الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفة
القبلية السياسية تغزو العالم: 5 أسباب بارزة لانتشارها
لماذا نرفض كل ما يقوله الطرف الآخر؟

كيو بوست – ترجمات
مجلة” سايكولوجي توديه” الأمريكية، بقلم أستاذ علم النفس في جامعة “ويسكنسن وايت ووتر” الأمريكية، دانييل ستادلر.
ألقى أحد الخريجين الجامعيين مؤخرًا خطابًا أمام جمع من الطلاب، واستخدم اقتباسًا ملهمًا للجميع، وقال: “لا تكتفي بالمشاركة، بل ابحث عن مقعد لك على الطاولة، والأفضل، أن تحصل على مقعد على رأس الطاولة”. عزا الخريج الاقتباس إلى شخصية سياسية محبوبة لدى الحضور، فهتف الجمع بكل حماسة. وبعد ذلك، قام بتصحيح نفسه، ونسب الاقتباس إلى زعيم من حزب سياسي آخر، فاختفت الهتافات، وبدا الانزعاج واضحًا على الجميع. يبدو أن الكلمات ذاتها لها تأثير مختلف على الناس، حسب اختلاف الناطق بها (نوفيلي 2018).
إن ما حدث يسمى في علم الاجتماع “تخفيض القيمة بأثر رجعي”، وهو نوع من أنواع التحيز الإدراكي. بحسب هذا المصطلح، فإنه عندما نكتشف أن الجانب الآخر هو من قال الشيء أو أيده، فإننا نسحب تأييدنا لذاك الشيء، ونتوقف عن الإعجاب به. يبدو أن ما قيل ليس مهمًا بقدر أهمية القائل، حتى وإن كانت الكلمات ذاتها (روس وستيلينجر، 1991). وبعبارة أخرى، الأمر لا يتعلق بالاقتباس، بل بصاحب الاقتباس.
في الولايات المتحدة، أبدى كل من المحافظين والليبراليين هذا الانحياز. فقد أظهرت دراسة أجريت عام 2003 تحت عنوان: “الحزب فوق السياسة”، أن طلاب الجامعات الليبراليين غيروا انطباعهم بشأن سياسة الرفاهية السخية، عندما قيل لهم إن الجمهوريين هم من دعموا المشروع في الكونغرس وليس الديمقراطيين (كوهين، 2003).
وقد أظهرت الأبحاث أيضًا أن التحيز الإدراكي تجاه الأحزاب السياسية أمر شائع؛ فعندما كان رونالد ريغان رئيسًا للبلاد، أيد الأمريكيون مقترحًا لنزع السلاح النووي في الاتحاد السوفييتي، على افتراض أن ريغان هو من قدم المقترح. ولكن، عندما نُسب المقترح نفسه إلى ميخائيل غورباتشوف، لم يعد المشاركون الأمريكيون يؤيدون المقترح (كروغلانسكي وآخرون، 2006).
أيد المشاركون الإسرائيليون مقترح سلام مع الفلسطينيين، على افتراض أن الحكومة الإسرائيلية هي صاحبة الاقتراح، ولكن، عندما علموا أن المقترح جاء من الفلسطينيين، عكسوا آراءهم بشكل كامل (موعاز وآخرون، 2002).
5 أسباب تدفعنا للتفكير والتصرف القبلي
يندرج هذا الموضوع العام تحت مسمى “القبلية”، الذي عصف بسياسات الدول الداخلية في كل مكان. ورغم أن بعض السياسيين يأججون القبلية السياسية بشكل متعمد، إلا أن هنالك أسباب نفسية – علمية تدفعنا نحوها، وفيما يلي جوهر هذه الأسباب المستندة إلى أبحاث ودراسات:-
أولًا: بعد سنوات من شعورنا بسوء المعاملة من قبل الطرف الآخر، بتنا نشعر بريبة وشك إزاء كل شيء يقال أو يفعل من قبل ذاك الطرف.
ثانيًا: لا نريد أن نعترف بحقيقة امتلاك الطرف الآخر أفكارًا جيدة، رغبةً منا بتجنب الانتقاد أو الرفض من قبل جمهورنا. وبالطبع، هذا جزء من التفكير الجمعي. على سبيل المثال، لا نرغب بتحسين صورة الطرف الآخر مع قرب الانتخابات القادمة.
ثالثًا: نميل إلى رفض فكرة وجود أفكار جيدة لدى الطرف الآخر، بسبب غرورنا وكبريائنا، خصوصًا إذا كنا انتقدنا الطرف الآخر علانية. عندما يتعلق الأمر بحماية الذات والأنا، فمن السهل إساءة تفسير الأفكار الجيدة لدى الطرف الآخر.
رابعًا: بعد أن قام سياسيونا ومنافذنا الإعلامية بشيطنة الجانب الآخر، سيسهل علينا رفض كل مقترح من قبل ذاك “الشيطان”. حسب علم الاجتماع، يعد هذا جزءًا من المغالطات المنطقية، التي تنطوي على رفض كل مقترح بسبب “الصفات السلبية” في شخصية صاحب المقترح، وليس لأن المقترح بذاته سيء.
خامسًا: بعد كل الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها الطرف الآخر، يرفض عقلنا منحه أي رصيد، أو أية مصداقية، حتى لو كان يفعل الصواب في الوقت الحالي.
الخلاصة
لأسباب نفسية كثيرة، قد نكذب على أنفسنا، وعلى الآخرين كذلك، بشأن قيمة اقتراح جاء على لسان أعدائنا المنافسين. من شأن التعلم حول القبلية، وآلية “تخفيض القيمة بأثر رجعي”، أن يضع حدًا لهذا التحيز (نيسي، 2014). يرقى هذا التحيز الإدراكي الجمعي إلى ظاهرة النفاق، التي تضعك في مواقف محرجة حقًا. علاوة على ذلك، من شأن التعلم حول المغالطات المنطقية، مثل المغالطة القائمة على الانفعالات، أن يساعد بشكل مباشر في تقليل هذا التحيز، وأن يساعد كذلك في رؤية الأشياء بطرق أكثر منطقية.
المصدر: مجلة “سايكولوجي توديه” الأمريكية