الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
العشرة الدموية من رمضان.. مشاهد مأساوية من اشتباكات الخرطوم

كيوبوست- عبدالجليل سليمان
للعشرة الأواخر في رمضان قُدسية لدى السودانيين؛ ولكنْ لها أيضاً في ذاكرتهم الجمعيِّة وقع أليم، فمنذ انقلاب جماعة الإخوان المسلمين على حكومة الصادق المهدي المُنتخبة عام 1989، وحتى لحظة اندلاع الاشتباكات الجارية بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل، الموافق ٢٤ رمضان ١٤٤٤هـ، ظلَّ السودانيون يتوجسون خيفة من هذه العشرية؛ ففي 28 رمضان/ أبريل 1990م، أعدم نظام الإخوان 28 ضابطاً سودانياً بذريعة تخطيطهم لانقلاب مضاد، وقد تم إخفاء جثامينهم ومتعلقاتهم الشخصية حتى اللحظة.
وفي 3 يوليو 2019، الموافق 29 رمضان، ارتكبت القوات الأمنية (الجيش والشرطة والدعم السريع) ما عُرف لاحقاً بمجزرة القيادة العامة؛ من أجل فض الاعتصام السلمي للمدنيين العزل أمام مقر الجيش السوداني، والتي تعتبر أكبر مذبحة جماعية شهدها السودان في تاريخه.
اقرأ أيضاً: كيف أسهم إخوان السودان في تأسيس دولة الميليشيات؟
ملامح حرب مدن وشوارع

وهاهي العشر الأواخر من رمضان تأتي هذه المرة باشتباكات تُنبئ بحرب مدن وشوارع بين القوات الأمنية نفسها؛ بين الجيش وقوات الدعم السريع التي أنشأها نظام عام 2014 وقننها في برلمانه عام 2017؛ لكي تقاتل متمردي إقليم دارفور وقتها، نيابة عنه.
وظلت قيادة الجيش تنافح عن قوات الدعم السريع وتعتبرها جزءاً منها لا ينفصل عنها، وكثيراً ما وصفها قائد القوات المسلحة عبدالفتاح البرهان، بأنها “ولدت من رحم الجيش”، إلى أن حلّ صباح 24 رمضان، فأصبحت توصف بأنها متمردة، وأصبح نائب البرهان، قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، الشهير بـ(حميدتي)، عدواً ومطلوباً للعدالة.
اقرأ أيضاً: بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة.. الجن يهاجر من السودان أسوة بالإنس
زخات وأزيز

نهض سكان العاصمة السودانية الخرطوم ومدن أخرى من نومهم، صباح 15 أبريل، على هدير المدافع وزخات الرصاص وأزيز الطائرات ورائحة الدم؛ بسبب الصراع حول السلطة.
معارك داخل القيادة العامة للجيش -وسط الخرطوم- معارك في مقرات الدعم السريع المنتشرة في العاصمة، ومعارك في مقرات رئاسات أسلحة الجيش المختلفة، وفي الشوارع والحارات.

يقول الصحفي محمد عبدالباقي، لـ(كيوبوست)، إنهم يعيشون حالة من الرعب غير المسبوق، وإن المواطنين العزَّل لم يتوقعوا أن تدير القوات المسلحة وقوات الدعم السريع معاركهما بين المدنيين العُزَّل الذين تقطَّعت بكثيرين منهم السُّبل بين مدن العاصمة الثلاث؛ حيث أُغلقت الجسور الرابطة بين الخرطوم، والخرطوم بحري، وأم درمان. الآن، بات الجميع يخشى إذا ما استمرت المعارك لأيام أخرى أن تنعدم السلع الضرورية وتتدهور الخدمات العامة والصحية.
اقرأ أيضاً: جيوش موازية… الميليشيات تشكل خطراً على الدول الإفريقية
رعب وحيف
في اليوم الأول للاشتباكات، حسب بيان صادر عن لجنة أطباء السودان المركزية صباح الأحد، لقي 56 مدنياً وعشرات العسكريين حتفهم، وأُصيب نحو 595 شخصاً. بينما لا يزال أكثر من 250 طالباً وطالبة و25 مُدرِّساً ومُدرِّسة، محاصرين داخل مباني مدرسة “كمبوني” القريبة من مناطق العمليات في القصر الجمهوري والقيادة العامة وسط الخرطوم.
وقالت الصحفية خالدة المدني: إن بعض المصابين لم يتمكنوا من الوصول إلى الخدمات الصحية؛ لانقطاع أجزاء العاصمة عن بعضها، ولتعثر الحركة وسط أزيز الرصاص وهدير المدافع. وأضافت، في حديث إلى (كيوبوست)، أن الخرطوم أصبحت مدينة أشباح، وأن السكان لا يغادرون منازلهم، وأن معظمهم لديه مواد تموينية لشهر رمضان؛ حيث درج السودانيون على تخزين المواد الأساسية التي تكفيهم حتى انتهاء الشهر. وأضافت: تفتح بعض المتاجر ومحلات الخضراوات واللحوم لساعات قليلة حين تهدأ المعركة، إلا أن الإغلاق هو السائد.

وكشفت المدني أن سكان الأحياء المتاخمة للقيادة العامة للجيش السوداني؛ وعلى رأسها حي (بُرِّي) الشهير، في خطر داهم؛ حيث لا يستطيع سكانه الخروج للحظة من أجل قضاء احتياجاتهم -كما أنهم يظلون مختبئين معظم الأوقات تحت أسرَّتهم ومنبطحين على الأرض؛ خشية الإصابة بطلقات وقذائف طائشة. وناشدت توفير مسارات آمنة لمَن يريد منهم الخروج من الحي إلى أي مكان آخر؛ باعتبار أن الحي أصبح ضمن مناطق العمليات وميداناً للقتال الدائر بين الجيش والدعم السريع.
اقرأ أيضاً: بعد عمليات القتل على الهوية القبلية.. مصير مجهول لإقليم دارفور
فزع وهلع
وفي السياق ذاته، أظهرت مقاطع فيديو بُثت على مواقع التواصل الاجتماعي حالة الرعب والفوضى والهلع والفزع التي عمَّت سكان العاصمة السودانية الذين فوجئوا بمدينتهم واقعة تحت وطأة الاشتباكات، لأول مرة؛ حيث شوهد بعضهم وهم يهربون ويبحثون عما يحميهم من الرصاص العشوائي. بينما غطَّت، ولا تزال، أعمدة من الدخان الأسود الكثيف سماء المدينة.

إلا أن المشهد الأكثر ترويعاً كان في مطار الخرطوم؛ حيث تكدَّس المسافرون داخل صالة المطار واختبؤوا تحت المقاعد، بينما كانت الأعيرة النارية تصم آذانهم داخل الصالة، وكانت السيارات المدرعة تجوب الشوارع المحيطة وتطلق الرصاص.
وفي السياق ذاته، أظهر مقطع فيديو بثه ناشطون، طائرة مدنية تحترق، وقد أكدت شركة الخطوط الجوية السعودية -لاحقاً- في بيان، تعرض إحدى طائراتها لإطلاق نار في مطار الخرطوم أثناء تجهيزها لرحلة العودة إلى الرياض، صباح السبت، وعلى متنها طاقمها والركاب؛ مشيرةً إلى أضرار لحقت بالطائرة.