد من الغرب، ستضر المتظاهرين وستقلل من شرعيتهم.
اقرأ أيضًا: تحول الموقف الأمريكي من احتجاجات طهران: هل يحبط “الثورة”؟
حاليًا، يتم فض الاحتجاجات التي تقوم بالأساس على تذمر ضد أشياء مختلفة: جزء منهم يطالب بإسقاط نظام آية الله، جزء منهم يريد تحسين الوضع الاقتصادي، آخرون يريدون اعترافًا بثقافتهم. لو اتحدت هذه التظاهرات، ولو أظهر النظام بعض التردد حول توحيد الجبهة ضد الشعب، ولو شعر بعض المسؤولين بأن هذا ليس الوقت المناسب لتوجيه أوامر بإطلاق النار، فمحتمل أن النظام الإيراني، الذي يبدو متماسكًا وصلبًا، والذي يهدد الشرق الأوسط أكمله، سينهار بأسرع وقت.
الاحتمال ضعيف الآن، أو ضعيف جدًا. لكن قبل أيام عدة فقط كان صفرًا. ليست فقط الأنظمة ذات الـ30 أو 40 عامًا، يمكن أن تنهار كبرج من ورق، بل ذات الـ300 و400 عام أيضًا. وإن كنتم لا تصدقون اسألوا زين العابدين بن علي من تونس، حسني مبارك، القذافي، صالح، وغيرهم الكثير.