الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

القانون الانتخابي مطية إخوان ليبيا لعرقلة الانتخابات

تحالف بين إخوان ليبيا ورئيسَي الحكومة والمجلس الرئاسي لتأجيل الانتخابات والانقلاب على البرلمان وصياغة قوانين على مقاس الجماعة

كيوبوست- فاطمة بدري

أعلن المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، الذي يعد بمثابة غرفة ثانية للبرلمان، والخاضع لسيطرة الإخوان في هذا البلد، منذ أيام، (الثلاثاء الخامس من أكتوبر) رفضه قانون الانتخابات التشريعية الذي صادق عليه مجلس النواب، بعد أن رفض قانون انتخاب الرئيس الذي صدر في الـ14 من سبتمبر الماضي؛ وهو خطوة تأتي في سياق محولات إسلاميي ليبيا تعطيل الانتخابات، لعدة اعتبارات؛ أبرزها الخوف من الهزيمة بعد أن استنفدوا رصيدهم الشعبي والسياسي، ولعدم قبولهم ترشح أي شخصية مناوئة لهم للانتخابات.

اقرأ أيضاً: لماذا يسعى إخوان ليبيا بشكل مستمر إلى عرقلة الانتخابات المقبلة؟

وصادق مجلس النواب على قانون الانتخابات التشريعية المقررة في الـ24 من ديسمبر المقبل، بعد أقل من شهر من المصادقة على قانون الانتخابات الرئاسية الذي أثار حفيظة إخوان ليبيا وحلفائهم وكل المتطلعين لتأجيل الانتخابات في الغرب الليبي خصوصاً.

خالد المشري القيادي الإخواني يرفض قانونَي الانتخابات- (صورة وكالات)

واعتبرت الجماعة، على لسان رئيس مجلس الدولة الليبي خالد المشري، أحد أبرز القيادات الإسلامية في ليبيا، أن المادة 12 من قانون الانتخابات الرئاسية قد صيغت على مقاس المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي؛ باعتبارها تنص على إمكان ترشح مسؤول عسكري بشرط التوقف عن العمل وممارسة مهامه قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر، وأن يعود إلى سالف نشاطه إذا لم يفُز في الانتخابات.

اقرأ أيضاً: أزمة جديدة في ليبيا بعد سحب الثقة من الحكومة

اتفاق غير معلن

ويبدو واضحاً هذه الأيام كما بات يتردد على لسان متابعي الشأن الليبي، أن هناك وفاقاً كبيراً بات قائماً بين رئاسة الحكومة متمثلة في عبدالحميد الدبيبة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، وجماعة الإخوان والحليف التركي وأمراء الحرب، وهؤلاء يتفقون على رفض تنظيم الانتخابات الرئاسية في حال ترشح قائد الجيش خليفة حفتر، وسيف الإسلام القذافي. وقد بدأت ملامح هذا الاتفاق تظهر على أكثر من صعيد؛ فقبل أيام قليلاً، وتحديداً بعد إعلان البرلمان الليبي قانون الانتخابات التشريعية، خرج المئات من ميليشيات “بركان الغضب” الموالية لحكومة عبدالحميد الدبيبة، في مظاهرة بمطار طرابلس، منددةً بالقانون الانتخابي، ثم أصدرت بعد ذلك مباشرةً بياناً أعلنت فيه أنها ستتصدى لتنظيم انتخابات رئاسية يترشح لها المشير خليفة حفتر أو سيف الإسلام القذافي، مهددةً بغلق صناديق الاقتراع في حال حدوث ذلك. ويبدو أن الدبيبة تجنب أن يطلق اعتراضه على لسانه؛ خوفاً من الضغوط الدولية، ولكنه لم يتردد في تمريره على لسان الميليشيات الداعمة والحامية له.

في المقابل، رفض مجلس الدولة، الخاضع لسيطرة الإخوان، قانون الانتخابات الرئاسي والتشريعي، وهدد في وقت سابق أيضاً باللجوء إلى العنف في حال ترشح حفتر للانتخابات. كما لم يتخلف المجلس الرئاسي عن ركب الجماعة الراغبة في عرقلة الانتخابات، وإن كانت لهجته أقل حدة؛ حيث أعرب على لسانه رئيسه محمد المنفي، أنه لا بد من صياغة قانون انتخابي محل توافق الجميع وعدم ترشح أطراف لا تحظى بالقبول، في إشارة ضمنية إلى حفتر.

ترشح خليفة حفتر للرئاسة يربك إخوان ليبيا- (صورة وكالات)

ويبدو في الظاهر أن الغاية من هذه التحركات هي وقف إجراء الانتخابات أو تأجيلها في ظل ترشح أسماء قد لا تجد حولها توافقاً ليبياً، وهذا يبدو مقبولاً للوهلة الأولى؛ خصوصاً مع الأخذ بعين الاعتبار الوضع الدقيق في ليبيا والانقسامات التي لم تنتهِ فيها، والقابلة للظهور بشكلها الدموي في أية لحظة، ولكن حقيقة الأمر غير ذلك تماماً، فبالنسبة إلى الإخوان باتوا على دراية كافية بأنهم فقدوا الحاضنة الشعبية ولم يعد لهم وزن كبير في المشهد السياسي القادم في حال أُجريت الانتخابات في موعدها، في ظل ارتباطها الوثيق بسنوات العنف والتقتيل والفوضى التي شهدتها البلاد منذ سنة 2011 وتأكيدها ولاءها للقوى الأجنبية التي تدعم بقاءها في السلطة على حساب مصلحة البلاد. كل هذا أنهك رصيدها الشعبي والسياسي في كامل ليبيا، وهذا ما تدركه الجماعة؛ ولهذا تتطلع للحصول على فسحة زمنية أخرى تلملم خلالها شتاتها وتحاول أن تعود إلى المشهد السياسي أقوى مما كانت عليه. ولهذا يسعى إخوان ليبيا لضرب المسار الدستوري عبر إثارة الجدل حول القاعدة الدستورية المنظمة للانتخابات، والتشديد على ضرورة تنظيم الاستفتاء على الدستور أولاً، ثم إجراء الانتخابات؛ لوعيهم أن هذا الخيار سيؤدي آلياً إلى تأجيل الانتخابات.

اقرأ أيضاً: هل تلعب دول الجوار دوراً في ملف “إخراج” القوات الأجنبية من ليبيا؟

أما رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، اللذان لا يستطيعان الترشح للانتخابات بحكم تعهداتهما السابقة بعدم تولي المنصبَين اللذين يحتلانهما حالياً، فيسعيان للتأجيل لإطالة أمد بقائهما في منصبيهما والإفلات من التعهد الذي وقَّعَاه قبل وصولهما إلى رئاسة الحكومة والمجلس الرئاسي خلال مؤتمر جنيف، والذي يمنعهما من الترشح للرئاسة. ولهذا لا يتردد كلا الطرفَين؛ خصوصاً الدبيبة، في التقرب من رئيس مجلس الدولة خالد المشري، وبعض قادة الميليشيات؛ بهدف التنسيق لإسقاط البرلمان قبل انتهاء مدة رئاسته للحكومة، ثم يكون المجلس الأعلى للدولة جهة التشريع الرئيسية عوضاً عن البرلمان، والذي تكون أولى خطواته تأجيل الانتخابات وبقاء حكومة الدبيبة وإلغاء قانونَي الانتخابات وسن أخرى تناسب مصالح الجماعة وتكفل عدم خروجها من المشهد السياسي.

الدبيبة يبحث عن البقاء على رأس الحكومة لمدة أطول- (صورة وكالات)

ويرى المحلل السياسي التونسي المتخصص في الشؤون الليبية رافع الطبيب، أن إخوان ليبيا يخشون صعود تيارات وأسماء مناهضة لهم؛ ولهذا لن يترددوا في ضرب مسار العملية الانتخابية التي بدأت من خلال استهداف قوانين الانتخابات.

رافع الطبيب

وقال الطبيب لـ”كيوبوست”: “لقد فشل إخوان ليبيا الذين يسيطرون على المجلس الأعلى للدولة في بناء دولة على مدار السنوات الماضية التي كانوا فيها بارزين في المشهد السياسي والعسكري الليبي، ولهذا يتجهون في هذه الفترة لضرب القانون الانتخابي والتمسك بخيار تنظيم الاستفتاء على الدستور أولاً لإدراكهم أن هذا الخيار سيؤدي إلى تأجيل الانتخابات، حتى أكثر من سنة. وهم يقدمون على ذلك أساساً؛ لإيمانهم الكبير بأن الانتخابات ستفرز شخصية مناوئة لهم في الرئاسة، خصوصاً في ظل عجزهم عن ترشيح شخصية تمثلهم وقادرة على المنافسة وكسب الرهان، ولهذا يسعون جاهدين لأن لا تكون عملية انتخاب الرئيس عبر الاقتراع الشعبي؛ لأنهم لن يكونوا قادرين على كبح خيارات المواطنين الليبيين؛ خصوصاً في ظل تآكل خزانهم الانتخابي في سنوات الخراب التي حلَّت بليبيا في ظل وجودهم في السلطة. سيعملون جاهدين على منع وصول أو ترشح أسماء تجاهر بعدائها لهم على غرار المشير خليفة حفتر؛ ولكنْ يبقى هناك دور كبير للقوى الكبرى لتحول دون وقوع مثل هذا السيناريو”.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

فاطمة بدري

كاتبة صحفية تونسية

مقالات ذات صلة