الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

الغنوشي يقيل المكتب التنفيذي لـ”النهضة” ويستثني نفسه

قيادي إسلامي يعتبر قرار الغنوشي خطوة منقوصة ما دام يواصل التحكم بدفة القيادة ولا يستجيب لمطلب الأغلبية

تونس- فاطمة بدري

قرر زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، مساء الاثنين، إقالة كامل المكتب التنفيذي للحزب وإعفاء أعضائه من مهامهم. خطوة أراد من خلالها تهدئة المطالب الداعية إلى مغادرته المشهد السياسي برمته، وسعياً لامتصاص الغضب المتصاعد من أدائه؛ سواء لدى ترؤسه البرلمان أو على مستوى تعامله مع أحداث الـ25 من يوليو.

لكن يبدو هذا التحرك الذي طالب به عددٌ من قيادات “النهضة” منذ فترة ورفضه الغنوشي، لا يحظى بالتأييد الكامل، حتى داخل الحركة؛ لأنه استثنى الغنوشي الذي حافظ على مكانه، ليكون ما تم عبارة عن إقالة من الغنوشي لقيادات وضعهم بنفسه سابقاً، وسيعوضهم بآخرين أيضاً من اختياره، رغم الإجماع داخل وخارج الحزب على أن الغنوشي هو المسؤول الأكبر عن أزمات الحركة وسوء إدارتها لشؤون البلاد.

اقرأ أيضًا: نمور من ورق: لماذا أخفق الإسلامويون التونسيون في حشد الشعب؟

انتقادات متواصلة

ويأتي قرار الغنوشي في وقتٍ تتسع فيه دائرة الانتقادات التي تطوله من قيادات بارزة في حزبه، يطالبونه بالتخلي عن القيادة، واتهموه بسوء إدارة الأزمة السياسية في البلاد، عقب تجميد الرئيس قيس سعيّد، البرلمان وحل الحكومة؛ لكن يبدو أن الغنوشي لم يفهم بعد أنه على رأس الوجوه غير المقبولة، سواء من عموم التونسيين أو من داخل حركته. وواصل اتخاذ قراراتٍ فردية دون الاكتراث لتصاعد الدعوات الموجهة إليه من داخل حزبه؛ خصوصاً مع بداية الشهر الجاري، والمنادية بضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لتغيير صورة الحركة بين أنصارها وأمام التونسيين الذين فقدوا ثقتهم فيها، بعد أن أصبحت في نظرهم رديفة للفشل الحكومي، وشريكاً وحامياً للفساد والفاسدين. ومن بين هذه الخطوات إقالة الغنوشي المكتبَ التنفيذي الحالي، وإبعاد الأسماء التي باتت مكروهة شعبياً عن الواجهة وتعويضها بوجوهٍ شابة برؤى وتصورات جديدة؛ لكن الغنوشي حال دون ذلك.

مصير غامض لحركة النهضة- (صورة وكالات)

كما تجاهل الغنوشي مطالبة أكثر من 130 من شباب الحزب وبعض النواب المنتمين إلى “النهضة”، في بيان حمل عنوان “تصحيح المسار”، بتاريخ 31 يوليو، القياداتِ بحلِّ المكتب التنفيذي للحزب؛ لفشله في إدارة البلاد وتلبية متطلبات التونسيين، داعين الغنوشي إلى تغليب مصلحة البلاد لتجاوز الأزمة.

ولم تتوقف مطالب أبناء الحركة عند ذلك؛ ففي الـ18 من أغسطس وقَّع عدد من أعضاء مجلس شورى “النهضة”، عريضةً للمطالبة بعرض سحب الثقة من عبدالكريم الهاروني. وعبَّر الموقعون على العريضة عن “رفضهم ما يعتبرونه سوء إدارة الهاروني لمجلس الشورى، وتهميش دوره داخل مؤسسات الحركة، وانحيازه لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، في اتخاذ المواقف”.

اقرأ أيضًا: أزمة النموذج التونسي.. وجهة نظر أخرى

لكن يبدو أن الغنوشي وأمام استمرار حالة الغليان داخل الحزب والأنباء عن استعداد عدد من القيادات للقيام باستقالة جماعية، قرر القيام بهذه الخطوة عسى أن يخفف من حدة الأزمة التي تعصف بالحزب؛ لكنه نسي أو تعمد استثناء نفسه من التغييرات إيماناً منه بأنه الزعيم الذي لا يترك مكانه إلا بالموت، وهو ما جعل قراراته محل انتقاد داخل حركته قبل البقية؛ وهو ما ترجمته ردود أفعال عدد من القيادات النهضاوية على قرار إقالة المكتب التنفيذي للحركة.

غضب داخلي

ورغم أنه دأب في الفترة الأخيرة على انتقاد الغنوشي؛ فإن القيادي البارز بالحركة عبداللطيف المكي، تحدث لأول مرة بوضوح عن مشكلة تفرد الغنوشي بالقرار، وقال في مداخلة إذاعية “إن حركة النهضة تعيش انفراد شخص واحد، وهو راشد الغنوشي، بجميع القرارات منذ  2013”.

عبداللطيف المكي يفضح تفرد الغنوشي بالقرارات- (صورة وكالات)

أما زبير الشهودي، عضو حركة النهضة المستقيل منها منذ فترة، فقد انتقد تمسك الغنوشي بالبقاء في موقع القيادة. وقال لإذاعة محلية: “في تقديري أنها خطوة للوراء من رئيس الحركة؛ لكنها خطوة منقوصة لثلاثة أسباب، أولاً: الغنوشي يواصل التحكم بدفة القيادة، ما دام لم يستجب لمطلب الأغلبية بتكليفٍ واضح لقيادة جديدة تدير ملف الأزمة السياسية في حيادٍ تام عن رئيس الحركة. وثانياً قرار إعفاء أعضاء المكتب التنفيذي للحركة من مهامهم هو استباق لعمل خلية إدارة الأزمة المكلفة بالبحث في أسباب الأزمة السياسية، وتقديم تقريرها. وثالثاً هذا القرار لا يكشف عن رغبة حقيقية لتقديم إصلاحات جذرية وعميقة تؤدي إلى تنحية القيادة القديمة وَفق أسس واضحة وحاسمة”.

كذلك تفاعل بعض السياسيين مع قرار الغنوشي؛ مثل القيادي بحزب التيار الديمقراطي هشام العجبوني، الذي اعتبر أن ما أقدم عليه الغنوشي مواصلة في “الاستحمار” والنفاق، ما دامت القرارات لم تستهدف إبعاد رئيس الحركة المسؤول، برأيه، عن أزمات الحركة والبلاد.

تدوينة هشام العجبوني

الناشط السياسي عدنان منصر، اعتبر أن قرارات الغنوشي الأخيرة لا تصب في خانة الإصلاح؛ بل تتنزل في إطار مساعي أسماء بذاتها داخل الحركة لإنقاذ نفسها ومواقعها ومكاسبها لا غير.

اقرأ أيضًا: أمين عام حركة الشعب التونسي لـ”كيوبوست”: سيذكر التاريخ أن الغنوشي استجدى الدعم الداخلي والدولي دون جدوى

عدنان منصر

وقال منصر لـ”كيوبوست”: “راشد الغنوشي يعفي كل أعضاء المكتب التنفيذي لـ(النهضة)، إنها حلقة أخرى في مسار الاضطراب الذي يميز سلوك (النهضة) منذ 25 يوليو. فبغض النظر عن المغزى من هذا القرار، وبغض النظر عن مواصلة الرجل الهروب للأمام، لحتفه وحتف حركته، هناك سؤال يلح بوضوح: كل ذلك الحراك الداخلي في (النهضة) طيلة سنوات، بل أقول طيلة عقود، لم يثمر في نهاية الأمر شيئاً. لم تكن هناك رغبة مطلقة في الإصلاح، إلى أن حلَّتِ الكارثة، لماذا؟ لأن الحركة تحولت إلى إرثٍ عائلي، إلى جسم كبير تقوده مجموعة صغيرة يميناً ويساراً، حسب تقديراتها لمصالحها ومواقعها. الغريب هو أن كل الأزمات كانت تحيي في (النهضة)، على الأقل من ناحية الخطاب، الخوفَ من الاستئصال (بغض النظر عن استعمال قيادتها ذلك للحشد والتنويم)، إلا هذه الأزمة التي تهدد فعلاً بالاستئصال، قد أنتجت مساراً من المكر والخداع، لماذا؟ لأن ما تريد نفس تلك المجموعة إنقاذه ليس إلا رأسها، لا الحركة ولا هم يحزنون”.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

فاطمة بدري

كاتبة صحفية تونسية

مقالات ذات صلة