الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةمقالات

العلاقات الصينية- الإسرائيلية.. قيد الاختبار

تضطلع الصين بدور صانع السلام في المنطقة بطريقة لا ترضى عنها إسرائيل.. طريقة قد تقوِّض الاعتماد العربي المتزايد على إسرائيل لاحتواء التهديد الإيراني

كيوبوست

أديتي بهادوري♦

ساعدت الهدنة الأخيرة التي توسَّطت فيها الصين بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية، في تسليط الضوء على شراكة أخرى في المنطقة؛ بين الصين وإسرائيل. العلاقات بين هذين الجانبَين فريدة من نوعها؛ حيث إن هناك رغبة متأصلة لدى كل جانب لتعزيز الشراكة، ولكنها مُقيَّدة بعامل خارجي يتمثل في علاقة إسرائيل الخاصة مع الولايات المتحدة؛ المنافس الرئيسي للصين.

اقرأ أيضاً: عودة العلاقات السعودية الإيرانية

علاقات قديمة

على الرغم من أن الدولتَين أقامتا علاقات رسمية فقط في عام 1992 بعد توقيع اتفاق مدريد للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين؛ فإن علاقاتهما تعود إلى ما قبل ذلك بكثير. تاريخياً، كانت الصين مكاناً يخلو من معاداة السامية. في الواقع، خلال المذابح في روسيا؛ خصوصاً خلال الهولوكوست في أوروبا، وجد العديد من اليهود ملاذات آمنة في مدينة شنغهاي الصينية. وقد زارت كاتبة هذا المقال المتحف اليهودي في شنغهاي، الذي يشهد على هذا التاريخ ولا يزال يُستخدم كُنيساً لليهود. وفي حين اضطرت جمهورية الصين الشعبية بحكم تاريخها إلى دعم القضية الفلسطينية؛ تعاونت كل من جمهورية الصين الشعبية وإسرائيل معاً خلال الجهاد الأفغاني، ودعمتا المجاهدين ضد الاتحاد السوفييتي السابق. وقد وردت أيضاً تقارير إعلامية، على سبيل المثال صحيفة “سانكي شيمبون” اليابانية في يناير، تفيد أن الدبابات الصينية الجديدة من طراز (T-69) قد زُودت بمدافع بريطانية عيار 106 ملم، صُنعت في إسرائيل بموجب ترخيص. وأفادت تقارير أخرى أن الطائرات الصينية المقاتلة من طراز جيان-10 (Jian-10) قد صُنعت بمساعدة إسرائيلية.

بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وإسرائيل، تطورت العلاقات، وجرت العديد من الزيارات الثنائية رفيعة المستوى بين مسؤولي البلدَين. وفي حين ازدهرت التجارة، أصبحت الولايات المتحدة، التي كانت قد أدرجت الصين في ذلك الوقت كمنافس رئيسي لها في عالم ما بعد الاتحاد السوفييتي، عاملاً مُقيِّداً في العلاقات الصينية- الإسرائيلية. ويتعلق ذلك بصفة خاصة بالدفاع والأمن. على سبيل المثال، كان الصينيون مهتمين بشراء أنظمة الإنذار المبكر (AWAC) الإسرائيلية المحمولة جواً؛ بل ودفعوا دفعة أولية مقدماً مقابل ذلك، غير أن إسرائيل اضطرت إلى إلغاء الصفقة تحت ضغط الولايات المتحدة، ما أثار استياء الصين.

اقرأ أيضًا: البنتاجون يحذر: قبل أن تتحول إسرائيل إلى مستعمرة صينية

ومع ذلك، استمرت التجارة بين البلدَين؛ حيث أصبحت الصين بحلول ذلك الوقت قاعدة التصنيع في العالم، وأنشأت العديد من الشركات الإسرائيلية متاجر هناك. وبالمثل، تدفقت الاستثمارات الصينية إلى إسرائيل. وبحلول عام 2005، ارتفعت التجارة الثنائية إلى 3 مليارات دولار أمريكي؛ حيث اهتمت الصين بشكل رئيسي بالمهارات الإسرائيلية في الزراعة والطاقة الشمسية والتصنيع والتكنولوجيا المتقدمة والروبوتات والبناء وتشييد الطرق وتصنيع الأسلحة. وتطلعت الصين إلى إسرائيل لشراء التكنولوجيا الغربية التي لن تبيعها لها الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى.

بالنسبة إلى إسرائيل، كانت الصين أكبر سوق في العالم، وأكثر جاذبية من أي وقت مضى مع تصاعد التوترات بشأن القضية الفلسطينية؛ خصوصاً سياسة الاستيطان الإسرائيلية، بين إسرائيل وسوقها الرئيسية الأخرى، الاتحاد الأوروبي. أكثر من 1000 شركة إسرائيلية كانت نشطة في الصين بحلول عام 2010. كما نظرت إسرائيل إلى الصين كمصدر أساسي للاستثمار الأجنبي، حيث توفّر رأس المال الضروري لشركاتها الناشئة الشهيرة، وللبحث والتطوير وتوطين صناعة الأسلحة؛ في محاولة لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة.

نتنياهو.. والتوجُّه شرقاً

ارتقت العلاقات على نحو حاسم إلى علاقات استراتيجية في عهد رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو. وفي حين أثارت سياسة نتنياهو تجاه الفلسطينيين قلق واشنطن والعواصم الأوروبية، كذلك فعلت السياسة الأمريكية تجاه إيران والربيع العربي، وأيضاً الانشغال الأمريكي عن الشرق الأوسط والتوجه نحو آسيا، الذي بدأ بعد خطاب الرئيس باراك أوباما في القاهرة في 4 يونيو 2009. ما دفع إسرائيل لتحذو حذو العديد من دول الخليج بالتوجه شرقاً؛ إذ قررت إسرائيل أيضاً أن الوقت قد حان لتنويع مشاركاتها الاقتصادية وكذلك علاقاتها الاستراتيجية. كانت الصين بسهولة واحدة من أولئك الذين عرضوا مثل هذه الشراكة.

أوباما خلال خطابه في جامعة القاهرة- أرشيف

بالنسبة إلى الصين، لم تكن إسرائيل مصدراً للتكنولوجيا الغربية التي حرمها منها الغرب فحسب؛ بل حيوية لمساعي الصين التي تريد أن تصبح رائدة عالمياً في قطاع التكنولوجيا الفائقة. ولكن بحلول ذلك الوقت، أصبح موقع إسرائيل الاستراتيجي أيضاً عاملاً مرغوباً للصين مع شروعها في مبادرة الحزام والطريق الطموحة. في العام نفسه الذي أطلق فيه الرئيس شي جين بينغ، المشروع في كازاخستان لأول مرة على الإطلاق، أجرى رئيس الوزراء نتنياهو زيارة رسمية إلى بكين حققت نجاحاً هائلاً بكل المقاييس.

لم تكن الزيارة خالية من الجدل. واشترطت الصين قبل زيارة نتنياهو أن تنهي إسرائيل قضية أمام محكمة اتحادية في نيويورك ضد “بنك الصين” المملوك للدولة، الذي اتهم بغسيل أموال إيرانية لنشاط إرهابي من قِبل “حماس” والجهاد الإسلامي الفلسطيني. بعد عودته إلى الوطن، قال نتنياهو، في المؤتمر الرئاسي الإسرائيلي، “إن الصين مهتمة بثلاثة أشياء: التكنولوجيا الإسرائيلية، والتكنولوجيا الإسرائيلية، والتكنولوجيا الإسرائيلية”.

ارتفعت التجارة والاستثمارات بين البلدَين بشكل كبير. وفقاً لمكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي؛ حيث زادت التجارة بين إسرائيل والصين من 1.07 مليار دولار أمريكي في عام 2001 إلى 17.54 مليار دولار أمريكي في عام 2020. أصبحت الصين ثالث أكبر شريك تجاري لإسرائيل، ولكن مع اختلال كبير في التوازن التجاري، يميل على نحو حاسم نحو الصين. وبحلول عام 2018، قُدِّرت الاستثمارات الصينية في إسرائيل بنحو 12.9 مليار دولار، في حين بلغ إجمالي عقود بناء وتشغيل مشروعات البنية التحتية أكثر من 4 مليارات دولار. وُجِّهت استثمارات الصين في إسرائيل على حد كبير إلى قطاع التكنولوجيا؛ بما في ذلك التكنولوجيا الفائقة، وإلى قطاع البنية التحتية.

 

وفي محاولة لتنويع احتياطياتها الأجنبية، أضافت إسرائيل أيضاً اليوان الصيني إلى احتياطيات البنك المركزي لأول مرة في أبريل 2022، ما قلَّل من حيازاتها من الدولار الأمريكي واليورو. كما يتفاوض الجانبان على اتفاقية تجارة حرة؛ ولكن في ظل الهدنة الأخيرة التي توسَّطت فيها الصين في الشرق الأوسط، قد يجري حالياً تعليق هذه المفاوضات لفترة من الوقت.

من الملاحظ أن الصين زادت حضورها في القطاع الاستراتيجي، مع إعطاء إسرائيل الأولوية لتطوير قطاع البنية التحتية؛ بما في ذلك بناء المطارات والموانئ وخطوط السكك الحديدية والطرق والأنفاق، ووجدت الشركات الحكومية الصينية أرضية جديدة للاستثمارات. وتقوم الشركات الصينية بأعمال في مشروعات البنية التحتية في إسرائيل؛ بما في ذلك الحصول على عقود لبناء موانئ جديدة في مدينتَي أشدود وحيفا جنوب إسرائيل، فضلاً عن نظام النقل الجماعي في منطقة تل أبيب الحضرية، وحفر أنفاق الكرمل في حيفا، وحفر أنفاق على طول خط قطار عكا- كرميئيل.

منحت إسرائيل “مجموعة ميناء شنغهاي الدولي” امتيازاً لمدة 25 عاماً لتشغيل ميناء جديد في خليج حيفا، الذي شُيِّد كميناء حاويات آلي. يمكن للميناء مناولة 1.86 مليون وحدة مكافئة 20 قدماً سنوياً بتكلفة 1.7 مليار دولار أمريكي. حيفا هي مركز الصناعة والنقل في إسرائيل، ويقع الميناء بالقرب من البحرية الإسرائيلية؛ وهو محطة توقف للأسطول السادس الأمريكي، وبالتالي له أهمية استراتيجية وأمنية هائلة. من جانبها، استثمرت الصين في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، مثل التخنيون (معهد إسرائيل للتكنولوجيا) وجامعة تل أبيب. في عام 2015، وافق المجلس الإسرائيلي للتعليم العالي ووزارة التعليم الصينية على إنشاء تحالف جامعي بحثي إسرائيلي- صيني، يُطلق عليه (7+7)؛ لتعزيز التعاون البحثي والأكاديمي بين الجامعات البحثية في إسرائيل والصين.

اقرأ أيضًا: 3 مخاوف تحرك الأمريكيين: أسرار التغلغل الصيني في “إسرائيل”

شراكة كاملة ابتكارية

في الوقت نفسه، أصبحت إسرائيل مورداً رئيسياً للبحث والتطوير والتقنيات المتطورة، بينما واصل نتنياهو “صداقته الحميمة” مع الصين. في زيارة قام بها إلى بكين عام 2017، وصف العلاقة الإسرائيلية-الصينية بأنها “زواج عُقد في الجنة“، عندما يتفق الجانبان على رفع علاقاتهما إلى “شراكة شاملة ابتكارية”. وأبرم البلدان عشر اتفاقيات ثنائية وتجارية بقيمة إجمالية قدرها 25 مليار دولار؛ بما في ذلك في مجال الأمن السيبراني.

يقول خبراء الأمن السيبراني إن ساحة الحرب السيبرانية ستغطي الكوكب بأكمله- “فورين أفيرز”

علاوةً على ما سبق، رحبت إسرائيل بمبادرة الحزام والطريق، وأشارت إلى حرصها على المشاركة فيها. وخلال زيارة نتنياهو إلى الصين في مارس 2017، قال الرئيس شي “إن الدولتين ستمضيان بثبات في تنفيذ مشروعات تعاونية كبرى في إطار التعاون المشترك للحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الـ21”. كما تطرَّق رئيس الوزراء نتنياهو، إلى مبادرة الحزام والطريق في تصريحاته، قائلاً: “الجانب الإسرائيلي مُستعد للمشاركة بنشاط في البنية التحتية وغيرها من أشكال التعاون في إطار الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري في القرن الـ21”.

مصادر القلق

كل هذا لم يمضِ من دون قلق في إسرائيل؛ إذ يشعر المحللون بالقلق من التأثير السلبي على علاقات إسرائيل الخاصة مع حليفتها وداعمتها الرئيسية، الولايات المتحدة الأمريكية. في عام 2013؛ حذَّر رئيس الموساد السابق إفرايم هاليفي، من دور الصين في السكك الحديدية الإسرائيلية. وفي حين أن بعض المسؤولين كانوا على استعداد لإجراء تعديلات طفيفة على القوانين لتخفيف القيود المفروضة على الصادرات ذات الاستخدام المزدوج والتكنولوجيا الدفاعية إلى الصين، رفضت وزارة الدفاع الإسرائيلية الموافقة على ذلك؛ نظراً إلى علاقتها الدفاعية مع الولايات المتحدة.

رئيس الموساد السابق إفرايم هاليفي

مخاطر الأمن السيبراني، وإمكانية نقل التقنيات الحساسة؛ لا سيما تقنيات المراقبة، هي القضايا الرئيسية مع الاتصالات العسكرية والحكومية للشركات العاملة في الاستثمار والبناء وقطاع الاتصالات. تقريباً جميع الشركات المعنية لديها علاقات مباشرة أو غير مباشرة مع الدولة الصينية. يتمثل مصدر قلق آخر في أن بعض الشركات النشطة في إسرائيل؛ مثل (ZTE) و”مجموعة الصين للأنفاق والسكك الحديدية”، تنشط أيضاً في إيران، العدو اللدود لإسرائيل. وقد سعت إدارة ترامب وفي وقت لاحق إدارة بايدن إلى “فرملة” مساعي إسرائيل لتعميق علاقتها بالصين.

كل هذه المخاوف قد تعود الآن لتطارد النظام الحالي في إسرائيل؛ حيث تضطلع الصين بدور صانع السلام في المنطقة بطريقة لا ترضى عنها إسرائيل، طريقة قد تقوِّض الاعتماد العربي المتزايد على إسرائيل لاحتواء التهديد الإيراني. في الواقع، الصين، مثلها في ذلك كمثل العديد من أصدقاء إسرائيل الآخرين في الجنوب العالمي، أبقت علاقاتها مع إسرائيل لعقود من الزمان بعيداً عن الأنظار، حتى في الوقت الذي ظلت فيه تناصر بثبات القضية الفلسطينية، وبذلت الطاقة والجهد في تنمية علاقات ودية مع العالم العربي وإيران، لتأمين مشترياتها من الطاقة ورأس المال والأسواق في الشرق الأوسط. على سبيل المثال، رفضت الصين علناً دعوات الولايات المتحدة لإعلان القدس عاصمة رسمية لإسرائيل عام 2017. كما صوتت الصين غير مرة ضد إسرائيل في مجلس الأمن الدولي. حتى في جولة العنف الحالية بين إسرائيل والفلسطينيين ولبنان، دعت الصين مجلس الأمن الدولي إلى إجراء مناقشة “عاجلة” حول الوضع الفلسطيني الأخير في إسرائيل والتطورات اللاحقة. في هذا الصدد، قال تشاي جون، المبعوث الصيني الخاص إلى الشرق الأوسط، خلال اجتماع مع السفراء العرب في بكين: “… الصين تحثّ الأطراف المعنية؛ خصوصاً إسرائيل، على التزام الهدوء وضبط النفس وتجنب أي عمل من شأنه أن يزيد الوضع سوءاً”.

اقرأ أيضًا: قوة الابتكار: كيف ستحدِّد التكنولوجيا مستقبل الجغرافيا السياسية؟

لكن إسرائيل البراجماتية تعلَّمت منذ فترة طويلة أن تتعامل مع مثل هذه التحذيرات والإدانات العلنية بهدوء؛ طمعاً في صفقات وعلاقات اقتصادية ودبلوماسية وتجارية وعسكرية. كل هذا قد يأتي الآن في ظل سُحب من الشك وعلامات استفهام كبيرة تُخيِّم على الأفق في وقت ترسِّخ فيه الصين باعتزاز دورها في الشرق الأوسط؛ في محاولة للتغلب على خصمها اللدود، الولايات المتحدة الأمريكية، في المنطقة.

لقراءة الأصل الإنكليزي: China-Israel Relations (Autosaved)

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

أديتي بهادوري

محررةً في موقع “International Affairs Review“، الذي يسلِّط الضوءَ على وجهات نظر الجنوب في القضايا العالمية

مقالات ذات صلة