الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون دوليةمجتمع
الطقوس الرمضانية في إيران.. من حياكة قميص فاطمة إلى حقائب البركة

كيوبوست- إبراهيم المقدادي
مارسَ الفرس القدامى، كغيرهم من الحضارات، طقوساً خاصة للعديد من مناسباتهم، ومع وصول الإسلام إلى إيران، صبغت الكثير من الطقوس والشعائر الإسلامية بنكهة إيرانية مميزة؛ ومنها الطقوس الرمضانية التي اتخذت طابعاً خاصاً في الثقافة الإيرانية. ويحظى شهر رمضان بمكانة وقدسية خاصة لدى الشعب الإيراني. وتستعد العائلات الإيرانية لاستقبال الشهر الفضيل من منتصف شعبان. وفي حين يشاطر الشعب الإيراني الأمة الإسلامية في بعض الطقوس والعادات الرمضانية؛ لكن لاعتبارات التنوع في مكونات الشعب الإيراني، حيث يضم قوميات ذات لهجات وخلفيات ثقافية متنوعة، ظهر بعض الفوارق في العادات والطقوس الرمضانية، لدى بعض المدن أو المناطق الإيرانية.
طقوس رمضانية في كامل إيران
يبدأ الاستعداد لاستقبال الشهر الفضيل من منتصف شعبان؛ فينظف الإيرانيون ويرتبون منازلهم، كما يشارك الصغار والكبار في تنظيف الأماكن العامة؛ كل في منطقته، ويجهزون المساجد والحسينيات للاحتفالات الرمضانية. ويعتبر الإيرانيون أنها الخطوة الأولى لإزالة آثار الذنوب عن قلوبهم وتطهيرها لاستقبال الشهر الفضيل. كما يحرص الإيرانيون على ترتيب المظهر الشخصي بالذهاب إلى الصالونات والحمامات العامة التي تصبح أكثر ازدحاماً من أي وقت آخر.

ويحرص الإيرانيون على شراء المستلزمات الرمضانية في وقت مبكر على بدء الشهر؛ من أجل التفرغ للمشاركة في الطقوس والاجتماعات والحفلات الخاصة بهذا الشهر.
أما عن عادات الإفطار، فيفضل الإيرانيون تناول وجبة خفيفة عند رفع أذان المغرب، تتكون من كأس من الشاي أو الحليب الساخن وخبز وتمر وجبن ولوز… إلى جانب حساء الآش أو الهريسة، على أن يتناولوا الوجبة الرئيسية بعد ساعة تقريباً من إقامة صلاة العشاء. أما السحور فغالباً ما يكون مطبوخاً وطعاماً ساخناً.

ومن العادات الإيرانية استخدام الطبل والأبواق والأجراس وإنارة الأنوار لإيقاظ الناس للسحور.

عادات رمضانية في بعض المدن الإيرانية
نتيجة التنوع الإثني والثقافي في إيران، تختلف العادات الرمضانية وتتنوع؛ ففي محافظة كرمان والمناطق المجاورة لها، هناك تقليد “سرروزهای”؛ وهو أن يعطي الشيوخ وكبار السن مبلغاً من المال للأطفال الذين بلغوا سن الصوم لتشجيعهم على الصيام.
أما في مدينة أذربيجان الشرقية، فمن الطقوس الرمضانية ما يُعرف باسم “قميص فاطمة”، وفي هذا التقليد تذهب النساء اللاتي لم ينجبن بعد إلى المسجد مساء الجمعة الأخيرة من رمضان، ويصلين صلاة الحاجة، ثم يذهبن إلى منزل سبع سيدات اسمهن فاطمة ويأخذن قطعة من القماش من كل واحدة منهن، ويخيطن بهذه القطع “قميص فاطمة” ويحتفظن به؛ حيث يعتقدن أنهن سيرزقن بالأطفال قبل رمضان من العام المقبل.
طقس آخر من طقوس شهر رمضان في هذه المحافظة هو ما يُعرف باسم “كيسه بركت” (بالعربي حقائب البركة)؛ وهو مراسم خياطة وتطريز الشنط والحقائب الصغيرة، وفي هذا التقليد تجتمع النساء والفتيات ويخيطن الحقائب لعائلاتهن، ثم يضعن بعض النقود فيها ويصلين ويدعين؛ حيث يعتقدن أن هذا العمل يقي أسرهن من الفقر ونقص الأموال.

أما في مدن محافظة تركمان، فهناك عادة رمضانية شائعة تُسمى “يا رمضان”، وفي هذا التقليد، في اليوم الخامس عشر من رمضان، وبمناسبة مرور نصف الشهر، يقوم إمام المسجد والسكان المحليون بزيارة المنازل المجاورة، ثم يغني الأطفال القصائد والأناشيد ويقدم صاحب المنزل الهدايا لهم. ويشتهر التركمان في إيران بتنوع الطقوس والتقاليد الرمضانية، ومن ذلك ما يُسمى بمراسم المصالحة؛ حيث يقوم كبار القوم “باش أولي”، بدعوة مَن لديهم خلافات لتناول الشاي والتوفيق والصلح بينهم.
أما محافظتا فارس وشيراز، فإن أشهر الطقوس الرمضانية هو ما يُعرف بـ”كلوخ اندازون” (أي: المشي والتجول والتنزه في نهاية شهر شعبان)؛ وهو أحد الطقوس الخاصة باستقبال رمضان في هذه المدن؛ ففي آخر جمعة من شهر شعبان، يخرج الناس للتنزه في الحدائق والمنتزهات من الصباح إلى المساء؛ لاعتقادهم أن رمضان شهر عبادة صافية لا يجب أن تقطعه أية ممارسات أخرى.
ومن العادات الرمضانية الشيرازية الشهيرة، خروج الناس من البيوت إلى الطبيعة حاملين معهم قطعاً من الطين الجاف والحجارة، ويقومون برميها على الأرض؛ إيماناً منهم بأنهم بذلك سيمحون ذنوبهم وسيئاتهم، والدعاء بهذا: “ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وها نحن قد تركنا أعمالنا السيئة كهذه الحجارة التي قُمنا برميها على الأرض”.
وفي الليالي الوترية في العشر الأواخر من رمضان، يُصنع الخبز المحلي المعروف في إيران باسم “كاكولي“، ويوزع في المساجد والحسينيات وعلى المحتاجين، وتنتشر هذه العادة بشكل خاص في مناطق جهار محال وبختياري.
ومن بين الطقوس الرمضانية في محافظة مازندران، أن الراغبين في إنجاب الذكور، يتعهدون بإيقاظ الناس لتناول السحور طوال شهر رمضان، من خلال التجول بالشوارع والضرب بالعصي على الطبول.

وأخيراً في خراسان، التي يعتبر “شوخواني” من أهم طقوسها الرمضانية؛ حيث يقرع الطبل ثلاث مرات وقت الفجر: أول مرة يستيقظ الناس، والثانية لبدء السحور، والثالثة لإقامة الصلاة، ويصاحب هذه الطبول صوت أدعية وأناشيد بصوت عدد من رجال القرية الذين يكونون على شكل فرقة.
عادات العرب الرمضانية في إيران
تشاطر القومية العربية في مدن الأحواز وبوشهر وهرمزكان وجزيرتَي كيش وقشم، التقاليد الرمضانية مع الدول العربية؛ لا سيما العراقية والخليجية، وعلاوة على بعض التقاليد الإيرانية سابقة الذكر، تزدهر بعض الطقوس الرمضانية الأخرى، ومن أهم التقاليد الرمضانية ما يُعرف باسم “قرقيعان”، وهي أن يتجمع الأطفال بعد تناول الإفطار، ثم يقومون بزيارة البيوت القريبة من منازلهم، ومعهم أكياس لجمع العطايا والهدايا والحلويات وما أمكن، مرددين أناشيد شعبية؛ نذكر منها:
“قرقيعان وقرقيعان الله يرزقكم الرضعان”.
“يا أهل السطوح تعطونا ولا نروح”.
وفي عام 2017، قامت وزارة التراث الثقافي والسياحة الإيرانية، بتصنيف طقوس “قرقيعان” ضمن قائمة التراث المعنوي للقومية العربية في إيران.
ولا يزال تقليد “صيام رأس العصفورة”؛ وهو طريقة تشجيعية تستخدمها الأُسر لتحفيز وتعويد أطفالهم على الصوم، حيث يتناولون السحور مع عائلاتهم ويصومون على حسب مقدرتهم، وعادة إلى أذان الظهر، ثم يحصلون على الجوائز المحببة لدى الأطفال؛ تقديراً لإنجازهم الرمضاني.

وفي ليالي رمضان، تحظى لعبة “المحیبس” بشعبية كبيرة بين رجال المدن العربية في إيران، وكلمة “المحيبس” تعني “الخاتم”، وتُلعب هذه اللعبة بين مجموعات تضم عدداً من المشاركين، وفي نهاية اللعبة يقوم الخاسرون بتقديم الحلويات لجميع المشاركين.