الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون خليجية

الفنون الغنائية الشعبية للنساء.. من هدهدة الأطفال إلى إحياء الأعراس

كيوبوست

تشترك دول الخليج العربي في موروثها الشعبي بنسبة تُقدر بـ90%، أما الخصوصية التي تميَّزت بها دول أو مناطق محددة فكان من السهل تعميمها على بقية الدول كنموذج. كما يبرز المثل الشعبي “عذاري تسقي البعيد وتخلي الجريب”، فرغم خصوصيته البحرينية؛ فإنه أصبح متداولًا في الخليج ككل. والأغاني من الموروثات الشعبية المهمة التي رافقت الشعوب في كل مناسباتها؛ فهناك أغانٍ للأفراح، وأخرى للفراق والحزن، وأخرى للمهن.. وهكذا. ورغم أن الغناء متاح للجميع؛ فإن النساء تميَّزن بأنواع محددة من الغناء لا يؤديها الرجال، أو مارسن بعضها منعزلات عنهم.

سارة مرزوق- زفة عروس

ومن بحثه في مجال التراث الشعبي، أفاد الباحث البحريني محمد جمال، أن أغاني النسوة الشعبية أول ما تبدأ بمصاحبة الطفل في المهد؛ حيث تقوم المرأة بإرضاع الطفل وتدليله وتنويمه بواسطة أغنية “هلولو يا وليدي هلولو.. نام يا وليدي نام.. لا افرش لك مخدة من ريش النعام.. نام نومة الهنية.. نومة الغزلان في البرية”. ثم كانت المرأة إذا غاب زوجها أو ولدها في سفر أو في غوص تشتاق، وقد ابتُكرت لهذا الغرض أغنيات “الياهي”؛ تغنيها المرأة بلحن مرسل غير موقع وتحتوي على قدر كبير من الحزن.

حوار الباحث محمد جمال مع كيوبوست

وأضاف جمال أن من الفنون الشعبية الغنائية التي امتازت بها النساء دونًا عن الرجال فن “المراداة”؛ وهو غناء يتردَّد في الأعياد والمناسبات الاجتماعية؛ إذ تجتمع الفتيات صغيرات السن للرقص والغناء في أحد البيوت، أما النسوة الكبيرات فيتفرجن ويسألن عن الفتيات (مَن هذه؟.. وبنت مَن هذه؟)؛ لاختيار زوجات صالحات وجميلات لأبنائهن.

وأوضح الباحث البحريني أن فن “المراداة” يأتي على هيئة فصول؛ الفصل الأول منه يبدأ بصفتَين متقابلتَين من الفتيات، متماسكات بالأيدي، كل منهن تنشد بيتًا من الشعر، وترد عليها الأخرى بنفس البيت.. وهكذا تتكرر العملية، ثم يمشين ويلتقين وجهًا لوجه وبنفس الخطوات يعُدن إلى الوراء. أما الفصل الثاني منه (فن المراداة) فيتمثل في “الردحة”؛ وهي الحركة السريعة والرفس في الأرض برجل واحدة، إذ تتحرر الفتيات من الأيدي ويصفقن، بينما يرفسن في الأرض ويركلنها.

المراداة – مبارك نجم

ومن جميل ما لفت إليه جمال هو أن الفتيات في أغاني “المراداة” كن يجهرن بما لم يكن يُسمح به؛ فالفتاة قبل خمسين أو ستين عامًا لم تكن قادرة على التصريح بحبها لأحدهم؛ لأن ذلك سيقود إلى قتلها، ولذلك وجدت في هذه الأغاني نوعًا من التعبير النفسي؛ فتقول “حيّ الذي ياني من الشرق عاني مضمر كنه ذلول عماني.. في إيديه مشموم مطيب عطاني ريجه عسل جندس عليّ وسقاني”، ولو أية فتاة تقول “ريجه عسل جندس عليّ وسقاني” في موقف غير موقف “المراداة” لكانت تعرَّضت لنوع من المجابهة مع المجتمع والأُسرة؛ لكن الوضع الاجتماعي سمح للمرأة هنا أن تجهر بمشاعرها. وهناك أغنية أخرى تقول “على السطح طلّيت عذبتني ياللي على السطح طلّيت.. وتالي تغليت.. راويتني روحك وتالي تغليت”.

لوحات شعبية (فن دق الحب) – شمة بنت حمود

ومن أنواع الغناء أيضًا، الغناء المرتبط بالعمل، “غناء دق الحَب” غرضه تلطيف المشقة الناتجة عن العمل؛ ولذلك في أثناء طحن النساء الحَب بالرحى -لتهيئة حَب الهريس أو الأرز المطحون لرمضان- هناك أغنية “طحني طحيني يا رحيّتي دوري.. طحني طحيني.. حنّي لحنيني.. يا رحيّت الأجواد.. حنّي لحنيني”، ثم يغنين ما شاء لهن من الغناء؛ ومنها “يمه يمه يا يمه وش قال الحميدي، قال الحميدي المغني ربابتي فوق فني”.

فن خماري-شمة بنت حمود

ووقف الباحث البحريني على غناء النسوة المحترفات في الأفراح، ومجاله واسع وخصب؛ إذ يتم استخدام الفنون نفسها التي يغنيها الرجل في المناسبات المشابهة، ومن ذلك “العاشوري” و”الدزة” و”البستة” و”الخماري”، وغير ذلك من أنماط الغناء الدارج على ألسنة الناس. وبيَّن جمال الغرض من فن “العاشوري” في حفلات الزواج، والذي يمتاز ببطء الحركة والإيقاع، فهذا البطء مطلوب ومتعمد لتعريف أهل الحي “فريج العروس” على المعرس الذي سيتزوج ابنتهم خلال اتجاهه لبيت العروس، غير أن هذا الإيقاع يتغيَّر إلى السريع “الدزة” بمجرد دخول المعرس إلى بيت العروس، ويستمر ذلك حتى يصل المعرس إلى الفرشة “غرفة العروس المُعدّة للدخلة”.

الفنانة هبة عبدالله

وفي سياق الحديث عن احتراف النسوة للغناء، قابل “كيوبوست” الفنانة البحرينية الشعبية هبة عبد الله، التي احترفت الغناء منذ سن مبكرة وتنحدر من عائلة فنية؛ لتشارك جمال الرأي في أن أغلب الفنون الشعبية يغنيه الرجال والنساء على السواء، إلا أن بعضه له خصوصيته.

حوار الفنانة البحرينية  هبة عبدالله مع كيوبوست

وأضافت هبة عبد الله عليه أن “من الفنون التي اختصت بها النساء في الأفراح فن (الجلوة)؛ وهو من الفنون التي مارستها كثيرًا”، مشيرةً إلى أن فن “الجلوة” نوعان معروفان في البحرين ودول الخليج الأخرى؛ “جلوة السنة” و”جلوة البحارنة” أو الشيعة؛ إذ يشترك النوعان غالبًا في مطلع الأغنيات، غير أن “جلوة الشيعة” تتضمن مزيدًا من الإيقاعات السريعة. ومما يميز “الجلوة” أن أغانيها تبدأ بالصلاة على النبي محمد والنشيد.

لوحات شعبية – هبة عبدالله

وأوضحت الفنانة البحرينية الشعبية أن مناسبات أو مراحل الزواج المختلفة امتازت بأغنيات محددة؛ فهناك أغنية خاصة بيوم الحنة “حناج عيين يا بنية حناج عيين.. لي دزوج على المعرس بالج تستحين.. حناج ورق يا بنية حناج ورق.. لي دزوج على المعرس طبج العرق”.

فن المراداة

ولا تقتصر مشاركة الفرق الغنائية أو المغنين المحترفين على مناسبات الزواج وحدها، فهناك مناسبات عدة أخرى؛ إذ كان أغنياء الحي أو متوسطو الدخل القادرون يُحضرون الفرق الغنائية؛ لإحياء فاعليات أخرى ترتبط بمناسبة ختان المولود أو حلاقته (الحسانة).

تمنيت “الصبا الي راح يرجع” – هبة عبدالله

ومن الفنون التي مارستها النساء دونًا عن الرجال أغاني الكشتات والنذور؛ حيث تغني النسوة في الطريق أغنيات، مثل “سلام عليك يا نبي صالح.. إنت حلو والبحر مالح”، ثم يغنين ما شِئن. وأيضًا هناك “المولد”، وهي مناسبة دينية تتمثل في ذكرى المولد النبوي؛ يتم إحياؤها بقصائد في حب النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- بلحن خاص، يأخذ الإيقاع الهادئ والحزين.

ومن الأمور المهمة التي أشارت إليها الفنانة هبة أن الفرق الغنائية الشعبية كانت مختلطة لزمن طويل؛ حتى ظهر زمن الصحوة الدينية وارتدت نساء كثيرات الحجاب، فتحولت الفرق إلى نسائية ورجالية وبقي بعضها مختلطًا.

يختزل كثيرون الفنون الشعبية في التراث، غير أن الفنون الغنائية الخليجية ما زالت تتمتع بمكانتها، وما زال أبناء المجتمع يحرصون على أدائها؛ لا سيما تلك الفنون المتعلقة بإحياء حفلات الزواج.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة