الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون عربية

القبض على نور الدين البحيري يؤشِّر على أن مصير النهضة قد حُسم

كيوبوست- ترجمات

سامي مبيض♦

قبل أن تُطوى سجلات العام الماضي بساعات، اعتقلتِ السلطات التونسية نائبَ رئيس حزب النهضة، ووزير العدل السابق نور الدين البحيري في 31 ديسمبر 2021. وأصدر وزير الداخلية توفيق شرف الدين بيانًا في 3 يناير 2022، قال فيه إن البحيري قيد الإقامة الجبرية بموجب القانون رقم 50 لسنة 1978، للاشتباه في تقديمه هويات وجوازات سفر لأفرادٍ يشكِّلون تهديدًا للأمن التونسي (بمن فيهم امرأة سورية لم يتم الكشف عن هويتها). كما اتهم بتقديم وثائق، خلال فترة توليه منصب الوزير، لشبان تونسيين كانوا على صلة بجماعاتٍ جهادية في سوريا.

من جهةٍ أخرى، يزعم حزب النهضة أنه قد “اختطف”، وألقى باللوم في اختطافه على الرئيس قيس سعيد الذي شنَّ انقلابًا ناعمًا ضد حزب النهضة في يوليو 2021، وعلق العمل بالبرلمان، وأطاح برئيسه راشد الغنوشي؛ زعيم الحركة سيئ السمعة منذ فترة طويلة. البحيري (63 عامًا) محتجز حاليًا في مستشفى في بنزرت شمال العاصمة التونسية، وتفيد الأنباء أنه مضرب عن الطعام منذ الثالث من يناير.

اقرأ أيضًا: لماذا أربك إيقاف البحيري حركة النهضة الإسلامية في تونس؟

ربما لم يسمع سوى عدد قليل خارج تونس عن البحيري قبل اعتقاله. ولد البحيري في بلدة جبنيانة عام 1958، ودرس القانون والعلوم السياسية في جامعة تونس. وخلال هذه الفترة، انضم إلى الفرع التونسي لجماعة الإخوان المسلمين، قبل أربع سنوات من تحولها رسميًا إلى حزب النهضة. عمل البحيري في تونس في الخفاء، بهدف إقامة دولة دينية في بلاده، وسجنه الرئيس الحبيب بورقيبة في الفترة من فبراير إلى سبتمبر 1987. ثم عمل في محكمة النقض في تونس، وترقى في صفوف الحزب، حيث أصبح عضوًا في مكتبه السياسي، ثم في قيادته التنفيذية، وأخيرًا في مجلس الشورى.

مهمة في السلطة

في أعقاب الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي في يناير 2011 خلال ثورة الياسمين التونسية، انضم البحيري إلى حكومة رئيس الوزراء حمادي الجبالي كوزيرٍ للعدل في ديسمبر. خلال فترة ولايته، ملأ السجون بمؤيدي بن علي ومعارضي النهضة. انتخب عضوًا في الجمعية الدستورية (التي استقال منها لاحقًا للتركيز على مهامه الوزارية في مايو 2012) ثم إلى البرلمان التونسي الذي يسيطر عليه حزب النهضة في عام 2014. ومعلوم أن حكومة الجبالي استقالت بعد مقتل محامي المعارضة شكري بلعيد في 6 فبراير 2013، وسط احتجاجات في جميع أنحاء البلاد ضد أسلمة الدولة.

مظاهرة في تونس ضد “النهضة” الإخوانية- أرشيف

قبل إطلاق النار عليه، قال بلعيد: إن “كل معارضي حزب النهضة قد أصبحوا أهدافًا للعنف”، بيان أصاب وترًا حساسًا لدى البحيري في وزارة العدل. ووجهت زوجة بلعيد اتهاماتٍ بالقتل إلى حزب النهضة والغنوشي، قائلة إنه “مسؤول شخصيًا” عن مقتل زوجها. كان البحيري أحد الأسماء المرشحة أصلًا لتحل محل الجبالي كرئيس للوزراء. وانتهى به الأمر بدلًا من ذلك كوزير مفوض في حكومة رئيس الوزراء علي العريض من مارس 2013 حتى يناير 2014. كان كل من الجبالي والعريض ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين، وأعضاء بارزين في حركة النهضة، وكان الجبالي هو الذي أعلن بعد وقتٍ قصير من توليه منصبه: “نحن الخلافة السادسة إن شاء الله”.

حملة موسعة

يأتي اعتقال البحيري بعد أيام من حدوث تطورين مهمين ومرتبطين بشكلٍ معقد؛ أحدهما في الداخل، والآخر في مصر المجاورة. الأول هو مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحق الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي في 20 ديسمبر 2021، التي استولى حزب النهضة في عهده على جميع المفاصل الرئيسة في الدولة. وكان المرزوقي، الذي يعيش حاليًا في فرنسا، قد جرّد من جواز سفره الدبلوماسي التونسي في أكتوبر، ومتهم الآن بـ”تقويض أمن الدولة” بسبب سلسلة من الجرائم التي ارتكبت خلال فترة رئاسته (2011-2014)، من بينها تعيين الجبالي رئيسًا للوزراء في ديسمبر 2011.

المنصف المرزوقي- وكالات

في مصر المجاورة، تنشغل جماعة الإخوان المسلمين أيضًا بمحاكمة عائشة الشاطر، ابنة نائب المرشد الأعلى لجماعة الإخوان المصرية خيرت الشاطر (المسجونة منذ عام 2013). وأعيد فتح قضيتها في 26 ديسمبر، قبل خمسة أيام من اعتقال البحيري. وهي متهمة، من بين أمورٍ أخرى، بتهريب الأسلحة والأموال إلى جماعة الإخوان المصرية، ونشر أخبارٍ زائفة ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي.

الخلاصة

هذه التطورات بثت الخوف في صفوف حزب النهضة. ومنذ أسبوعين، يواصل قادة الجماعة إرسال إشارات إلى السلطات التونسية، بغية الحصول على إذن بمغادرة الدولة، خوفًا من السجن أو الاضطهاد. ويأمل الغنوشي في العودة إلى لندن، حيث عاش كمنفيٍّ سياسي لمدة 22 عامًا. وتجدر الإشارة إلى أن الذي يرتب المنفى الجديد له هو صديقه وزميله، إبراهيم منير، الأمين العام للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، الذي يعيش في لندن أيضًا.

اقرأ أيضاً: نور الدين البحيري “الصندوق الأسود” لحركة النهضة

الغنوشي ليس أحمقَ، فهو يدرك أن مذكرة توقيف المرزوقي، ومحاكمة نجلة الشاطر، واعتقال البحيري، كلها مترابطة وسيتم استهدافه لاحقًا. تُشكّل هذه التطورات تذكرة قوية بأن مصير قادة حزب النهضة قد قضي. فالمهمة التي بدأها الرئيس سعيّد الصيف الماضي لم تكتمل بعد، فهي تهدف إلى استعادة الثورة التونسية من الإسلامويين، ولن تنتهي قبل اجتثاث النهضة من السياسة التونسية.

♦كاتب وأستاذ جامعي سوري، متخصص في الدراسات التاريخية، عمل باحثا في مركز كارنيجي، مؤلف كتاب: تحت الراية السوداء- على مشارف الجهاد الجديد”، صدر في 2015.

المصدر: عين أوروبية على التطرف

اتبعنا على تويتر من هنا

 
 
 
 
 
 
 
 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة