الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

“القاعدة”: قيادة جديدة وأسلوب جديد.. هذه المرة من إيران

كيوبوست

رغم مرور ستة أشهر تقريباً على مقتل زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري؛ فإن التنظيم لم يعلن خليفته بعد. ومع ذلك، فإن التقارير الاستخباراتية تُجمع تقريباً على أن الخليفة -غير المُعلن عنه- هو مصري يُقيم في إيران، ويُدعى سيف العدل.

لدى محمد صلاح الدين عبدالحليم زيدان، واسمه الحركي سيف العدل، تاريخ طويل مع الجماعات الإسلامية وتنظيم القاعدة، يعود إلى ثمانينيات القرن الماضي. كان مشتبهاً به في المشاركة في محاولة اغتيال الرئيس المصري أنور السادات، ولعب دوراً في حركة تنظيم القاعدة في الصومال، وتفجير سفارتَي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا، وتدريب الخاطفين في هجوم الحادي عشر من سبتمبر.

وفقاً لتقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة، فإن المعلومات الاستخباراتية للدول الأعضاء تفيد أن سيف العدل هو الخليفة الفعلي بلا منازع لتنظيم القاعدة، بعد مقتل أيمن الظواهري في يوليو 2022، وهي وجهة نظرة تؤيدها الولايات المتحدة. يأتي التقرير وسط تساؤلات عديدة حول سر وجود سيف العدل في إيران، وسبب امتناع تنظيم القاعدة عن الإعلان الرسمي لتنصيبه. بالإضافة إلى نشاط أكثر فتكاً لبعض فروع تنظيم القاعدة؛ خصوصاً تلك الموجودة في إفريقيا.

اقرأ أيضاً: بترتيب من الاستخبارات الإيرانية.. “طالبان” تلتقي جماعة تركية تابعة لـ”القاعدة

يُعتقد أن جهود مكافحة الإرهاب العالمية أصبحت أكثر تراخياً في الوقت الحالي؛ وهو ما يهدد بعودة الهجمات على أهداف غربية، على غرار 11 سبتمبر، من جديد. في المقابل، تعتقد الدول صاحبة المبادرة -كالولايات المتحدة- أن مقدار التهديد هو ما يحدد الموارد والجهود اللازمة لمواجهته، وهي تقيِّم خطر مهاجمتها من قِبل الإرهابيين -حالياً- بأنه محدود.

ضابط سابق في القوات الخاصة المصرية

تشير المعلومات المتاحة إلى أن سيف العدل كان ضابطاً في القوات الخاصة المصرية. خلال عقود، وبفضل خبرته، عمل سيف العدل من الظل مع تنظيم القاعدة، وكان مسؤولاً عن التخطيط والتدريب للهجمات؛ بما في ذلك هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية.

أقدم علاقات سيف العدل الإرهابية تعود إلى سنة 1981؛ حيث يُشتبه في تورطه في عملية اغتيال الرئيس المصري أنور السادات. عمل العدل كحارس شخصي لأسامة بن لادن ومدرب للمسلحين. خلال التسعينيات، كان للعدل دور بارز في تأسيس معسكرات التدريب للجماعة في السودان وباكستان وأفغانستان. في عام 1993، يُعتقد أنه كان له دور مهم في حادث “إسقاط مروحية البلاك هوك” الأمريكية في الصومال، والتي تسببت في مقتل 18 جندياً أمريكياً.

صور سيف الدين في قائمة المطلوبين لدى الولايات المتحدة- FBI

إن مسيرة سيف العدل دموية للغاية، وقد ارتبط اسمه بأكثر الهجمات الإرهابية شهرةً وتأثيراً؛ وهو ما يجعل الخبراء يشيرون إليه كـ”قائد في الظل” على عكس أسلافه الذين اكتسبوا شهرةً من خلال الظهور الناري على وسائل الإعلام والخطاب المناهض للغرب. مع هذه الخلفية العسكرية، فإن تنظيم القاعدة ربما يعد سيف العدل زعيماً أكثر قدرة وعملية على التخطيط الاستراتيجي. 

أحداث بارزة

من بين أبرز الأحداث التي ارتبط اسم سيف العدل بها؛ تفجيرات سفارتَي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في عام 1998، والتي أدت إلى مقتل 224 شخصاً، أمريكيين وأجانب، وإصابة ما يزيد على 5000 فرد، إضافة إلى الأضرار الكبيرة بالمباني. 

لكن الحادث الأبرز على الإطلاق هو تفجيرات مركز التجارة العالمي في نيويورك، في 11 سبتمبر 2001، بواسطة طائرات أمريكية تجارية اختطفها عناصر من تنظيم القاعدة. أسفر الهجوم عن مقتل ما يزيد على 2600 شخص، ويُعد الأشد فتكاً على الولايات المتحدة، من قِبل قوة خارجية، منذ الهجوم على بيرل هاربر في 1941. وفقاً لتقرير الأمم المتحدة؛ فقد درب سيف العدل بعض الخاطفين في هجمات الحادي عشر من سبتمبر. 

تفجيرات مركز التجارة العالمي في نيويورك- “رويترز”

تم إدراج سيف العدل في قائمة برنامج مكافآت من أجل العدالة، الأمريكي؛ حيث تم الإعلان عن مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار أمريكي مقابل الإدلاء بمعلومات عنه. يصف الإعلان سيف العدل بأنه عضو بارز في تنظيم القاعدة وعضو في مجلس الشورى، كما أنه يرأس اللجنة العسكرية لتنظيم القاعدة.

لماذا إيران؟

يُعتقد أن الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة، سيف العدل، انتقل إلى شرق إيران أواخر التسعينيات. تم وضع سيف العدل قيد الإقامة الجبرية من قِبل السلطات الإيرانية في 2003؛ لكن سرعان ما أُطلق سراحه في صفقة تبادل بين إيران وتنظيم القاعدة، حيث أفرج “القاعدة” عن دبلوماسي إيراني مُختطف في اليمن مقابل رفع الإقامة الجبرية عن سيف العدل وآخرين.

بقاء سيف العدل في إيران يحيِّر العديد من المراقبين، ويطلق التكهنات؛ بسبب الاختلاف المذهبي بين شيعة إيران وتنظيم القاعدة السُّني. إن سبب عدم إعلان التنظيم رسمياً عن الزعيم الجديد يكتنفه الغموض؛ تشمل التكهنات عدم رغبة التنظيم في إثارة الجدل بشأن علاقته النفعية المشبوهة بإيران، أو ربما عدم الرغبة في تعريض النظام الإيراني للخطر كما حصل لأفغانستان. على أية حال، يعتقد البعض أن سيف العدل يمثل مصدر قوة للنظام الإيراني؛ حيث يمكنها تسليمه إلى الولايات المتحدة أو، بدلاً عن ذلك، السماح له بتنفيذ هجمات ضد أهداف غربية. كلا الخيارين مرهونان بمصلحة طهران. 

اقرأ أيضاً: ندوة افتراضية: مستقبل القاعدة عقب مقتل الظواهري

يُنظر إلى سيف العدل على أنه ورقة مساومة قيِّمة بالنسبة إلى النظام الإيراني عموماً، ومخلب حاد يمكنها إظهاره عند الحاجة. يرجح خبراء الخيارَ الثاني بالنظر إلى أسلوب عمل إيران التي دأبت على زعزعة الاستقرار في المنطقة؛ إذ لطالما اتهم مسؤولون أمريكيون طهران بإيواء تنظيم القاعدة وتقديم العون له. يرى بعض المراقبين أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين ليست سوى مبالغة لأغراض انتخابية، أو البحث عن حجة لتبرير هجوم مُحتمل ضد إيران.

قيادة جديدة ومستقبل مختلف

يُعتقد أن تنظيم القاعدة يمر بمرحلة مختلفة في الوقت الحاضر؛ إذ يبدو أنه ينتقل من نمط القيادة المركزية إلى مزيد من اللا مركزية. إن تهديد تنظيم القاعدة للولايات المتحدة والغرب عموماً محدود حالياً، حسب مراقبين وتقارير؛ لكن فروعه تزداد فتكاً في المجتمعات المحلية مثل دول إفريقيا، أو تعيد بناء نفسها في دول أخرى كاليمن وباكستان وأفغانستان.

يمكن أن تكون إيران ملاذاً آمناً ومريحاً للقيادة الجديدة. في تصريح لـ “فويس أوف أمريكا”، يشير محلل مكافحة الإرهاب توماس جوسلين، إلى أن وجود سيف العدل في طهران ربما يعبر عن مرونة جديدة للتنظيم؛ حيث يمكن للقائد الآن التنقل بحرية بين أفغانستان وإيران، وأن يكون أقل قلقاً بشأن هجمات الطائرات الأمريكية دون طيار، التي لا يُحتمل تنفذ عملياتها في إيران. وفقاً لجوسلين، يوجد سيف العدل في إيران منذ 30 عاماً، وقد سبق له أن تدرب مع إيران و”حزب الله” في أوائل التسعينيات.

تشهد القارة الإفريقية نموماً مطرداً في قوة الجماعات الإرهابية؛ مثل تنظيم القاعدة وداعش. في غرب إفريقيا، على سبيل المثال، رسخت جماعة (نصرة الإسلام والمسلمين) نفسها في مالي، وحلت محل الدولة في كثير من المناطق. وفي الصومال، تسيطر حركة الشباب على جزء كبير من جنوب ووسط البلاد. 

حطام تفجيرات نفذها الشباب في مقديشو- AP

تركز التنظيمات الإرهابية حالياً على التوطين؛ أي أن الأولوية للتوسع المحلي؛ مستفيدةً من انتشار حركات التمرد والفقر والفساد والانشقاق في العديد من دول العالم. تُسهم استراتيجية التوطين في تعويض نقاط الضعف التي تعتري قدرة الجماعات على التواصل كشبكة عالمية، وهو ما يدفعها -في الواقع- نحو نظام شبكة أقل مركزية مما كانت عليه؛ حيث تعمل القيادة المركزية أكثر على إلهام وإرشاد الجماعات التي تعتمد على ذاتها وسيطرتها المحلية في تمويل نفسها والتخطيط والتنفيذ محلياً.

تعني هذه الحقائق أن التنظيم ربما يراهن على أن يصبح أكثر مرونة بمرور الوقت كاستراتيجية للبقاء؛ هذا يعني أنه لن يمر الكثير من الوقت حتى يعود ليكون تهديداً لكل دول العالم. 

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة