الواجهة الرئيسيةصحةمقالات
العالم بعد “كورونا”

- عبدالله بن بخيت
عدد قتلى “كورونا” على مستوى العالم، خلال الأشهر الماضية، لم يتجاوز بضعة آلاف. ولكي نشعر بالطمأنينة نشر أهل الخير عددًا من الإحصائيات التي تدل على أن ضحايا قتلى الحوادث والأمراض الأخرى يفوق ضحايا “كورونا”؛ الفرق أن عدد قتلى السيارات يُنشر بشكل أحادي.
اقرأ أيضًا: “كورونا” يخلِّف آثارًا عميقة على الاقتصاد وخطوط الطيران
السعودية تنشر إحصاءاتها، والإمارات تنشر إحصاءاتها، وبريطانيا تنشر إحصاءاتها؛ وهذه الإحصائيات تُنشر متباعدةً ضمن إحصاءات أخرى، والأهم أن الناس اعتادت عليها، فتشكَّلت مسافة من اللا مبالاة حتى صار الإنسان ينظر إلى حوادث السيارات على أنها حوادث الآخرين لا تقع إلا على الآخرين حتى تداهمه المصيبة. كل يوم تصادف إحصائية موت؛ الموت من التدخين، الموت من التلوث، الموت من مرض السكر.. أشكال متعددة من الموت أصبحت جزءًا من الأخبار اليومية؛ ففقدت قيمتها الوعظية.
اقرأ أيضًا: إيطاليا.. فيروس كورونا وتجربة الاستمتاع بالخوف
أرجو أن لا يستقر موت “كورونا” ويصبح ضمن إحصائيات اللا مبالاة كما استقر أشقاؤه القتلة. الشيء المدهش في أمر “كورونا” أنه باعد بين الناس ووحَّدهم في نفس الوقت؛ لا يشبهه في هذا التناقض سوى السوشيال ميديا.
كثير من الدول أوقف السفر من وإلى كثير من دول العالم الأخرى؛ بل إن بعضها قاطع السفر مع العالم بأسره، ربما لا يفكر أيٌّ منا في السفر هذه الأيام، بيد أن إحساسه بعدم القدرة ينزل في قلبه المرارة.
اقرأ أيضًا: “سي إن إن” عن مساعدات الإمارات لإيران لمواجهة “كورونا”: خطوة غير تقليدية
نعيش قطيعةً بين العالم؛ ولكن هذه القطيعة لم تتولَّد من حروب الطمع والبغضاء المختلفة، بل تولَّدت من عدو خارجي يُذَكِّرك بأفلام حرب النجوم التي تتخيَّل أن كائنات فضائية تغزو الأرض فيتوحَّد البشر.

نتابع ما يجري في إيطاليا وإيران وبريطانيا، وننتظر أخبارًا طيبة بتعاطف صادق؛ تنامى في داخل الإنسان الانتماء الإنساني الشامل.. اختلاف الأعراق واختلاف الألوان واختلاف الأديان واختلاف اللغات تراجعت إلى خلافات ثانوية أمام التهديد الأعظم الذي يطول الجنس البشري بأسره؛ في هذه الأشهر القليلة تطوَّر الحس الإنساني بما يشبه ما حدث في نُظم الدول الحديثة التي تتجاوز قوانينها الطابع العنصري والديني لتجعل من مواطنيها متساوين في الحقوق والواجبات.
اقرأ أيضًا: الصحافة الفرنسية تشيد بموقف الإمارات الإنساني حيال إيران
فيروس كورونا أول تجربة واسعة النطاق توحِّد البشر؛ يبرهن هذا الفيروس أن تفاوت النظام الصحي بين الأمم مسؤولية البشرية جميعًا، متانة النظام الصحفي في بلد غني ومتقدم لا تكفي لتحصين شعب ذلك البلد من المفاجآت التي تنزلها الطبيعة.

رسالة مفادها أن التقدم مصير البشرية معًا؛ فكما يتساوى البشر في الدولة الوطنية في الحقوق الأساسية تفرض الطبيعة اليوم أن يتساوى البشر في الحقوق الأساسية، وعلى رأسها التقدم.
اقرأ أيضًا: “كورونا” في إيطاليا.. هل ما زلنا قادرين على التضحية؟
المساعدات التي تمنحها الدول الغنية إلى الدول الفقيرة ليست مجرد صدقة تؤجر عليها يوم القيامة وإنما هي ضرورة لبقاء الجنس البشري واستمراره.
العالم بعد الحرب العالمية الثانية غير العالم قبل تلك الحرب؛ وهذا ما سوف نشهده بعد هزيمة “كورونا”.
- كاتب سعودي