الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

العلاقة بين الإرهاب والمجاعة وهشاشة الدولة

كيوبوست- ترجمات

تعد ظاهرة الإرهاب أحد تجليات العنف التي انتشرت في المجتمعات الدولية. ومنذ أوائل السبعينيات، غزَت كلمة “الإرهاب” ومشتقاتها مثل “الإرهابي” و”مكافحة الإرهاب”، وغيرها، أدبيات جميع فروع العلوم الاجتماعية. وأضحى مصطلح “الإرهاب” أحد المصطلحات الأكثر شيوعًا في العالم، في وقتٍ ترتفع فيه معدلات الجريمة وتتنوع أشكالها. وهذا دعا الباحثين في مجالات علم النفس، وعلم الجريمة، وعلم الاجتماع، والدين، إلى تكريس أنفسهم لدراسة هذا الموضوع أكثر من أي ظاهرة اجتماعية وسياسية أخرى في عصرنا.

لقد أُجريت بحوث مستفيضة في الماضي تركز على العوامل التي تسببت في انتشار الإرهاب في شتى أرجاء العالم. وخلص الباحثون إلى أن الإرهاب ظاهرة معقدة تقف وراءَها عوامل متعددة. وقد سلّط مجلس الأمن الضوء على هذه المسألة في عددٍ من قراراته المتعلقة بأخطر التهديدات التي تواجه السلم والأمن الدوليين، بما في ذلك القراران رقما 1963 (2010) و2129 (2013).

اقرأ أيضًا:  الفقر وشبح المجاعات.. هل يعزِّزان الإرهاب؟

وتجدر الإشارة إلى أن الركيزة الأولى لاستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب (قرار الجمعية العامة 60/288) تجسّد العزم على معالجة الظروف المؤدية إلى انتشار الإرهاب. وقد فصّلت خطة العمل لمنع التطرف العنيف (A/70/674) التي أعدها الأمين العام للأمم المتحدة بعض هذه الظروف المحتملة، مثل: غياب الفرص الاجتماعية والاقتصادية، التهميش، التمييز، سوء الإدارة، انتهاكات حقوق الإنسان، غياب سيادة القانون، النزاعات الطويلة الأمد التي لم يتم حلها، ونشر الأيديولوجيات المتطرفة في السجون.

في سبتمبر 2015، اتفق قادة العالم على جيل جديد من الأهداف المتعلقة بالتنمية، وفي 1 يناير 2016، اعتمدوا الأهداف العالمية السبعة عشر الطموحة، والمعروفة مجتمعة باسم أهداف التنمية المستدامة. وفي حين أن أهداف التنمية المستدامة لها أهمية كبيرة في حد ذاتها، كوسيلة لحشد جهود المجتمع الدولي لمجابهة التحديات الخطيرة المتعلقة بالتنمية، فإنها قادرة أيضًا على دعم الجهود الحالية لمكافحة الإرهاب من خلال معالجة الظروف المؤدية إلى انتشاره.

الأحياء الشعبية تفرخ التطرف- (صورة: أ.ف.ب)

الجدير بالذكر أن الهدف الأول من الأهداف السبعة عشر ينص على “القضاء على الفقر بكافة أشكاله في كل مكان”. وقد انخفضت معدلات الفقر المدقع بالفعل إلى أكثر من النصف منذ عام 1990.

وعلى الرغم من هذا الإنجاز المبهر، فإن خمس سكان الدول النامية ما زالوا يعيشون على أقل من 1.25 دولار في اليوم، والدخل اليومي لملايين الأشخاص الآخرين أعلى من ذلك بقليل. ولا يقتصر تعريف الفقر على مجرد الافتقار إلى الدخل والموارد اللازمة لتأمين سبل عيش مستدامة. ذلك أنه يتخذ شكل الجوع وسوء التغذية، ومحدودية فرص الحصول على التعليم وغيره من الخدمات الأساسية، والتمييز والإقصاء الاجتماعي، ناهيك عن الافتقار إلى فرص المشاركة في صنع القرار. ويجب أن يكون النمو الاقتصادي شاملًا للجميع من أجل توفير فرص العمل على نحو مستدام وتعزيز المساواة.

اقرأ أيضًا: هل تفرخ “أحزمة الفقر” متطرفين وإرهابيين في المغرب؟

هل هناك علاقة بين ظاهرة المجاعات والنزاعات المسلحة، بما في ذلك ظهور داعش والجماعات الإرهابية الأخرى وصعودها في المنطقة؟ الذين تابعوا الأزمة السورية يعرفون حالة الجوع الشديد التي ضربت منطقة مضايا وضواحيها. لم يكن هذا الجوع ظاهرة طبيعية، بل كان نتيجة لمكائد النخبة، التي بدلًا من بناء دولة تقدمية، يقف فيها الجميع على قدم المساواة أمام القانون، أصرّت على المحاصصة الطائفية التي ساعدت على تمزيق النسيج المجتمعي وفتح الأبواب على مصراعيها للإرهاب والتطرف.

لم يتوقف مشهد الجوع العربي المؤلم في سوريا فحسب، بل امتد إلى العراق، حيث رافق حكم داعش الإرهابي فساد رهيب، تحديدًا في الموصل، حيث بلغ الوضع الإنساني ذروته في أبريل 2017، مع اقتراب القوات العراقية المدعومة من التحالف الدولي وسيطرة الذعر مع احتدام المعارك الشرسة في المدينة. مع الانتصار العسكري على داعش، أشار تقرير مشترك لبرنامج الأغذية العالمي والحكومة العراقية إلى أن نصف الأسر العراقية معرضة لخطر انعدام الأمن الغذائي، أي الحد العالمي الذي يستدعي الدعم الدولي، في حين أجبر 75% من الأطفال العراقيين دون سن الخامسة عشرة على العمل لمساعدة أسرهم على توفير الغذاء، بدلاً من الذهاب إلى المدارس.

تم تهجير عدد كبير من السوريين- أرشيف

قد لا يفهم أغنياء العالم أن الجوع ناجم عن التوزيع غير العادل للثروة، وقد لا تهتم الرؤى السياسية للقوى المهيمنة بهذه القضية، ولكنها قنبلة موقوتة ستؤثر عليهم أيضًا. هناك طريقتان على الأقل تجعل الحرمان في العالم مشكلة الجميع.

أولًا أنه يوفر مساحة يمكن للمتطرفين والإرهابيين أن ينشطوا فيها. ويشكل العدد الكبير من الفقراء الغاضبين مصدرًا مهمًا يمكن للتنظيمات الإرهابية أن تعتمد عليه في التجنيد.

ثانيًا، الجياع لا يخشون الموت. ذلك أن ليس لديهم ما يخسرونه. وقد أدّى هذا، وسوف يؤدِّي في المستقبل، إلى موجاتٍ ضخمة ومخيفة من المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين الذين يسعون للوصول إلى أوروبا وأمريكا وأستراليا، حاملين معهم ذكرياتهم المؤلمة ومشاعرهم المريرة، سواء كانت مبررة أم لا، بأن دولهم فقيرة وجائعة وهشة.

اقرأ أيضًا:  كيف يتوقع العلماء المجاعة قبل حدوثها؟

خلال فترتي الثمانينيات والتسعينيات، أولى المجتمع الدولي اهتمامًا كبيرًا للمجاعات في الأماكن التي كانت تُسمَّى آنذاك “العالم الثالث”، وحشد بعض الجهود، على الرغم من أن النوايا الحسنة لم يكن لها دائمًا نتائج جيدة. عادة ما تكون المجاعة أحد أعراض الحروب التي طال أمدها، ونتيجة للحكومات -لعل الحالة البارزة هي النظام الشيوعي في إثيوبيا- التي لا تكنُّ أدنى قدرٍ من الاحترام للكرامة والحياة الإنسانية، ولا أدنى اهتمام بتطوير الرعاية الصحية والبنية التحتية، ناهيك عن تحقيق الازدهار.

المجاعة والحرب هما سبب ونتيجة لهشاشة الدولة، ومصدر قلق آخر كعامل محتمل يتيح مجالًا للتطرف. وفي أحد المؤتمرات التي عقدت في القاهرة عام 2007، عزا الخبراء المشاركون في المؤتمر أسبابَ انتشار الإرهاب والتطرف في الشرق الأوسط إلى عوامل داخلية، أهمها غياب الحرية، والفقر، وسوء توزيع الثروة، والتفاوت في المستويات الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء، وطغيان الدولة، والممارسات القمعية والاحتكارية للثروة، وهشاشة التكامل الاجتماعي والوطني، علاوة على العوامل الخارجية، وأهمها السياسات الغربية التي تدخلت في الشؤون الداخلية للدول العربية والإسلامية.

 

طبقاً للأمم المتحدة يواجه أكثر من 350 ألف شخص المجاعة في إقليم تيغراي الذي مزقته الحرب- “أسوشييتد برس”

الدول الهشة بيئات مواتية للجماعات الإرهابية. وفي هذا الصدد، أشار تقرير صادر عن الاستراتيجية الوطنية الأمريكية لمكافحة الإرهاب، إلى أن الجماعات الإرهابية تستغل الصراعات وعدم الاستقرار وضعف الحكم والمظالم السياسية والدينية طويلة الأمد لتحقيق أهدافها. وتشير الإحصاءات إلى أن 99% من حالات الوفاة الناجمة عن الإرهاب خلال السبعة عشر عامًا الماضية حدثت في الدول التي تشهد نزاعات. لم تصبح الدول الهشة مركزًا للتنظيمات الإرهابية المتنامية فحسب، بل أصبحت أيضًا مركزًا للمنافسات الإقليمية والعالمية على السلطة والنفوذ والموارد. وهذا يجعل الدول الهشة مرتعًا لنمو التنظيمات الإرهابية وتطورها.

إن الدعم الذي يتلقاه المتطرفون بسبب موقفهم العدائي تجاه الدول المسيئة، إلى جانب رد فعل الدولة الذي يتسم بالقمع العشوائي، يدفع المواطنين نحو الأيديولوجيات المتطرفة. ومن الواضح أن المجتمعات المحاصرة بين الفقر والمجاعة وهشاشة الدولة، مع عدم وجود بديل حقيقي لحكومة عادلة وشاملة وجيدة، ستظل أرضيّة خصبة للأيديولوجيات المتطرفة، وهدفًا سهلًا لعمليات التلقين التي تمارسها التنظيمات الإرهابية.

وغنيٌّ عن القول إن الجماعات الإرهابية، مثل داعش والقاعدة، ازدهرت في مناطق غير خاضعة للحكم. ويمكن لهذه الجماعات أن تمارس أنشطتها وتفلت من العقاب عندما تكون الدول هشة. فالدولة الضعيفة، غير القادرة على مراقبة أراضيها، التي تفتقر إلى المؤسسات اللازمة لممارسة السيادة المناسبة، توفر المساحات التي يمكن للجماعات الإرهابية أن تخطط فيها لهجماتها الإرهابية وتتدرب عليها في معسكراتها، بل واستغلال هذا الوضع لتصدير أنشطتها عبر حدود غير خاضعة للرقابة. وحيثما يكون هناك فقر ومجاعة، يمكن أن يبدو حكم الجماعات الإرهابية أفضل من عدم وجود حكم، ويجتذب الأشخاص اليائسين إلى صفوف تلك الجماعات. ولا شك أن استشراء الفساد يعزِّز هذه الديناميات.

اقرأ أيضًا:  الأزمة بين الماضي والحاضر.. كيف جوَّع ستالين الملايين خلال المجاعة الأوكرانية؟

عندما تقع الدول في براثن صراع أهلي بسبب عوامل عرقية أو اجتماعية أو غيرها من عوامل الهوية، يمكن للإرهابيين أن يصعدوا من خلال العمل كطليعة لفصيل في هذه الحروب الأهلية. وتظهر الأبحاث مرارًا وتكرارًا وجود علاقة بين الإرهاب والحروب الأهلية، حيث إن الإرهاب تكتيك كثيرًا ما تلجأ إليه الجماعات المتمردة الأضعف.

إضافة إلى ذلك، فإن الصراعات الأهلية تجعل الوصول إلى الأسلحة أكثر سهولة، وهو أمر مفيد لأي تنظيم إرهابي. وتكمن الصعوبة في أنه في حين توفر الدول الفاشلة بيئة مواتية للإرهابيين، فإن بناء الدولة ليس دائمًا هو الحل، حيث يؤدي إلى نتائج عكسية في بعض الحالات.

وختامًا، فهناك حاجة إلى اتخاذ تدابير دقيقة وشاملة من أجل وضع سياسةٍ ناجعة لمكافحة الإرهاب، تضمن معالجة العوامل التي يسّرت صعود الإرهابيين، وعدم اللجوء إلى حلولٍ قد تقود إلى نتائج عكسية.

المصدر: عين أوروبية على التطرف

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة