الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

“العبدية” في مأرب.. نموذج مصغر لمأساة اليمن الإنسانية

سيؤدي سقوط محافظة مأرب إلى تعزيز سيطرة الحوثيين على شمال اليمن والتحكم في مصير عدة محافظات أخرى

كيوبوست- منير بن وبر

تشهد محافظة مأرب، شمال اليمن، نزاعاً ضارياً بين القوات الموالية للحكومة الشرعية والحوثيين، منذ سيطرة الحوثيين على شمال البلاد، وتمددهم في كل الجهات تقريباً منذ عام 2014- 2015. خلال عمليات الكر والفر، تبادل الطرفان مراراً وتكراراً النصر والهزيمة من خلال السيطرة واستعادة مناطق مختلفة من المحافظة.

ومنذ مطلع العام الجاري، شهدت المحافظة أحدث هجوم واسع النطاق من قِبل الحوثيين؛ مما مكنهم من تحقيق مكاسب كبيرة والتوغل في المناطق الغربية والجنوبية لمدينة مأرب، وفرض الحصار على المدينة ومديريات أخرى؛ كمديرية “العبدية” جنوب محافظة مأرب، التي تشهد أحد أعنف الحصارات العسكرية في الحرب الدائرة في البلاد. وفي أحدث جولات هذه المعركة، أعلن مصدر محلي مسؤول، الجمعة، سيطرة الحوثيين على منطقة “وادي لقطع” مركز مديرية “العبدية”.

تُنذر هذه التطورات الخطيرة في المعارك بتزايد الخناق على القوات الموالية للحكومة الشرعية، وتهديد أحد أبرز معاقلها الأخيرة في البلاد؛ الأمر الذي لن يتيح للحوثيين إحكام السيطرة على شمال اليمن فحسب؛ بل تأمين خطوط إمداد ومسالك آمنة لمواصلة الزحف نحو المناطق الجنوبية المحررة المطلة على سواحل البحر العربي ذات الأهمية الاستراتيجية البالغة للمنطقة برمتها.

عناصر تابعة لميليشيا الحوثي – أرشيف

أزمة إنسانية

أعلن مكتب الصحة والسكان بمحافظة مأرب، شمال اليمن، يوم الخميس 14 أكتوبر، إخلاء مستشفى “العبدية” بعد تعرضه إلى القصف من قِبل الحوثيين. ويعد مستشفى “العبدية” الوحيد في مديرية “العبدية” الذي يخضع لحصار خانق منذ ما يقارب الشهر، وتم تنفيذ القصف أثناء عمل المستشفى الروتيني، في وقت يتلقى فيه الكثير من المرضى العلاج جراء تعرض منازلهم إلى قصف الحوثيين.

يقطن مديرية “العبدية” نحو 37 ألف من المدنيين، وهي واقعة تحت حصار مطبق من قِبل المتمردين الحوثيين، الذين يمنعون وصول الأدوية والمستلزمات والطواقم الطبية إلى المديرية، كما تعاني المديرية نقصاً حاداً في الوقود، ويُمنع السكان من التنقل للحصول على المواد الغذائية، والمياه الصالحة للشرب، ناهيك بقطع شبكات الاتصالات والإنترنت.

اقرأ أيضاً: تفنيد المفاهيم الخاطئة حول الحرب في اليمن

وحسب البيان الصادر عن مكتب الصحة والسكان بمحافظة مأرب، فقد أدت هجمات الحوثيين منذ عام 2015 إلى تدمير 17 منشأة طبية ومرفقاً صحياً بالمحافظة، ومقتل 14 شخصاً يعملون في القطاع الصحي. كما أشار التقرير إلى أن إصرار الحوثيين على قصف الأعيان المدنية، خصوصاً الطبية، يهدف إلى إفشال إسعاف الجرحى والمرضى بشكل كلي.

ووفقاً للمعلومات الصادرة عن فريق وحدة الرصد والتوثيق بمكتب حقوق الإنسان بمحافظة مأرب؛ فقد تعرضت مديرية “العبدية” إلى أكثر من 2500 هجوم حوثي أوقع عشرات الضحايا من المدنيين. كما توقفت 18 مدرسة عن التعليم بسبب أضرار القصف؛ مما تسبب في حرمان أكثر من 8000 طالب وطالبة من الدراسة. وحسب التقرير، تم رصد حاجة (9827) طفلاً إلى الرعاية الصحية وتوفير الاحتياجات الطبية والصحية اللازمة، وهناك تحذيرات طبية ومناشدات لإنقاذ حياة (4265) طفلاً؛ بسبب سوء التغذية. كما تشير التقديرات الصحية إلى وجود نحو (3415) امرأة بحاجة إلى الرعاية الصحية، واستمرار رعايتهن من قِبل الجهات الطبية والصحية، وقد تتعرض حياتهن وأطفالهن إلى مخاطر كبيرة بسبب الحصار.

الوضع المأساوي القائم في مديرية “العبدية”

يهدد الوضع المأساوي القائم في مديرية “العبدية” ومحافظة مأرب بشكل عام بفقدان المئات حياتهم، وانتشار الأمراض بسبب عدم توفر الدواء وعدم توفر الغذاء والمياه الصالحة للشرب، كما سوف تتعرض مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية إلى الهلاك؛ بسبب نقص المياه نتيجة نقص الوقود، وهو ما يعني أن الأضرار سوف تمتد حتى إلى ما بعد فك الحصار، إذا ما كُتب للسكان أمل من هذا النوع.

أهمية معركة مأرب

تشهد محافظة مأرب، شمال شرق صنعاء، معارك ضارية تميل إلى جعل المتمردين الحوثيين أقرب من أي وقت مضى إلى السيطرة على المحافظة مترامية الأطراف، والتي تُعد من بين أكبر المحافظات اليمنية مساحة، وترتبط بعدة محافظات في شمال وجنوب اليمن، مثل شبوة جنوباً، وصنعاء شمالاً.

الجيش اليمني في مأرب- أرشيف

وبالإضافة إلى الموقع الاستراتيجي المهم للمحافظة، فإنها تمتلك أيضاً الكثير من موارد النفط والغاز والبنية التحتية الخاصة بهذه الموارد الحيوية. كما أنها تُعد آخر المعاقل الأكثر أهمية لسيطرة الحكومة الشرعية الفعلية، وهي موطن لأكثر من 2 مليون نازح لجؤوا إليها بسبب الحرب والاضطهاد في مناطق سيطرة الحوثيين.

اقرأ أيضاً: 120 عاماً من الصراع في اليمن (9-10)

غالباً ما يمتد تأثير الأضرار أو السيطرة على محافظة مأرب إلى عدة محافظات أخرى؛ فمنذ بداية الحرب، على سبيل المثال، يؤدي تعرض محطة توليد الكهرباء في مأرب إلى تواصل انقطاع الكهرباء عن عدة أماكن بما فيها صنعاء؛ حيث كانت المحطة تنتج نحو نصف الطاقة الكهربائية في البلاد. وكمثال آخر، توفر محافظة مأرب احتياجات معظم المحافظات اليمنية من الغاز المنزلي الذي يتم إنتاجه بواسطة شركة “صافر” الحكومية؛ ولا تزال المعارك الدائرة في المحافظة، وفي الحقيقة الوضع المتأزم منذ الحرب، تخلق أزمة خانقة في توفير غاز الطبخ لأغلب سكان البلاد.

اقرأ أيضاً: هل هناك حل لمعضلة اليمن؟

سيؤدي سقوط محافظة مأرب -بلا أدنى ريب- إلى تعزيز سيطرة الحوثيين على شمال اليمن بالكامل تقريباً، والاستفادة من موارد المحافظة وموقعها الاستراتيجي؛ بل والتحكم في مصير عدة محافظات أخرى؛ الأمر الذي لن يؤدي إلى نزع ما تبقى من شرعية -رمزية- للحكومة المعترف بها دولياً فحسب، بل سوف يوفر للحوثيين تأمين خطوط الإمداد من الشمال والغرب للولوج إلى المحافظات المحررة في الجنوب؛ مثل شبوة وحضرموت.

يُدرك الحوثيون جيداً أن السيطرة على محافظة مأرب سوف تكون مكلفة للغاية؛ لذلك يلجؤون إلى الحصار وتكثيف القصف. يُستخدم الحصار العسكري في الحروب منذ فجر التاريخ، وعادةً ما يُعتبر، عسكرياً، ركناً أساسياً في سير العمليات العدائية بفعالية من أجل السيطرة على منطقة يستميت سكانها وقواتها العسكرية من أجل الدفاع عنها.

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

منير بن وبر

باحث في العلاقات الدولية وشؤون اليمن والخليج

مقالات ذات صلة