الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة

العم مراد.. الطبيب الياباني الذي بكى الأفغان رحيله

وصل الطبيب الياباني تيتسو ناكامورا مطلع ثمانينيات القرن الماضي إلى باكستان.. ثم انتقل للعمل في أفغانستان.. وأفنى حياته في بناء المستشفيات وشبكات الري قبل أن يلقى حتفه مغدورًا به في 4 ديسمبر 2019 على طريق شرقي كابول

كيوبوست

تجمع آلاف الأفغان في كابول يوم الخميس 5 ديسمبر الجاري؛ لتكريم الطبيب الياباني تيتسو ناكامورا، الذي كرَّس حياته للمساعدة الإنسانية في أفغانستان.

لم يكن هذا الرجل الذي يمتلك طاقة كبيرة على العمل الخيري والإنساني، معروفًا على نطاق واسع في هذا البلد؛ خصوصًا أنه كان يفضل العمل في صمت، لكن ما حدث معه الأسبوع الماضي كان كفيلًا بجعل حكايته تتصدر الصفحات الأولى للأخبار هناك؛ حيث تعرضت سيارته إلى هجوم على طريق جلال آباد في مقاطعة نانجرهار الشرقية، وتم إطلاق النار عليه لأسباب غامضة، رفقة خمسة من أعضاء فريقه، ففارق الحياة عن 73 عامًا.

اقرأ أيضًا: الإمبراطور الياباني.. من الألوهية إلى الرمزية

ولد تيتسو ناكامورا، الملقب بـ”العم مراد”، في 15 سبتمبر 1946 في فوكوكا، جنوب غرب اليابان، تخرج في كلية الطب عام 1973، وكان مهتمًّا بشرق أفغانستان وباكستان، ليس لأسباب طبية بل لشغفه بالجبال العالية.

بعد بحثه وقراءته المكثفة عن هذه المنطقة، التي أغرم بها عن طريق الصور، واطلاعه على لطف السكان في تلك البلدان التي تفتقر إلى الخدمات الطبية، انضم في عام 1984 كمتطوع في خدمة التعاون الطبي المسيحي في اليابان، ووجد نفسه في مستشفى ميشن في بيشاور، بالقرب من الحدود الأفغانية شمال غرب باكستان؛ حيث كان يرأس قسم علاج مرض الجذام.

في أثناء أعماله الخيرية التي كان يساعد في إنشائها- وكالات

بعد ذلك، كافح تيتسو ناكامورا من أجل مساعدة اللاجئين الفارين من أفغانستان التي اجتاحها الاتحاد السوفييتي في عام 1979، وكان يعمل جنبًا إلى جنب مع المجاهدين الأفغان الذين كسب احترامهم.

تعلم “العم مراد” في الوقت نفسه اللغة البشتونية، حيث كان يعتقد أن عمال الإغاثة الأجانب لا يُقبلون من قِبَل السكان المحليين إلا إذا اكتسبوا العادات والثقافة المحلية.

صورة الإسلام

كان يعود هذا الطبيب إلى اليابان بين الحين والآخر، ويستغل وقته في كتابة الكتب، فضلًا عن المداخلات الإعلامية، والتي كان ينقل من خلالها الصور الإيجابية عن الإسلام؛ بما يتعارض مع الصور النمطية المنقولة عنه في اليابان، وَفقًا لما جاء في السيرة الذاتية التي نشرتها جائزة “رامون ماجسايساي” المرموقة التي كرمته ضمن فئة “عظمة العقل وقيادة التحويل في آسيا”؛ حيث حصل عليها في عام 2003.

أتاحت له الأموال التي تم جمعها من التبرعات إنشاء منظمة تحمل اسم “بيشاور كاي” ومقرها مسقط رأسه فوكوكا، ثم قام بفتح المستشفيات؛ أولها كان مستشفى في بيشاور الباكستانية، والذي كان يعمل كقاعدة لمستشفيات أخرى بناها في شرق أفغانستان. هذه المرافق الصحية كانت تتيح توفير رعاية رخيصة لنحو 150000 مريض كل عام.

الأفغان يبكون “العم مراد”- “رويترز”

شبكات الري

لم يكن “العم مراد” متخصصًا في الطب فقط؛ بل تجاوزه ليكون متخصصًا في الري، في عام 2000، قام بتكييف التقنيات اليابانية القديمة المستخدمة في منطقته الأم والتي تتطلب القليل من الوسائل؛ لمساعدة القرويين النازحين على حفر الآبار وبناء شبكة من القنوات، بما في ذلك بئر في قرية تبعد نحو عشرين كيلومترًا من مكان إقامته، لم يكن يخيفه شيء، ولا حتى اختطاف وقتل أحد زملائه في عام 2008؛ حيث غادر جميع الموظفين اليابانيين، آنذاك، باستثنائه.

وَفقًا لسلطات نانجارهار، فإن العمل تحت قيادته قد أسهم في ري ما يقرب من 60000 فدان من الأراضي الجافة وحسَّن حياة ما يقرب من مليون شخص.

اقرأ أيضًا: العلاقة الضاربة بين الإمارات واليابان

كان الطبيب الياباني غاضبًا من الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001، جمع حينها ثلاثة ملايين دولار لتوفير الغذاء لشعب كابول، الذي قطعت إمداداته بسبب القصف، “نحن نذهب إلى أي مكان لا أحد يريد أن يذهب إليه”، كانت تلك كلماته التي يحب أن يكررها، وهي الفلسفة التي أعلنت منظمته الخيرية انتهاجها في مواصلة أنشطتها.

الرئيس الأفغاني أشرف غني، سمَّى الدكتور ناكامورا، مواطنًا فخريًّا في أكتوبر الماضي؛ بسبب عمله الخيري، وأعرب عن حزنه العميق بعد هذا الهجوم؛ حزن لم يغب عن اليابان أيضًا التي سيبقى “العم مراد” رسولها للمحبة والسلام.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة