غير مصنف
الغزو التركي للأكراد.. خيانة ترامب المخجلة لسوريا
كيوبوست – ترجمات
الكاتب: سيث ج. فرانتزمان ♦
يمكن اعتبار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بسحب قواته من سوريا، أحد أوفر قرارات “الخارجية” الأمريكية من حيث قصر النظر والحسابات الخاطئة، على الأقل بالنسبة إلى التاريخ القريب. فقد ترك ترامب حلفاءه الأكراد تحت رحمة تركيا باتخاذه خطوة كهذه، كما أن محاولته للتبرير بدت غريبة وخارجة عن المألوف؛ حيث قال إنه فعل ذلك عقابًا لهم على خذلانهم للولايات المتحدة في أثناء الحرب العالمية الثانية. وهذا النوع من التبريرات لا يفعل شيئًا سوى أن يزيد الطين بلة ويسكب مزيدًا من النار على الجرح.
اقرأ أيضًا: كيف تآكلت الدبلوماسية الأمريكية؟
وبعد مرور ثلاثين عامًا على ما سماه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش بـ”إعادة ترتيب النظام العالمي”، يبدو أن الإدارة الأمريكية الحالية تحكمها وجهة نظر متشائمة حيال البشر والعالم، وهو ما يبدو في تراجعها عن السعي للإصلاح. ولعل أكثر الأطراف التي تجد نفسها مطالبةً بدفع ثمن تلك الخيارات هو حلفاء أمريكا، ولدينا منطقة شرق سوريا على سبيل المثال؛ تلك التي كانت تتمتع ضمن مناطق قليلة للغاية بهدوء نسبي، وأضف إلى ذلك أنها كانت خاضعة لعملية إعادة إعمار بطيئة؛ خصوصًا بعد تحررها من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية.
أهداف تركيا الحقيقة
قدَّمت أنقرة إلى العالم حجتها بأن مساعدة الولايات المتحدة لعناصر من حزب العمال الكردستاني هي التي تمنحها الحق في غزو منطقة شمال شرق سوريا. وبينما اعترفت الولايات المتحدة بحق أنقرة في الحفاظ على أمنها القومي، كانت قواتها تتجوَّل في تلك المنطقة وتشارك في عملياتها الحربية مع قوات سوريا الديمقراطية، هكذا كان الوضع حتى اتخاذ ترامب قراره الأخير بسحب قواته.

وعلى كلٍّ، لا يمكن إغفال حقيقة أن قوات سوريا الديمقراطية كانت من بين أكثر الجهات التي تصدَّت لتنظيم الدولة الإسلامية؛ لكنّ مساعيها لوأد كل الحجج والأعذار التي يمكن أن تتعلل بها تركيا بنية التدخل في المنطقة لم تنجح قط، ولم تعد جهود قوات سوريا الديمقراطية كافية لإبعاد مطامع أردوغان.
اقرأ أيضًا: مشاهدات صحفيين فرنسيين من أرض المعارك الكردية
وتتلخَّص أهداف تركيا الحقيقية في إعادة ترتيب التشكيلة الديموغرافية للمنطقة؛ فعن طريق إعادة توطين ما يقارب مليون لاجئ سوري في تلك المنطقة ستكون التشكيلة السكانية لشمال شرق سوريا قد تغيَّرت، ولا يغيب عن البال أن هؤلاء اللاجئين كانوا قد قدموا إلى تركيا هاربين من مناطق سورية مختلفة؛ ليس من بينها المنطقة الواقعة على الحدود التركية ويقطنها الأكراد.
اقرأ أيضًا: تداعيات التدخل التركي في شمال شرق سوريا
ويتضح للعيان أن تركيا لم تتأخر عن إعلان هذا الأمر؛ فقد عرضت على الجمعية العمومية للأمم المتحدة، خلال الشهر الماضي، خطة عمل عبرت من خلالها عن نيَّاتها في السيطرة على المنطقة؛ حيث اقترحت تقديمها دعمًا ماليًّا يصل إلى 22 بليون يورو، لإنشاء ما سمته بـ”المنطقة الآمنة”؛ تلك التي ستشهد توطين ما يقارب مليون لاجئ سوري. لكن السؤال الذي لا يكف عن طرح نفسه؛ هو: لماذا اختارت أنقرة المنطقة الكردية بالذات على الرغم من توافر مناطق أخرى تحت قبضتها تستطيع تطبيق مشروعها الإنساني فيها؛ مثل منطقتَي عفرين وجرابلس؟!

وتنصبّ أهداف تركيا من وراء اختيار تلك المنطقة بالذات على محورَين رئيسيَّين؛ أولهما: القضاء على قوات سوريا الديمقراطية التي تعبر عن الأكراد في تلك المنطقة، وثانيهما: الاستعاضة عن الأكراد بمقاتلين عرب سيتم تجنيدهم من بين الجماعات المتمردة في سوريا، وهو ما سيمنح تركيا عدة مزايا؛ من بينها ترسيخ الوجود العسكري التركي في سوريا، ما سيمنح أردوغان ميزة مهمة كزعيم يحقق انتصارات قومية لبلاده، ثم الميزة الثانية وهي التخلص من الضغط الداخلي، الذي يسببه وجود هذا العدد الهائل من اللاجئين داخل تركيا.
توجهات خاطئة
وبتأمل المشهد كاملًا، يبدو أن الولايات المتحدة فقدت دورها في التأثير على الوضع في سوريا في الوقت الذي خسرت فيه تحالفاتها مع بلدان الخليج بشكل مخزٍ، بينما نجحت إيران في إحراج أمريكا بعد هجمتها الشرسة على البنية التحتية للنفط السعودي في سبتمبر الماضي. ولا يعد الأمر مجرد انتصار على حليفة أمريكا؛ بل انتصار على منظومة دفاعية أمريكية كان المنوط بها حماية السعودية. وبينما يتفاخر ترامب بحصول قواته على كثير من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية، ومن ثَمَّ احتجازها تحت القبضة الأمريكية، فإن هناك سؤالًا آخر يطرح نفسه: ماذا عن بقية العناصر المحتجزة في شمال شرق سوريا، ولديها فرصة سانحة الآن للهرب وإعادة الكرة مرة أخرى؟

وقد انسحبت الولايات المتحدة من داخل الأراضي السورية من دون أن تستشير حلفاءها، هؤلاء الذين تتحرك قواتهم ذهابًا وإيابًا في الداخل السوري؛ مثل فرنسا والمملكة المتحدة، وهو ما يؤكد التوجهات الخاطئة للسياسة الخارجية الأمريكية. وعلى الرغم من التبريرات التي يسوقها ترامب من خلال إجراء بعض المقارنات مع الوضع في أفغانستان؛ فإنه لا يفلح في إقناع أحد. وبالطبع لا يمكن أن يجبر أحد أمريكا على الدخول في حرب مفتوحة؛ خصوصًا بعد اجتيازها تجربة مريرة كتجربة أفغانستان، لكنها مقارنة ظالمة على أية حال؛ لأن القوات الأمريكية كانت قد نجحت في وقت قصير في تحقيق نجاحات على أرض الواقع في سوريا، بعكس الحرب الطويلة والمجهدة في أفغانستان.
اقرأ أيضًا: لُعبة الإخوة الأعداء والأجندات الخفية لأردوغان وبوتين في سوريا
وكان هناك مئات المقاتلين من القوات الخاصة الأمريكية ينفذون عملياتهم تحت غطاء جوي أمريكي، فضلًا عن تعاونهم مع المقاتلين المحليين؛ بهدف القضاء على تنظيم داعش الإرهابي. وإذا كانت واشنطن ترغب في سحب قواتها لأي سبب من الأسباب، فكان من الضروري أن تفعل ذلك بالتنسيق مع حلفائها وشركائها في المنطقة. وعلى أقل تقدير، ينبغي تنفيذ عملية الانسحاب بشكل تدريجي؛ لكن ما حدث على أرض الواقع هو أن أمريكا تخلَّت فجأة عن شمال شرق سوريا، وخذلت حلفاءها الأكراد؛ بل وفعلت ذلك بأعصاب باردة وهدوء بالغ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
♦ مراسل صحفي لجريدة “جيروساليم بوست”، والمدير التنفيذي لمركز الشرق الأوسط للتحليلات السياسية. وهو مؤلف كتاب “ما بعد داعش.. أمريكا وإيران والصراع في الشرق الأوسط”.
اقرأ أيضًا: تداعيات صفقة صواريخ أردوغان المشبوهة
المصدر: زي سبيكتاتور