الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

الفساد.. كعب أخيل للنظام الإيراني

كيوبوست- ترجمات

دانييل بليتكا♦

لا تزال الاحتجاجات التي اندلعت بعد وفاة مهسا أميني، وهي رهن الاعتقال لدى ما يُعرف بشرطة الآداب في طهران، مستمرة، وباءت كل محاولات السلطة بتهدئة الغضب الشعبي. ولا تزال الحكومة الإيرانية تبحث عن حلٍّ سحري لتهدئة الجماهير. لكن الشعب الإيراني فشل بالقدر نفسه في العثور على حل سحري للإطاحة بنظام آيات الله إلى الأبد.

لكن الباحثة في معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسات العامة دانييل بليتكا، رأت في مقالٍ نشره موقع “فورين بوليسي” أن الرصاصة السحرية موجودة بالفعل، وكل ما يلزم هو قوة غربية تتحمل مسؤولية ضغط الزناد. وليست هذه الرصاصة سوى الفساد المستشري.

تتواصل التظاهرات المناهضة للنظام الإيراني على خلفية مقتل الشابة الكردية مهسا أميني

وقبل أن تخوض بليتكا في مسألة الفساد في إيران تستعرض بعض حكايات الأنظمة المخلوعة التي كانت تتمتع بعضوية كاملة في الأمم المتحدة، وحتى بصداقاتٍ متينة مع الولايات المتحدة قبل أن يصحو العالم على صدمة اكتشاف أن هذه الأنظمة الاستبدادية كانت تسرق مليارات الدولارات من خزائن دولها. ومن هذه الأنظمة أشارت الكاتبة إلى الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي كان يقوم بزياراتٍ سنوية للبيت الأبيض، ويتلقى عشرات المليارات من الدولارات على شكل مساعداتٍ عسكرية واقتصادية أمريكية لبلاده. وتقول إن فساد نظام مبارك الذي تم اكتشافه بعد الإطاحة به في عام 2011، كان ينبغي أن يكون واضحاً بالنسبة واشنطن. فمبارك يمتلك عقاراتٍ في بيفرلي هيلز وحصة من منتجعات مدينة شرم الشيخ المصرية، وبيوتاً في نيويورك ولندن، ويعد الخبراء ثروته بنحو سبعين مليار دولار.

ثم تشير بليتكا إلى الرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذي كان صديق واشنطن المقرب قبل غزوه الكويت عام 1990، والذي استغل برنامج النفط مقابل الغذاء الذي كانت تديره الأمم المتحدة لتحقيق ثرواتٍ طائلة لنفسه ولأبنائه. وقد كانت الحكومة الأمريكية على دراية تامة بتهرب صدام حسين من قيود بيع النفط، بما في ذلك بيعه إلى دول حليفة للولايات المتحدة، مثل تركيا والأردن، بل وحتى الحرس الثوري الإيراني وحليف الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب آنذاك، الرئيس السوري بشار الأسد.

اقرأ أيضاً: الأوضاع الاجتماعية في إيران… صراع الأجيال يقسّم المجتمع

وهنالك أيضاً الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، الذي أشرف على إسقاط الطائرة الأمريكية فوق مدينة لوكيربي عام 1988. وعلى الرغم من أن القذافي لم يكن صديقاً محبوباً لدى الغرب حتى بعد فترة وجيزة من التقارب في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، فقد تبين بعد سقوط نظامه ومقتله أنه كان يمتلك ثروة تقدر بأكثر من 200 مليار دولار مخبأة في دول الغرب، منها نحو 37 مليار في بنوك أمريكية.

تهم الفساد تطال رموز النظام الإيراني- أرشيف

وتلفت الكاتبة إلى حقيقة أن كل هذا الفساد تم الكشف عنه فقط بعد سقوط أصحابه. وتشير في هذا السياق إلى أن الإجراءات الجادة التي اتخذتها الولايات المتحدة ضد الفساد في روسيا جاءت أيضاً فقط بعد غزو الرئيس فلاديمير بوتين لأوكرانيا في العام الماضي.

وفي إيران يقال إن الرئيس السابق على أكبر هاشمي رفسنجاني يمتلك ثروة تقدر بملايين الدولارات. وتستعرض منظمة “متحدون ضد إيران النووية” المعارضة قائمة طويلة من السرقات الرسمية وتوضح مصير مليارات الدولارات المسروقة من وزارة النفط الإيرانية، والمليارات التي تم اختلاسها من البنوك الحكومية، واعتمادات الخدمات الصحية.

عادة ما تلاقي قصص الفساد تغطية متواضعة من وسائل الإعلام المحلية في إيران، وكلما اقترب الفاسد من قمة السلطة تضعف تلك التغطية. وعندما نشرت بعض الصحف أخباراً عن قضايا رشوة وفساد تتعلق بعمدة طهران محمد باقر قاليباف، وقائد فيلق القدس قاسم سليماني، انتقد المرشد الأعلى علي خامنئي هذه الصحف لنشرها هذه الأخبار التي وصفها بأنها “جهود معادية تهدف إلى التشهير بالعناصر المركزية التي لعبت دوراً في تقدم الثورة الإسلامية، كالبرلمان الإيراني، ومجلس صيانة الدستور، واليوم جاء دور الحرس الثوري. إنهم يحاولون التشهير بالحرس الثوري الإيراني، وتشويه صورة الشهيد الكبير سليماني”.

الحرس الثوري الإيراني- أرشيف

وبالمثل انتقد المرشد الصحف التي تناولت الفساد في حكوماته، وندَّد بتهم الفساد التي طالت رئيس المحكمة العليا السابق آية الله صادق لاريجاني، الذي قام المرشد نفسه باستبدال إبراهيم رئيسي به في نهاية المطاف الذي أصبح لاحقاً رئيساً للجمهورية، والذي يُعتبر من المرشحين المحتملين لخلافة المرشد الأعلى المريض بعد وفاته.

نشر رجل الدين المعارض مهدي كروبي -الذي يخضع للإقامة الجبري منذ عام 2011- رسالة مفتوحة وجهها إلى المرشد الأعلى في عام 2018، يتهمه فيها بالتسامح مع الفساد الممنهج، وبإفقار عشرات الملايين من الإيرانيين لصالح إثراء نخبة صغيرة منهم. وحذَّر في رسالته من أنه من الطبيعي في مثل هذه الظروف أن تتحول الطبقة الفقيرة التي كانت من المؤيدين الأساسيين للثورة الإسلامية إلى برميل بارود قد ينفجر في أي وقت.

هادي رضوي، نجل وزير العمل السابق أثناء محاكمته بتهم تتعلق بالفساد- أرشيف

وبالطبع يحرص خامنئي على ألا يكتشف مواطنوه (والمسؤولون الحكوميون الأقل شأناً) مدى فداحة ذنوبه. ولا عجب في أن وزارة التعاونيات والعمل والرعاية الاجتماعية الإيرانية أفادت في يناير الماضي أن نحو 60% من سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر، ويعيش ثلث هؤلاء في فقرٍ مدقع. وهذه الأرقام وصلت إلى ضعف ما كانت عليه في العام الماضي.

وبعيداً عن تحميل الولايات المتحدة أو العقوبات الدولية المسؤولية عن معاناتهم، أظهر الإيرانيون أنهم يلقون باللوم على حكومتهم، وأنهم يعرفون في الوقت الحاضر -وليس بعد فوات الأوان، على غرار مبارك والقذافي- مقدار الأموال التي سرقها زعيمهم الأعلى وأعوانه. وهذا أمر يمكن، كما حذر كروبي، أن يقلب الميزان ويغير موقف من تبقى من أنصار النظام في قوات الأمن وبين صفوف الشعب.

اقرأ أيضًا: إيران: احتجاجات أم ثورة؟

ومما يمكن أن يدفع بهذا الاتجاه أن مسؤولين في إدارة ترامب كشفوا عن ثروة خامنئي التي بلغت 200 مليار دولار. ويمكن للإدارات اللاحقة والحكومات الأوروبية أن تعمل على كشف شبكة الأصول المخفية التي يمتلكها المرشد الأعلى وعائلته والتصرف بناءً على هذه المعلومات.

في أعقاب غزوه للكويت، جمدت الحكومة الأمريكية أموال صدام حسين، وفعلت الأمر نفسه بأموال القذافي وغيره، بمجرد أن قررت أنه ينبغي لهم أن يرحلوا. فماذا تنتظر اليوم؟ فإذا كان من الممكن تجميد أصول أعداء الولايات المتحدة الفاسدين في حالة الإطاحة بهم أو في حالة الحرب، فلماذا لا تقوم الولايات المتحدة بذلك بشكلٍ استباقي، وخاصة بعد أن أوضحت إدارة بايدن بشكلٍ قاطع في حالة الأوليغارشية الروسية، وأعوان بوتين، أنها تتمتع بالسلطة القانونية لتجميد عائدات الفساد.

وتختم بليتكا مقالها بالتأكيد على أن الولايات المتحدة تمتلك طرقاً متعددة لإيصال التفاصيل إلى الشعب الإيراني، سواء من خلال تسريباتٍ صحفية أمريكية أو من خلال إذاعة راديو “فاردا” الناطقة باللغة الفارسية والتابعة لراديو ليبيرتي الممول من الحكومة الأمريكية، أو من خلال منبر الرئيس الأمريكي.

وتتساءل الكاتبة قائلة: “إذا كان الفساد هو كعب أخيل للنظام الإيراني، كما خبرني بعض المسؤولين الأمريكيين الكبار، ألم يحن الوقت لأن يبدأ شخص ما في استغلال نقطة الضعف هذه لمصلحة الشعب الإيراني الذي طالت معاناته؟”

♦زميلة بارزة في معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسات العامة

المصدر: فورين بوليسي

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة