شؤون دولية

العربية والإسلام في إسبانيا: أزمة الهوية

هوية أبناء المهاجرين مهددة

خاص كيو بوست – 

مع نهاية كل موسم دراسي، تسارع الجالية المسلمة المقيمة في إسبانيا إلى تسجيل أبنائها ضمن حلقات تدريس التربية الإسلامية وتعليم اللغة العربية في المساجد أو المراكز الإسلامية، بسبب غياب هاتين المادتين عن البرامج التعليمية في المدارس الحكومية. وبقدر ما تبدي الجالية المسلمة المقيمة بإسبانيا ارتياحًا لجودة التعليم فإنها منشغلة بضرورة الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية داخل مجتمع متعدد الهويات والثقافات.

 

المعادلة الصعبة

يعاني المهاجرون المسلمون في أوروبا من أزمات متعددة، أهمها كيفية الحفاظ على هويتهم الأصلية وخصوصيتهم الدينية، وفي الوقت نفسه البحث عن آليات الاندماج وعدم الانغلاق على الذات.

ورغم إحصاء ما بين 18 و23 مليون مسلم، بما يشكل حوالي 7% من مجموع سكان أوروبا، إلا أن إشكالية تعليم اللغة العربية وتدريس أصول الدين الإسلامي لا تزال مطروحة، وهو ما بات يقلق الجاليات المسلمة، خصوصًا في ظل ارتفاع أعداد المولودين من أبناء المهاجرين، وتزايد أعداد اللاجئين الفارين من الحروب في سوريا وليبيا واليمن.

في إسبانيا لا تزال الجاليات العربية والمسلمة تحاول تجاوز إشكالية غياب العربية والإسلام.

يقول بلقاسم ملال، رئيس جمعية “السلام” للمهاجرين المغاربة في إسبانيا، العضو البارز في لجنة مسجد مدينة “أليكانت”،  في حديث مع “كيو بوست“، إن أزمة عميقة يعانيها أبناء المهاجرين في إسبانيا بسبب اللغة والدين، إذ لم تحظ بما يكفي من الاهتمام سواء من جهة الدولة المستضيفة أو من طرف الدول الأصل.

“المساجد باتت الملاذ الأول والأخير لتلقين أبناء المهاجرين أبجديات اللغة العربية والتربية الإسلامية، غير أن استمرار تشتت الجمعيات الإسلامية بسبب الأيديولوجيات، يهدد تطلعات الجالية المسلمة بإسبانيا”، يضيف ملال.

ويلفت إلى غياب نموذج تربوي تعليمي يتماشى مع احتياجات أبناء المهاجرين الذين فتحوا أعينهم على لغة لا تجمعها باللغة العربية سوى بعض المصطلحات، وممارسات دينية مسيحية تتناقض مع الإسلام في أغلبها، وهو ما اعتبره أمرًا يزيد من معاناة المهاجرين العرب والمسلمين في إسبانيا.

وفي ظل ضعف دور سلطات الدول الأم للجاليات، تتحمل جمعيات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية كالمساجد والمراكز الثقافية الإسلامية عبء المسؤولية، غير أن ذلك يبقى غير كاف، على اعتبار أن الأساتذة لا يخضعون للتكوين ويفتقرون إلى مؤهلات أكاديمية، وغالبًا لا يتقنون لغة بلد الاستقبال.

 

يتلقون العربية من أئمة

“عبد الحفيظ” مغربي مقيم في “أليكانت” بإسبانيا، رفقة زوجته وأبنائه الأربعة، يشتكي من تعرض أبنائه لصعوبات في الحديث باللغة العربية وفي الحفاظ على أصول الدين الإسلامي، معربًا عن تخوفاته من “ضياعهم”.

وقال عبد الحفيظ إن عملية تدريس اللغة العربية والدين الإسلامي في مساجد المدينة تشوبها عوائق كثيرة مثل قلة الساعات المخصصة للتدريس، وغياب مدرسين أصحاب كفاءة، مضيفًا في حديثه مع “كيو بوست“، أن من أبرز المشاكل التي تواجه المهاجرين المسلمين والعرب في إسبانيا، تتعلق بالتربية الإسلامية واللغة العربية، ما يستدعي ضرورة الانتقال من العمل التطوعي إلى العمل المؤسساتي المدعوم من طرف دولته المغربية، عبر إرسال معلمين أكفاء في اللغة العربية والدراسات الإسلامية ومتمكنين من ثقافة ولغة بلدان المهجر.

وكشف بلقاسم ملال أن أكثر من 80% ممن يتعلمون اللغة العربية في إسبانيا يتلقونها عن طريق جمعيات المجتمع المدني، وأغلبها مؤسسات دينية كالمساجد، وهي طريقة تعلم يراها ملال غير ناجعة.

 

 إستراتيجية عربية 

“أنطونيو ريندون”، مسؤول البرامج بمؤسسة “ثلاث ثقافات” الإسبانية، أبرز لـ”كيو بوست“، أن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها إسبانيا، أحد أهم العوامل التي تمنع فتح أبواب توظيف مدرسين لصالح الجالية العربية والمسلمة في المدارس الحكومية، كما أنها تهدد استمرار المدارس العربية، على اعتبار أن غالبية المراكز الإسلامية تعتمد على إمكانياتها الذاتية.

وقال المسؤول إنه رغم كل هذه المشاكل والتحديات إلا أن المدارس العربية بإسبانيا لعبت ولا تزال تلعب دورًا أساسيًا في الحفاظ على هوية أبنائها.

ويرى ريندون “أن الأمر يتطلب من الدول الأم وضع إستراتيجية واضحة المعالم، خصوصًا أن إسبانيا دخلت ركب البلدان الغربية التي تشهد أكبر نمو للجالية العربية والإسلامية، والتي بدأت تدق باب الجيل الثالث من المهاجرين، وهو بحد ذاته تحد كبير يواجه هذه الأجيال، بعيدًا عن الخلافات الضيقة التي تعيشها الهيئات الدينية والفيدرالية بإسبانيا”.

من جانبه، أوضح العضو البارز في لجنة مسجد “أليكانت”، “بلقاسم ملال”، أنه وفي محاولة من أجل وضع حد لمشاكل أبناء الجاليات العربية في إسبانيا، وقعت اللجنة الإسلامية في إسبانيا اتفاقية مع حكومة مدريد، تنص على حق المسلمين في تلقي محاضرات عامة أو خاصة في التربية الإسلامية بالمدارس الرسمية، بالإضافة إلى قيام معلمين تابعين للجنة الإسلامية بالتدريس، لكن لم ينفذ أي من بنود الاتفاق، ولا يدرس الإسلام إلا في عدد قليل من المدارس.

ويطالب ملال بضرورة إبرام اتفاقيات بين الدول الأوروبية والبلدان الأم للمهاجرين من أجل تنظيم عمليات تدريس اللغة العربية والدين الإسلامي كما هو حاصل مع فرنسا.

ويلفت إلى أن هذه الاتفاقيات تهدف إلى تعليم مندمج في البرنامج الدراسي الرسمي للبلد المضيف، معتبرًا أن النهوض بعملية تعليم الدين الإسلامي واللغة العربية، أمر إستراتيجي للحفاظ على الهوية للأجيال القادمة.

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة