الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون دولية
العبودية اليوم.. مئات المعاهدات وعشرات ملايين المستعبدين
يذكر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن تلك الأعداد لا تشمل "نماذج أخرى من العبودية" مثل الزواج القسري ووضع الخدم في البيوت واستعباد الأطفال والعمالة لإيفاء الدين

كيوبوست – مدى شلبك
انتهت العبودية قانونياً في جميع دول العالم وفقاً لاتفاقيات دولية، مع ذلك يرزح (20- 30) مليون شخص تحت العبودية في عصرنا. ولأن مفهوم العبودية يحتمل تعريفات كثيرة، كان لا بد من خلق إجماع عليها بغرض مواجهتها، وهذا ما تحاول دراسة بعنوان “العبودية في العالم اليوم.. تعريف ومفاهيم”، التوصل إليه، بينما سيتم عرضها عبر التقرير التالي.
إرشادات بيلاغيو
في محاولة لتعريف العبودية، عاد كاتب الدراسة ريتشارد بيرشيل، إلى مؤتمر عُقد حول العبودية عام 1926، تم خلاله طرح تعريف للعبودية “هي شرط أو حالة يكون فيها لإنسان معين حق ممارسة بعض أو كل حقوق الملكية على إنسان آخر”. إلى جانب تحديد السمة الأبرز لقياس العبودية؛ وهي ما يُسمى بـ”نفوذ الملكية”.
في عام 2012، اعتمد خبراء “إرشادات بيلاغيو- هارفرد عن المعاملات القانونية للعبودية”، والتي حاولت تحديد المعنى التطبيقي لـ”نفوذ الملكية”، والتركيز على التعريف القانوني المتفق عليه عام 1926 كنقطة أولى من الإرشادات، والذي يستند إلى “ممارسة السلطات المتعلقة بحقوق الملكية” كمعيار لقياس الحالات الفردية، ويشترط ممارسة حق واحد من حقوق الملكية تلك، وليس جميعها لاستيفاء التعريف.
اقرأ أيضاً: تروكوسي.. نظام عبودية جنسية لطفلات في إفريقيا للتكفير عن الذنوب
ويسلط الإرشاد الثاني الضوء على الحرية الشخصية للإنسان؛ في محاولة لفهم العبودية. إن السيطرة التي تحرم الإنسان من حريته الشخصية تشمل استغلاله والإفادة منه ونقل ملكيته أو التخلص منه؛ عبر العنف أو الخداع أو الإجبار.
أما الإرشاد الثالث فيتناول فهم تعريف العبودية على أنه ممارسة لحقوق الملكية: “إن الملكية أساس العبودية”، فامتلاك سلعة أو شخص يهيئ الهيمنة عليه، وبذلك يمارس “المالك” نوعاً من العبودية، عند ممارسة حق الامتلاك.
بينما تبين النقطة الرابعة من الإرشادات طبيعة السلطات المتعلقة بحقوق الملكية، التي تخص حق شراء وبيع وامتلاك شخص آخر، وبذلك يكون “نقل ملكية” شخص شكلاً آخر لاعتبار الإنسان مستعبدًا. النقطة الأساسية هنا هي “السيطرة التي تعادل الامتلاك”.
اقرأ أيضًا: سبارتاكوس.. العبد الذي انقلب على عبوديته
أما على الصعيد الاجتماعي، فقد لجأ الكاتب إلى تعريف عالِم الاجتماع الأمريكي أورلاندو باترسون، للعبودية على أنها “الموت الاجتماعي”، فإن ممارسة حقوق تملُّك شخص ما، تشمل حرمانه من المجتمع، فهو فاقد هويته الشخصية، ولا يستطيع بناء علاقات خارجية، وغير قادر على التواصل مع الجهات المؤسساتية لدعمه.
العبودية اليوم
تُستخدم الأرقام الصادرة عن منظمة العمل الدولية للإشارة إلى العبودية، على الرغم من أن تقاريرها تدل فعلياً على “العمالة القسرية”، وتفيد أن نحو (21) مليون شخص في العالم هم ضحايا العمالة القسرية، كحد أدنى. ينقسمون بين (11,4) مليون من الفتيات و(9,5) مليون من الرجال والصبيان، وربع العدد الكلي للضحايا لا يتجاوز من العمر (18) عاماً.
ويعاني (19) مليونًا من أصل (21)، العبودية على يد أفراد أو شركات، وأكثر من مليونين هم من ضحايا المؤسسات الحكومية الرسمية. معظمهم يقبعون تحت العمالة القسرية، ونحو (4,5) مليون شخص ضحية الاستغلال الجنسي، وغالبيتهم من جنوب آسيا وإفريقيا.

ويذكر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن العدد (21 مليوناً) لا يشمل ما يوصف بأنه “نماذج أخرى من العبودية”؛ مثل الزواج القسري، ووضع الخدم في البيوت، واستعباد الأطفال والعمالة لإيفاء الدين.
بينما قدر تقرير مؤشر العبودية العالمي لعام 2014، عدد ضحايا العبودية بـ(35,8) مليون شخص، مستخدماً مقاييس أخرى لتعريف العبودية.
وتدل التقديرات على أن نصف نسبة الضحايا تقريباً يتم الاتجار بهم عبر حدود الدول، بينما تتجاوز الأرباح من الاتجار بالبشر (150) مليار دولار، وفقاً لمنظمة العفو الدولية، من اقتصاد عالمي يتجاوز الـ(77) تريليون دولار؛ لذلك لا يعد الرقم الأول استثنائياً، إلا أنه يثير القلق والاشمئزاز، وفقاً للدراسة.
معاهدات وبروتوكولات
تضافرت الجهود الرامية لمواجهة العبودية خلال القرن العشرين، إلا أن أول معاهدة اعتُمدت لمنع العبودية كانت عام 1926، بينما نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 على أنه: “لن يتم استعباد أو تسخير أحد، وتعتبر أشكال العبودية كافة والتجارة بها محرمة”.
كما تبنّت منظمة العمل الدولية معاهدات دولية عديدة حول العمالة بتوقيع (170) دولة، تعهدت بإنهاء العمالة القسرية، وصدرت المعاهدة رقم (182) لعام 1999 ضد عمالة الأطفال، كظاهرة تقترن بالعبودية.

عام 2000 صدر بروتوكول منع ومعاقبة الاتجار بالبشر، وقد صادقت أكثر من (150) دولة على البروتوكول.
إلى جانب ما سبق، تنوَّعت المعاهدات الإقليمية لحقوق الإنسان، والتي تمنع العبودية والآليات الخاصة بها والاتجار بالبشر؛ مثل المجلس الأوروبي، وآسيان، و(أو آي إس).
هل الجهود فعالة؟
وصل عدد الاتفاقيات التي صدرت لمنع العبدوية إلى نحو 300 اتفاقية، حسب الدراسة، إلا أنها لم تنجح في تحقيق غايتها، ولعل المشكلة تكمن في تطبيقها بشكل غير فعال؛ نتيجة امتناع قادة الدول عن تفعيل مضامينها، لأسباب تتعلق بالمجتمع والدين والثقافة والاقتصاد.
اقرأ أيضاً: 40 مليوناً يعيشون في عبودية حديثة.. وقد تكون أنت أحد ممولي ذلك!
وفي ما يتعلق بالموقف من الاستعباد من الناحية الدينية والثقافية، قال الكاتب: “إن النظرة التاريخية للعبيد، ضمن أية ثقافة أو معتقد ديني، لا يجب الأخذ بها في يومنا هذا”، وكمثال على ذلك طرحت الدراسة استعباد “داعش” البشر بحجة التعاليم الإسلامية.
ويرى أنه إلى جانب الحظر القانوني، كخطوة مهمة للتخلص من العبودية، لا بد من الحفر عميقاً في جذور المشكلة، والتي تتجلى في العوز الاقتصادي، لافتًا إلى ضرورة إنشاء منظومة تثقيفية مجتمعية موسعة، وتوجيهها إلى ضحايا العبودية، والمتاجرين بهم، إضافة إلى عدم التسامح مع الحكومات التي تشرِّع العبودية بأشكالها كافة، ورفض أية محاولة لتبريرها.
وأكد الكاتب أهمية الدور الذي تلعبه المنظمات غير الحكومية في هذا المجال؛ لما تشكله من ضغط على الحكومات؛ عبر توعية الرأي العام بخطورة العبودية، كما أنها تهتم بالتعاون القانوني بخصوص هذه المشكلة، وتدعم المجتمع المدني وضحايا العبودية.
المصدر:
بيرشيل, ر. (2017). العبودية في العالم اليوم.. تعريف ومفاهيم. العبودية المعاصرة لدى التنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا. مركز المسبار للدراسات والبحوث.