الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دوليةشؤون عربية

العروبة والإسلاموية والهيمنة الإيرانية

كيوبوست- ترجمات

جاك نيريا♦

كان من المفترض أن يؤدي ما سُمي “الربيع العربي” إلى إسقاط أنظمة ما بعد الاستعمار العربية، وأن تحل محلها أنظمة ذات جاذبية اجتماعية وهوية عربية إسلامية، ودون شك معادية للغرب؛ لكن هذا التحول لم يحدث، وقد واجهت الأنظمة العربية تهديدَين رئيسيَّين؛ الإسلام الراديكالي والهيمنة الإيرانية. وفي مواجهة التهديد الأول طلبت بعض الدول المساعدة من قوى أجنبية، وأحياناً من دول عربية مجاورة (تدخل السعودية في البحرين) ودول إقليمية (تركيا وإيران)؛ للتصدي لهجمات تنظيم الدولة الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين.

وبعد عقد من الزمن، تحولت ليبيا إلى دولة فاشلة منقسمة بين فصائل متنافسة ويسيطر الإسلاميون المتطرفون على جنوبها، وانحدر لبنان إلى وضع مشابه، وأصبح يكافح في سبيل استمراره كدولة بسبب تركيبته الطائفية وتفشي الفساد وسوء الإدارة. وهُزم تنظيم الدولة الإسلامية على يد تحالف ضم خصوماً دوليين لدودين؛ مثل الولايات المتحدة وإيران وتركيا.. ولكن التنظيم لا يزال موجوداً ويتغذى على الانقسام الطائفي بين السُّنة والشيعة في العراق وسوريا؛ حيث لا يزال التنظيم يتمتع بملاذ آمن بين السكان السُّنة والنخبة السياسية السابقة التي ترفض الانصياع لأنظمة ذات توجه شيعي/ إيراني.

اقرأ أيضاً: في الذكرى الـ26 لتفجيرات الخبر: باحث سعودي يفتح ملف الدور الإيراني في دول الخليج

وفي رد فعل على تغيير النظام في العراق الذي شكَّل الحافز وراء قيام تنظيم الدولة الإسلامية، سعت الأنظمة العربية إلى تفكيك جماعة الإخوان المسلمين والقضاء على الإسلام السياسي. وكان الإخوان يُعتبرون قوة مهيمنة حتى منذ ما قبل إدارة أوباما، وكان يُنظر إليهم على أنهم الورثة الشرعيون للأنظمة العربية المهلهلة والفاسدة؛ ولكن الأنظمة العربية سارعت إلى مواجهة الموجة الإسلامية الراديكالية للحفاظ على بقائها. واليوم هُزم الإخوان المسلمون وتشتت قادتهم بين المنافي والسجون، وحتى في تونس، مهد الربيع العربي، أصبح الإخوان في المعارضة ويعانون مطاردة النظام لهم، ويواجهون محاكمات بتهمة الخيانة العظمى.

الدور الإيراني الجديد

لم يكن لإيران على مدى تاريخ الشرق الأوسط الحديث هذا القدر من الهيمنة والنفوذ؛ فهي اليوم تملي سياسات الحكومات، ووصل بها الأمر إلى مراقبة الانتخابات البرلمانية وتقرر اختيار الرؤساء ورؤساء الوزراء. وتدخلت في حروب إقليمية بالدعم العسكري والمالي والسياسي. وقد استقطبت إيران الشرق الأوسط وقسمته إلى قطبَين متواجهَين سياسياً؛ المنطقة الشمالية الممتدة من لبنان إلى العراق (بما في ذلك جنوب اليمن، وحتى وقت قريب السودان)، وهي منطقة ذات أغلبية شيعية، والمنطقة الجنوبية التي تقع بين الحزام الشمالي واليمن؛ وهي ذات أغلبية سُنية معادية بشدة لإيران.

رسم كاريكاتيري إيراني يصور الهجوم الحوثي بطائرة مسيرة على السعودية- مركز القدس للعلاقات العامة

تحولت المنطقة الشمالية تحت سيطرة إيران إلى دول مزعزعة داخلياً، وتهيمن عليها السياسات الطائفية، وتعاني شللاً سياسياً عاجزاً عن تشكيل الحكومات، وعجزاً مالياً واقتصادياً. وتمكنت إيران بفضل ذراعها “فيلق القدس” من إنشاء قوى وكيلة لها في كل دول المنطقة من أجل ضمان سيطرتها على السياسات الداخلية لهذه الدول؛ ففي لبنان هنالك “حزب الله”، وفي العراق “الحشد الشعبي”، والحوثيون في اليمن، والفيلق الأجنبي الذي يضم الميليشيات الباكستانية والأفغانية في سوريا؛ الذي يعمل على حماية نظام الأسد.

وعلى الرغم من التنافس التاريخي بين الفرس والعرب؛ فإنه لم تكن هنالك أية نيَّات في أي وقت من الأوقات للهيمنة على السياسات العربية، ولكن هذا الأمر تغير مع قيام الجمهورية الإسلامية في إيران وتبنيها سياسة تصدير الثورة تحت غطاء القومية الإسلامية. ومع تنامي السيطرة الإيرانية على منطقة الهلال الخصيب، بدأت التوترات بينها وبين العرب بالتصاعد، ولم تقتصر على الصدام التاريخي بين السُّنة والشيعة، بل وصلت إلى المجتمع المسيحي في لبنان، والأهم من ذلك إلى الهوة المتوسعة بين الشيعة أنفسهم في العراق؛ حيث أدى هذا الانقسام إلى شلل في النظام السياسي العراقي وتعذر اختيار رئيس للوزراء، الأمر الذي زاد من احتمال اندلاع حرب أهلية شاملة في العراق. ولا يختلف الوضع كثيراً في لبنان؛ حيث تسببت قبضة “حزب الله” في شلل النظام السياسي أيضاً، ودفع الدولة إلى مواجهة محتملة مع إسرائيل.

اقرأ أيضاً: أنصار الصدر: نرفض الوصاية الإيرانية

والأهم من ذلك هو التحالف القائم الذي نشأ بين دول عربية ذات أغلبية سُنية لمواجهة التوسع الإيراني؛ سواء من خلال العقوبات الاقتصادية (كما هي الحال في لبنان) أو من خلال إنشاء شبكة سياسية تعمل على إحباط مبادرات إيران في الشرق الأوسط وإفريقيا.

ومن الجدير بالذكر أنه منذ عدة قرون سيطر الفاطميون الشيعة على أجزاء واسعة من العالم العربي تحت لواء سلطنة امتدت من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر، إلى أن تمكن صلاح الدين، السُّني الكردي، من هزيمتهم؛ لتحل السلالة الأيوبية السُّنية محلهم. والحقيقة أن الحرب بين العروبة والهيمنة الإيرانية لم تنتهِ بعد.

♦عقيد متقاعد ومحلل لشؤون الشرق الأوسط في مركز القدس للعلاقات العامة، ومستشار سابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين لشؤون السياسة الخارجية.

المصدر: مركز القدس للعلاقات العامة

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة