الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

العنف الأسري وقتل النساء في فلسطين يشهدان ارتفاعًا خطيرًا

كيوبوست – خاص

استيقظ سكان بلدة بيت لاهيا، شمال قطاع غزة، مؤخراً، على وقع جريمة بشعة هزَّت الشارع الفلسطيني، وراح ضحيتها شابَّة لم يتجاوز عمرها 31 عامًا، بعد أن قرر والدها أن يضع حدًّا لحياتها بدفنها حيَّة تحت “عش الفراخ” في ساحة منزلهما.

الجريمة البشعة التي أعادتنا بالذاكرة إلى عصر الجاهلية في دفن البنات أحياءً، كادت تمر ولا يعلم أحد بخيوطها المدفونة معها تحت التراب، وأن يسلم الجميع برواية الأب القاتل بأن ابنته “سافرت مع والدتها إلى الأردن لتلقي العلاج”؛ إلا أن غبار القضية انتفض حين قررت شقيقة المجني عليها البوح بسر الجريمة لمُدرستها، ليبدأ بعدها مشوار التحري وكشف الحقيقة التي غابت لمدة شهر مع اختفاء الضحية.

        اقرأ أيضًا: في الأردن وفلسطين.. جريمة الشرف باب مفتوح لانتهاك حياة النساء

إيمان النمنم ستكون الاسم الجديد وتأخذ رقم (20) الذي سيوضع على قائمة جرائم قتل النساء في فلسطين خلال عام 2019 فقط، والتي سبقتها فيه “إسراء غريب” وهزَّت قضيتها (10 أغسطس الماضي) الشارع الفلسطيني والعربي معًا، بعد قتلها من قِبَل أفراد عائلتها؛ بحجة أنها “مسكونة” ولا تزال قضيتها داخل المحاكم.

تفاصيل الجريمة

تفاصيل قضية إيمان، التي رواها ابن عمها حسن النمنم، لـ”كيوبوست”، بدأت حين اختفت المجني عليها بشكل مفاجئ بتاريخ (17 سبتمبر الماضي)، وأصبحت لا تُشاهد في أية مناسبة عائلية أو حتى داخل منزلها، مع تكتم كبير من قِبَل أفراد عائلتها حول مصيرها الحقيقي.

ويوضح حسن أن السؤال عن إيمان الفترة التي تلت اختفائها زاد؛ ولكن حين صرَّح والدها بأنها ذهبت للعلاج برفقة والدتها إلى الأردن، زالت أي شكوك حول هذا الاختفاء المفاجئ، واكتفينا بالاطمئنان عليها خلال سفرها، مضيفًا: “لكن هذا الأمر لم يتوقف هنا، حين قررت شقيقة إيمان، قبل أيام، البوح بسر الجريمة لمُدرستها، التي بدورها تفاعلت مع القضية وأوصلتها إلى مراكز حقوقية تعنى بشؤون المرأة، وكذلك الشرطة التي باشرت على الفور التحقيق في الحادثة، وتأكدت من كذب رواية العائلة، لتبدأ خيوط الجريمة بالظهور تدريجيًّا والصدمة تُصيب الجميع”.

تصاعد خطير لجرائم قتل النساء في فلسطين- الصورة من “alhurra.eu”

ويشير ابن عم الضحية إلى أنه حسب التحقيقات والمعلومات التي حصلت عليها العائلة من الشرطة، فإن والد إيمان (52 عامًا) هو مَن قام بدفن ابنته وهي حيَّة بيدَيه في حفرة بعمق متر ونصف المتر داخل غرفة “الفراخ” بالمنزل الساعة الثالثة فجرًا يوم اختفائها، وقرر أن يتكتم على الجريمة ويُخفي تفاصيلها.

وبتابع حسن حديثه، قائلًا: “الجريمة نظرًا لبشاعتها أصابت الجميع في صدمة كبيرة، وطرحت معها تساؤلات حول الأسباب التي تدفع أبًا إلى أن يقتل ابنته بهذه الطريقة ويدفنها حيَّةً”، مؤكدًا أن ما جرى لإيمان يعد من أبشع الجرائم العائلية التي مرَّت والتي يجب أن يتوقف عندها الجميع ويُحاكم القاتل ويوقَّع عليه أشد عقاب.

قتل إيمان النمنم وقبلها إسراء غريب الذي تم الكشف عنه عن طريق أقارب وأصدقاء للضحيتَين، فتح الباب واسعًا لتسليط الضوء على الجرائم الأُسرية والقتل المتصاعدة داخل المجتمع الفلسطيني، والتي ارتفعت حسب إحصائيات رسمية، حصل عليها “كيوبوست” من تحالف “أمل” لمناهضة العنف ضد المرأة، إلى (20) جريمة خلال عام 2019 موزعةً على (16) بالضفة و(4) في غزة.

     اقرأ أيضًا: مَن يقف خلف قتل النساء المؤثرات في العراق؟

أسباب الظاهرة

وتؤكد تهاني قاسم، منسقة مركز “حياة” لحماية وتمكين النساء والعائلات، ومنسقة تحالف “أمل” لمناهضة العنف ضد المرأة، أن فلسطين تشهد ارتفاعًا مقلقًا في ظاهرات القتل والعنف ضد المرأة.

تهاني قاسم

وقالت قاسم، في تصريحات أدلت بها إلى “كيوبوست”: “إن حالات القتل والعنف الأسري؛ خصوصًا ضد المرأة، وصلت بشكل سنوي من 28 إلى 30 حالة قتل موزعة بين قطاع غزة والضفة الغربية، وهذه الأرقام تدق ناقوس الخطر”، مرجعةً أسباب ارتفاعها إلى انتشار المخدرات والسلاح وتفاقم الأزمات الاقتصادية، مؤكدةً أن جريمة قتل إيمان النمنم (مطلقة ولديها 4 أبناء) بدفنها حيَّةً على يد والدها، هزَّت غزة بأكملها؛ نظرًا لبشاعتها، ولكنها في الوقت نفسه فتحت باب العنف الأسري الذي ينخر في المجتمع الفلسطيني.

وعن الدور الذي تقوم به المؤسسات النسوية لمواجهة العنف الأسري، أكدت منسقة تحالف “أمل” لمناهضة العنف ضد المرأة، أن المؤسسات تقوم بحالات توعية مكثفة ووِرش دعم نفسي واجتماعي لآلاف النساء في فلسطين؛ لمواجهة هذه الظاهرة، لافتةً إلى أن الإهمال في إقرار قوانين صارمة ورادعة تحمي المرأة يعد سببًا في تفشي الجريمة وانتشارها.

قال الدكتور درداح الشاعر، أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة الأقصى بغزة، في تصريح أدلى به إلى “كيوبوست”: “إن جرائم القتل في الضفة وغزة تشهد ازدهارًا خطيرًا خلال السنوات الأخيرة؛ نتيجة الأوضاع الاقتصادية والنفسية المتردية، وانعدام الأمن، وانسداد الأفق السياسي، وعدم وجود رادع قانوني قوي يحد منها”.

اقرأ أيضًا: حقائق وأرقام: أين يقف العالم من ظاهرة العنف ضد النساء؟

درداح الشاعر

وأوضح الشاعر أن مظاهر الحياة التي يعيشها الفلسطينيون بكل أشكالها غير مريحة وتجعلهم مهيئين لارتكاب جرائم القتل والعنف داخل الأسرة وخارجها، وذلك سبب تفشي هذه الظاهرة داخل المجتمع، والتي لا يوجد حتى اللحظة أي حلول صارمة للتعامل معها، لافتًا إلى أن كثرة الخلافات وعدم التسامح واستمرار المشاحنات والاحتقان النفسي، إضافة إلى العوامل الاقتصادية والاجتماعية واتساع دائرة الشك، توفر أرضية خصبة لمَن يعانون إضرابات سلوكية أو نفسية بارتكاب الجرائم مهما كانت بشاعتها.

ونوه أستاذ علم النفس الاجتماعي بأن قضية اعتداء الأقارب من أب أو إخوة أو أخوات بعضهم على بعض لحد العنف والقتل، ظاهرة تفشت بشكل مخيف، وهناك أرقام كارثية تُسجل سنويًّا؛ خصوصًا أن المرأة هي الأضعف والمجتمع الفلسطيني قبلي له عاداته وتقاليده، والقانون في كثير من الأحيان يقدم الأعذار لمرتكب الجريمة، مؤكدًا أن الحل يكون بالتوعية الاجتماعية وتفعيل القانون الصارم في التعامل مع مرتكبي الجرائم.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة