الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون دوليةمقالات

العلاقات الإماراتية- الأمريكية في ظل إدارة بايدن

خاص – كيوبوست

د.ديفيد بولوك♦

د. ديفيد بولوك

لطالما كانت كلٌّ من الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية حليفَتين متقاربَتين منذ أن نالت الأولى استقلالها قبل نحو نصف قرن. وفي السنوات الأخيرة توسَّع هذا التعاون الوثيق الواسع ليشمل قطاعات جديدة في غاية الأهمية؛ كالطاقة النووية، ومنظومات الصواريخ الدفاعية ضد إيران، والحوارات على أعلى المستويات، والجهود المشتركة لتعزيز التسامح الديني، والعمل المشترك الأقوى في مكافحة الإرهاب والتمويل غير المشروع والعقوبات على إيران، وصفقة طائرات “F-35” المتطورة، وبالطبع التطبيع العربي للعلاقات مع إسرائيل.

ولكن الآن يوجد “عمدة جديد في المدينة” كما نقول هنا، وهو الرئيس المنتخب بايدن. كيف سيتعامل هو وفريقه مع الشرق الأوسط بشكل عام ومع الإمارات العربية المتحدة بالتحديد؟

النقطة الأولى التي يجب توضيحها في هذه الجولة في المشهد السياسي هي أن الشرق الأوسط سيستمر في كونه مجالاً رئيسياً للسياسة الخارجية الأمريكية؛ ولكن ربما لن يكون في أعلى سلم أولويات الفريق الجديد في البيت الأبيض، إذ إنه من المتوقع أن يركز هذا الفريق أولاً على المسائل المحلية العاجلة؛ مثل جائحة كورونا والاقتصاد والاستقطاب الاجتماعي الشديد الذي أصاب أمريكا.

أما في السياسة الخارجية فمن شبه المؤكد أنهم سيسارعون إلى إصلاح العلاقات الأمريكية مع أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية، قبل التوجه بشكل جدي نحو الشرق الأوسط. ولكنهم لا يستطيعون أن ينسوا المنطقة ببساطة؛ بسبب المصالح والالتزامات الأمريكية الرئيسية، ومتطلبات إدارة الأزمات هناك.

اقرأ أيضاً: الإمارات وبايدن.. نحو احتواء رئيس جديد متحمس لمحو بصمة سلفه

والنقطة الثانية هي أن المسؤولين المرشحين لفريق السياسة الخارجية لبايدن هم أشخاص يتميزون بالوسطية والصلابة ومن أصحاب الخبرة والكفاءة. كذلك هم ليسوا من الجناح الراديكالي للحزب الديمقراطي. ولهذه الأسباب يمكن الاعتماد عليهم في بناء سياسات بناءة وجادة بالتشاور مع جميع حلفائنا التقليديين وشركائنا في الخارج. وهذا بحد ذاته سيكون تغييراً مرحباً به. ولكن في العديد من المجالات أتوقع استمرارية أكثر مما أتوقع تغيرات كبيرة.

ثم إن فريق بايدن القادم أكد بشكل غير رسمي استعداده لاستئناف المفاوضات مع إيران. مع العلم أن فريق ترامب قال الشيء نفسه، والسؤال المهم هو تحت أي شروط سيتم التفاوض وما النتيجة المرجوة منه؟

جو بايدن- “ذا نيويوركر”

فريق بايدن أشار إلى استعداده لإعادة البحث في خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران، على أمل مراجعتها وتوسيعها وإطالة أمدها أو ربما إلغاء تحديدها بزمن معين، وربما إضافة قضايا جانبية مثل تقييد المنظومة الصاروخية الإيرانية، وتهديدات إيران الأخرى. حتى الآن يأتي الرفض من جهة إيران، ومن شبه المؤكد أن مرشدها الأعلى سوف يستمر في موقفه المتصلب حتى ما بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية في الربيع المقبل.

لذلك فالنتيجة الأكثر احتمالاً على المدى المتوسط هي محاولة الولايات المتحدة رفع العقوبات على إيران (أو على الأقل تخفيفها) في مقابل موافقة إيران غير الرسمية على وقف انتهاكاتها للاتفاق النووي الأساسي الذي أبرم في عام 2015. هذا الأمر سيكون تحولاً كبيراً ولكن غير خطير؛ لأنه سوف يترافق مع مشاورات صادقة مع شركاء الولايات المتحدة في المطقة من العرب والإسرائيليين، على عكس ما جرى في زمن إدارة أوباما.

اقرأ أيضاً: إيران تخطط لاغتيال السفيرة الأمريكية في جنوب إفريقيا

ويرتبط بهذا الأمر التقدم الكبير في صنع السلام العربي- الإسرائيلي الذي حصل مؤخراً والذي تتصدره الإمارات. من المؤكد أن هذا الموضوع محل إجماع في واشنطن وليس قضية حزبية، فكلا الحزبَين يدعمان بقوة اتفاقيات إبراهيم. صحيح أن بعض الديمقراطيين قد عبروا عن مخاوف بشأن بيع طائرات “F-35” للإمارات، إلا أنني بصراحة لا أرى أن هذا الموضوع سيشكل عقبة حقيقية بسبب التفاهم الجديد حول هذه الصفقة مع الحكومة الإسرائيلية من جهة، وبسبب الحسابات الاستراتيجية الأمريكية من جهة أخرى.

توقيع اتفاقية تطبيع العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة والبحرين وإسرائيل- وكالات

والحديث هنا يستحضر المشكلة الفلسطينية. بالاستناد إلى تصريحات فريق بايدن الأخيرة يمكن أن نتوقع بثقة أنه سوف يعمل على استعادة العلاقات مع السلطة الفلسطينية على الصعيدَين الدبلوماسي والاقتصادي. وعلى المستوى نفسه من الأهمية، سوف يعملون بالتأكيد على تحويل اتفاقيات التطبيع الإماراتية والعربية إلى جسر يقود إلى تقدم فعلي في مسألة السلام الإسرائيلي- الفلسطيني.

وإذا تم التعامل مع هذا الأمر بعناية واهتمام زائد، على عكس ما كانت عليه الحال في سنوات إدارة أوباما، يمكن أن يكون ذلك نهجاً بناءً للغاية يؤدي إلى خدمة مصالح وقيم جميع المعنيين. ولذلك يجب على الإمارات أن تتطلع إلى مفاوضات غير محدودة الأفق وبعقلية منفتحة حول هذه القضية مع جميع الفرقاء، الأمريكيين والإسرائيليين والفلسطينيين، والدول العربية الأخرى؛ إذ يمكن الاستفادة من المساهمة التاريخية التي سجلتها الإمارات لتحقيق تقدم أكبر في الفترة القادمة، وهو أمر يحظى بتقدير كبير في واشنطن.

اقرأ أيضاً: كيف يغير اتفاق السلام الإماراتي- الإسرائيلي خارطة التحالفات في المنطقة؟

وبالحديث عن خلافاتٍ إقليمية أخرى، قطر واليمن وليبيا وتركيا، فإن إدارة بايدن، كما إدارة ترامب، ترى أن الخلاف الخليجي الداخلي تشتيت مزعج للتركيز على المصالح المشتركة والجهود المبذولة لاحتواء إيران. وسوف تستفيد دولة الإمارات العربية المتحدة من الترويج الفعال لتسوية، وهذا ما ترغب فيه حقاً شعوب دول الخليج بما فيها المملكة العربية السعودية، وفقاً لاستطلاعات الرأي. وبالنسبة إلى اليمن وليبيا، فإن ضبط النفس الإماراتي على الصعيد العسكري سوف يلقى ترحيباً من الإدارة الأمريكية الجديدة. وهذا من شأنه أن يدفع باتجاه محاولات أكثر جدية للمساعدة في التوسط لمحادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة، وتسويات سياسية في كلتا الدولتَين العربيتَين الممزقتَين.

وهذا يقودنا إلى الحديث عن تركيا. إن الخلاف الكبير بين أنقرة وأبوظبي له تداعيات إقليمية مقلقة. من المؤكد أن الولايات المتحدة لها خلافاتها الحادة مع أردوغان، والتي ربما يشتد بعضها مع إدارة بايدن، ومع ذلك ستستمر الولايات المتحدة بحكم الضرورة بالتعاطي مع تركيا بوصفها حليفاً حيوياً في حلف شمال الأطلسي، وفي الإقليم.

وعلى الرغم من الحديث الفضفاض، فلا يوجد أي احتمال لحدوث تصدع كبير في العلاقات بين هذين الحليفين القديمين رغم بعض الخلافات القائمة بينهما. وبالتالي سيكون من المفيد للعلاقات الأمريكية- الإماراتية أن تتم معالجة الخلافات التي تفرق بين هذه الدول الثلاث أو على الأقل تجاوزها.

منظومة الدفاع الجوي الروسية “S400” هي أحد الموضوعات الخلافية بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية- “يورونيوز”

الخلاف الطبيعي هنا هو جماعة الإخوان المسلمين التي يؤيدها أردوغان، بينما عارضتها الولايات المتحدة في عهد أوباما أو ترامب، وستعارضها في فترة بايدن المقبلة. وكل نظريات المؤامرة العربية التي تزعم غير ذلك لا تتعدى كونها كلاماً فارغاً. فمنذ عقد من الزمن تقبلت الولايات المتحدة الإطاحة بحسني مبارك، ثم قبلت بالانتخابات التي أوصلت الإخوان المسلمين إلى السلطة؛ لا لشيء إلا لأن المصريين أرادوا ذلك، ولم يكن لدى واشنطن الرغبة أو القدرة على التدخل في مثل هذه الأحوال. والدليل على ذلك أن الولايات المتحدة قبلت أيضاً عام 2013 إطاحة الرئيس السيسي بالإخوان المسلمين. ومن المتوقع أن نستمر على هذا الموقف خلال إدارة بايدن أيضاً.

اقرأ أيضاً: ما الوعود التي قدمها جو بايدن إلى الإخوان المسلمين؟

ونصل أخيراً إلى مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان. سيأخذ بايدن وفريقه هذه المسألة على محمل الجد أكثر مما فعل ترامب في أي وقت من الأوقات، وهذا أمرٌ مؤكد. ومع ذلك فهم لن يسعوا إلى تحويل الإمارات أو أية دولة شرق أوسطية أخرى إلى جمهورية على النمط الغربي ضد إرادتها. ستفعل الإمارات العربية المتحدة خيراً إذا استمعت بانتباه إلى كلمات النصح الخاصة من واشنطن حول حقوق الإنسان، وحرية التعبير، وسيادة القانون، بما يتجاوز مسألة التسامح الديني التي يفخر بها الإماراتيون. وأنا أشك كثيراً في أن حكومة بايدن تتخلى ببساطة عن جميع مصالحنا الإقليمية الاستراتيجية والوطنية الاقتصادية في سبيل السعي المثالي ولكن غير الواقعي وراء الديمقراطية في الشرق الأوسط. إن تعيين صانعي السياسات الكبار من صفوف الوسطيين هو إشارة واضحة ومطمئنة على ذلك.

وفي الختام، فإن الشراكة القوية بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة من المؤكد أنها ستستمر، بل ستزدهر في عهد بايدن. وكي يحدث ذلك من الطبيعي أنه ستكون هنالك حاجة إلى بعض التعديلات الثانوية عند الجانبين. وأنا أعتقد أن العمل جار بهذا الاتجاه، وأتطلع إلى استمراره الناجح في الأشهر والسنوات القادمة.

♦زميل أقدم في معهد واشنطن يركز على الحراك السياسي في بلدان الشرق الأوسط

لقراءة الأصل الإنجليزي: UAE BIDEN TIME

اقرأ أيضًا: 

1) استقرار الإمارات من منظور خارجي

2) اليوم الوطني 49.. رؤية الشيخ زايد لا تزال حية وفعالة

3) تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة: كيف تحول مشروع بريطاني فاشل إلى قصة نجاح عربيـة

4) من معبد يهودي سري إلى البيت الأبيض اندفعت العلاقات الإسرائيلية- الإماراتية عام 2020

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

ديفيد بولوك

زميل أقدم في معهد واشنطن يركز على الحراك السياسي في بلدان الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة