الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
العلاقات التركية- الإثيوبية.. دبلوماسية حذرة وعلاقات متذبذبة
تمكنت الحكومة التركية بعد جهد طويل من خلق دوائر نفوذ لها في السياق الإثيوبي.. لكن التوجس والحذر يطغيان على طبيعة العلاقة بين الجانبَين

كيوبوست
منذ تدشين وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) -ذراع أردوغان القوية في إفريقيا- أنشطتها في إثيوبيا، لأول مرة، عام 2005، أصبحت تركيا لاعباً مهماً وكبيراً في التفاعلات السياسية والاقتصادية والأمنية في منطقة القرن الإفريقي. ولربما هذا ما دفع “دمّقي مكونن”، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإثيوبي، إلى الاتصال هاتفياً بنظيره التركي مولود جاويش أوغلو، في 16 نوفمبر 2020؛ لإطلاعه على مسار العملية العسكرية في إقليم تيغراي الإثيوبي المأزوم، بينما أبدى أوغلو تفهم بلاده لقرارات إثيوبيا للحفاظ على القانون والنظام؛ ترافق ذلك مع انعقاد الدورة الثامنة للجنة الاقتصادية المشتركة في أنقرة، برئاسة كل من وزيرَي التجارة والصناعة الإثيوبي ملاكو والداخلية التركي أليبل، وسليمان صويلو؛ التي أسفرت، حسب وكالة “فانا” الإثيوبية الرسمية، عن اتفاقيات تجارية واستثمارية، وناقشت سبل تعزيز التحالف الاقتصادي بين البلدَين، بينما أعرب المستثمرون الأتراك عن رغبتهم في زيادة الاستثمار في إثيوبيا.
ويسعى البلدان إلى الإبقاء على مسار علاقتهما المتنامية منذ ذلك الحين؛ حتى بلوغ حجم التجارة بينهما نحو 450 مليون دولار أمريكي في 2020؛ تُمثِّل الصادرات التركية نحو 400 مليون دولار منها، مع ارتفاع قيمة الاستثمارات التركية الكلية في إثيوبيا إلى 2 مليار دولار، وأكثر من 200 شركة؛ لكن الأكثر تعقيداً من ذلك هو التنسيق التركي- الإثيوبي في إدارة الملفات الأمنية والاقتصادية المتعلقة بالوضع في الصومال؛ خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية هناك.
اقرأ أيضاً: التغلغل التركي الناعم في إفريقيا بين الاقتصاد والمسلسلات المدبلجة
دوائر نفوذ
يُشار إلى أن الحكومة التركية تمكنت، وإن كان ذلك ببطءٍ شديد وعبر سنواتٍ طويلة، من خلق دوائر نفوذ لها في السياق الإثيوبي الحكومي الرسمي؛ الأمر الذي ساعدها على التسرب إلى المجتمع نفسه، فقدمت الكثير من المنح الدراسية، وأسست مدارس للأطفال، ووزعت المواد الإغاثية على مخيمات النازحين وسكان الأحياء الفقيرة في العاصمة أديس أبابا، وأسهمت في تطوير القطاع الصحي بتشييد وترميم ودعم بعض المراكز الصحية في الأرياف، ودعم مستشفيات الأطفال. ومع تصاعد الخلافات بين مصر والسودان من جهة، وإثيوبيا من أخرى، حول قضية سد النهضة الإثيوبي، أعرب المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية دينا مُفتى، في أكثر من مناسبة، عن رغبة بلاده في الاستفادة من الخبرات التركية في مجال الري والسدود.

تعمل حكومة حزب العدالة والتنمية التركية، ذات النزعة العثمانية، على استمالة وكسب تعاطف المسلمين الإثيوبيين الذين يشكلون أكثر من 50% من مجمل سكان إثيوبيا، البالغ عددهم أكثر من 100 مليون شخص، عبر ترميم وصيانة الآثار العثمانية التاريخية؛ مثل مبنى القنصلية العثمانية في أديس أبابا، والمباني التاريخية في مدينة هرر شرقي إثيوبيا، وقرية نداش ومسجد النجاشي في إقليم تيغراي شمالي البلاد، فضلاً عن الترويج لذلك كله عبر ذراعها الإعلامية المتمثلة في وكالة الأناضول التركية، التي تم افتتاح مكتبها في العاصمة الإثيوبية عام 2014.
اقرأ أيضاً: الوجود التركي في غرب إفريقيا بين ضربات القراصنة والرفض الشعبي
للإحاطة بمصر ومحاصرتها
وفي السياق ذاته، قال الباحث والمحلل السياسي الدبلوماسي الإريتري السابق فتحي عثمان، لـ”كيوبوست”: إن تركيا جاءت إلى إفريقيا بنفس الاستراتيجية الإيرانية؛ وهي اتخاذ مناطق نفوذها القديم كمدخل للانتشار في إفريقيا، وذلك يضمن لها موطئ قدم في ميناء وجزيرة سواكن السودانية، مقابل جدة في المملكة العربية السعودية، وفي الصومال للإحاطة بمصر. فبينما اعتمدت إيران على أسمرا والخرطوم للانتشار في إفريقيا، رأت تركيا أن إثيوبيا وسط جيد للاستثمار؛ فهي أرض واعدة، وثانياً يمكن للاستثمارات التركية أن تنافس الاستثمارات السعودية، وربما تقصيها لاحقاً إذا ركزت في القطاع الصناعي بشكل خاص.

بالنسبة إلى عثمان، فإن الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يقف حجر عثرة عنيداً أمام تطلعات تركيا في المنطقة، فكثيراً ما كال لها الاتهامات بالسعي لاستعادة نفوذ إمبراطورية آل عثمان.
هذه حقائق معروفة وتبدو مكررة في أغلبها، يواصل عثمان حديثه إلى “كيوبوست”، مضيفاً: لكن خلط الأوراق بدأ مع اندلاع الحرب الأهلية في إقليم تيغراي (شمال إثيوبيا) في سبتمبر من العام الماضي؛ فقد كنت أعتقد أن تركيا والصومال سيدعمان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، حال حدثت مواجهة مع السودان المدعوم من مصر، وهنا كان يمكن لتركيا نقل الحرب بالوكالة من ليبيا إلى القرن الإفريقي؛ لكنّ الصومال بجانب إريتريا شاركا في الحرب على إقليم تيغراي داعمَين لآبي أحمد؛ ما أعاق التمدد التركي، بيد أن الأمر الذي لعب دوراً حيوياً في ذلك كان الحلف الإريتري- الإثيوبي من ناحية، وعلاقة مصر وإريتريا من ناحية أخرى؛ فأسمرا والقاهرة تجمعهما مخاوف ومقت للإخوان المسلمين، والرئيس الإريتري أسياس أفورقي، كان من أوائل المؤيدين للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي؛ إذ لم ينسَ لسلفه محمد مرسي استقباله ممثلين من جماعة الإخوان المسلمين الإريترية في القصر الرئاسي.
اقرأ أيضاً: الوجود التركي في الصومال.. مصالح متبادلة أم زواج كاثوليكي؟
يستطرد عثمان: تسببت التحالفات التي نشأت خلال الحرب الأهلية الأخيرة في إقليم تيغراي بشمال إثيوبيا، في إرباك المراقبين والمحللين؛ فالقاهرة وأسمرا تجمعهما علاقات طيبة، بينما التوترات بين أديس أبابا والقاهرة بسبب سد النهضة وصلت ذروتها، وبتسلم آبي أحمد رئاسة وزراء إثيوبيا عادت العلاقات بين أسمرا وأديس أبابا أقوى من ذي قبل، وكذلك أحرز ملف العلاقات بين أسمرا ومقديشو تقدماً غير مسبوق، رغم سوء العلاقة بين أسمرا وأنقرة التي تلعب أدواراً رئيسية في الصومال.

خطوات حذرة

وفي السياق ذاته، اعتبرت الصحفية والمحللة السياسية السودانية المهتمة بشؤون القرن الإفريقي خالدة ود المدني، أن إمكانية التأثير التركي على القرار السياسي الإثيوبي تكاد تكون معدومة، وعزَت ذلك إلى صعوبة اختراق السياق الإثيوبي السياسي الذي يكاد يكون مُعبراً عن دولة ذات مسحة مسيحية، رغم أن عدد المسلمين يكاد يكون أكبر من المسيحيين، هذا علاوة على الحساسية الدينية الكبيرة في هذا البلد الإفريقي؛ لذلك فمن الصعب على دولة مثل تركيا، كانت مهداً لخلافة ذات صبغة إسلامية، أن تجد موطئ قدم مريحاً في إثيوبيا؛ فهي دائماً موضع تشكيك، وهذا ما جعل حكومة أردوغان تتوخى الحذر الشديد في التعامل مع الملف الإثيوبي.
اقرأ أيضاً: تركيا تتسلل إلى الجزائر من خلال الدراما ومواقف من تزييف التاريخ
بجانبِ ذلك، أشارت ود المدني إلى أن الوجود التركي الكثيف في الصومال يمثل مصدر قلق دائم للإثيوبيين؛ خصوصاً مع وجود بؤر نشطة لحركة شباب المجاهدين الإرهابية، وإمكانية تسلسل خلاياها النائمة أو ذئابها المنفردة إلى إثيوبيا في أية لحظة، كما أن الصومال نفسه لديه ماضٍ طويل من العداء مع إثيوبيا التي يعتبرها الصوماليون محتلة إقليماً كاملاً من أراضيها (أوغادين) أو ما يُسمى الصومال الإثيوبي؛ وينتظرون الوقت المناسب لاستعادته -كما يعتقدون- لذلك فإن إثيوبيا نفسها تنظر إلى علاقتها بتركيا من زاوية أن تؤسس معها نوعاً من المصالح الاقتصادية المشتركة؛ بحيث تضعها في الحياد حال نشبت صراعات بينها وبين الصومال في المستقبل، وتضمن عدم تدخلها؛ لا أكثر من ذلك.