الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

الصين.. منفق كبير أم مرابٍ كبير؟

 كيوبوست- ترجمات

سيليا هاتون

دفعت الأزمة المالية التي عصفت بشركة التطوير العقاري الصينية العملاقة “إيفرغراند”، وعجزها عن سداد الدفعات المستحقة من ديونها، إلى إثارة اهتمام العديد من المحللين الاقتصاديين ووسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم بموضوع سياسات الإقراض التي تتبعها الحكومة والبنوك الصينية.

اقرأ أيضاً: بارونات بكين اللصوص.. هل ستنجو الصين من عصرها المطلي بالذهب؟

جاء في مقال نشره موقع “بي بي سي”، مؤخراً، أن قيمة الأموال التي توفرها الصين لمشروعات التنمية تزيد على ضعف تلك التي تقدمها الولايات المتحدة، ويأتي معظم تلك الأموال في شكل قروض عالية المخاطر ومرتفعة الفوائد من البنوك الصينية الحكومية. ويشير المقال إلى أن الصين التي كانت إلى وقت قريب تتلقى المساعدات الخارجية، أصبحت اليوم دولة تمول 13427 مشروعاً للبنية التحتية بقيمة تتجاوز 843 مليار دولار في 165 بلداً. ومعظم هذه المشروعات ترتبط بمشروع الحزام والطريق الذي أطلقه الرئيس شي جين بينغ، والذي يستفيد من خبرات الصين في مشروعات البنية التحتية، ومن وفرة العملات الأجنبية؛ من أجل فتح طرق تجارية عالمية جديدة.

رسم بياني يوضح قيمة القروض الدولية الصينية بالمقارنة مع نظيرتها الأمريكية بين عامَي 2000 و2017

ولكن يخشى كثيرون ممن ينتقدون هذه القروض عالية الفائدة التي تمول المشروعات الصينية من أنها تثقل كاهل الشعوب بالديون المرتفعة. وتشير كاتبة المقال سيليا هاتون، إلى قول براد باركس، مدير مركز “إيد داتا” للأبحاث -الذي يتابع جميع عمليات الإقراض والإنفاق العالمية الصينية- إن المسؤولين الصينيين أنفسهم يتوجهون إلى مركز “إيد داتا”؛ للحصول على بيانات حول القروض الصينية وكيفية استخدامها، إذ إنه لا يمكنهم الحصول على هذه البيانات داخلياً. ويعتبر مشروع السكة الحديد بين الصين ولاوس مثالاً واضحاً على الإقراض الصيني غير المسجل في الدفاتر.

اقرأ أيضاً: كيف يعكس مشروع السلفادور محاولات الصين اللعب في الفناء الخلفي لأمريكا؟

على مدى العقود الماضية كان المسؤولون الصينيون يبحثون في ضرورة ربط جنوب غرب الصين مباشرة بجنوب شرق آسيا. ولكن لطالما حذر المهندسون من أن تكاليف مثل هذا الربط ستكون هائلة بالنظر إلى طبيعة المنطقة الجغرافية والحاجة إلى المئات من الجسور والأنفاق للمرور عبر الجبال.

مشروع الخط الحديدي “يومو” سيربط الصين ولاوس.. ولكن الخبراء يرون أن لاوس سوف تعجز عن تسديد قيمة حصتها في المشروع- “بي بي سي”

ولكن بعد تدخل المصرفيين الصينيين الطموحين ودعم مجموعة من الشركات الحكومية الصينية واتحاد المقرضين الحكوميين الصينيين، فقد تقرر أن ينطلق المشروع، الذي تبلغ كلفته 5.9 مليار دولار، في ديسمبر المقبل. ونظراً لأن لاوس تعتبر من أفقر دول المنطقة، فقد اضطرت إلى الحصول على قرض بقيمة 480 مليون دولار لتمويل حصتها الصغيرة من المشروع، واستخدمت أحد موارد دخلها القليلة، وهي عائدات مناجم البوتاس من أجل دعم هذا القرض الضخم.

اقرأ أيضاً: اللعبة الكبرى.. استراتيجية الصين الكبرى لإزاحة النظام الأمريكي

وتملك القسم الأكبر من الخط مجموعة السكك الحديدية التي تهيمن عليها الحكومة الصينية؛ ولكن بموجب شروط صفقة التمويل الغامضة فإن حكومة لاوس هي المسؤولة النهائية عن ديون الخط الحديدي. وقد دفعت هذه الصفقة غير المتوازنة الدائنين الدوليين إلى تخفيض تصنيف لاوس الائتماني إلى وضع “سيئ”.

وعلى الرغم من أن مشروع الخط الحديدي في لاوس لا يعتبر المشروع الوحيد المحفوف بالمخاطر الذي مولته المصارف الحكومية الصينية؛ فإن مركز “إيد داتا” يقول إن الصين لا تزال هي الممول الأول للعديد من الدول متوسطة ومتدنية الدخل.

سعى الرئيس شي إلى طمأنة الدول المستدينة بعد الانتقادات التي وجهت إلى مشروعات البنية التحتية العلمية التي تمولها الصين- “بي بي سي”

مرة أخرى، تستشهد كاتبة المقال بمدير مركز “إيد دتا”، برد باركس، الذي يقول: “يبلغ المتوسط السنوي للإقراض الصيني لمشروعات البنية التحتية نحو 85 مليار دولار، بينما تنفق الولايات المتحدة ما يقارب 37 ملياراً”. ويشير مركز “إيد داتا” إلى أن الصين قد تفوقت بشكل كبير على جميع الدول الأخرى في تمويل التنمية؛ لكن الطريقة التي وصلت بها بكين إلى ذلك المستوى هي طريقة “استثنائية” للغاية.

اقرأ أيضاً: الصين والجهاديون ومبادرة الحزام والطريق

في الماضي كانت الدول الغربية تُتَّهَم بإغراق الدول الإفريقية في الديون؛ ولكن الصين تعمل بشكل مختلف.. فبدلاً من تمويل المشروعات من خلال قروض تمنحها دولة إلى أخرى، تقدم الصين جميع قروضها تقريباً في شكل قروض مصرفية حكومية، وهذه الديون لا تظهر في الحسابات الرسمية للديون الحكومية، وتبقى خارج الميزانيات العمومية للحكومة، وتخفيها بنود السرية التي تمنع الحكومات من الاطلاع على ما تم الاتفاق عليه بالضبط خلف الأبواب المغلقة. وقد تمكن مركز “إيد داتا” من تتبع ديون غير معلنة وصلت قيمتها إلى 385 مليار دولار.

وغالباً ما تشترط قروض التنمية الحكومية الصينية شروطاً وضمانات غير عادية، وتطلب من المقترضين التسديد بالعملات الصعبة الواردة من بيع الموارد الطبيعية. وتسوق هاتون مثالاً على ذلك من خلال صفقة فنزويلا؛ حيث فُرض على الفنزويليين إيداع العملات الأجنبية الناتجة عن بيع النفط في حساب مصرفي تتحكم فيه الصين، وفي حال عدم سداد الدين يمكن للجهة الدائنة الصينية أن تسحب الأموال الموجودة في هذا الحساب.

تُوَزَّع مشروعات البنية التحتية الصينية حول العالم- “بي بي سي”

يشير المقال إلى تساؤل آن غيلبيرن، أستاذة القانون في جامعة جورج تاون التي شاركت في دراسة معهد “إيد داتا”، حول ما إذا كانت الصين تتصرف بذكاء في هذا المجال؛ إذ تقول: “أعتقد أننا يمكن أن نستنتج أن الصين تستخدم عضلاتها المالية في هذه العقود. إنهم يحمون مصلحتهم بشكل كبير”. وتشير إلى أن بعض الدول المقترضة قد تعاني صعوبات في السداد، ومن غير العملي أن نفترض أن هذه الدول سوف تسلم أصولها إلى الصين إذا ما عجزت عن السداد.

وتختم هاتون مقالها بالإشارة إلى أن الصين ربما ستواجه قريباً منافسة دولية في مجال الإقراض. ففي اجتماع مجموعة السبع في يونيو الماضي، أعلنت الولايات المتحدة وحلفاؤها تبني خطة إنفاق لمنافسة نفوذ الصين من خلال تمويل مشروعات البنية التحتية العالمية المستدامة مالياً وبيئياً.

اقرأ أيضاً: طموح الصين في الشرق الأوسط ودور إيران في مبادرة “الحزام والطريق”

ولكن ربما تكون هذه الخطوة متأخرة. يقول الزميل الأول في معهد بروكينغز وممثل وزارة الخزانة الأمريكية الأسبق في الصين، ديفيد دولار: “أنا أشك في أن المبادرات الغربية ستحدث تأثيراً كبيراً في البرنامج الصيني. فهذه المبادرات لن تتمكن من تخصيص المبالغ الكافية لتلبية احتياجات العالم النامي، كما أن البيروقراطية الغربية ستشكل عائقاً كبيراً في هذا الخصوص”.

وقد وجد باحثو مركز “إيد داتا” أن مبادرة الحزام والطريق الصيني تواجه مشكلاتها الخاصة، ومن المرجح أن مشروعات هذه المبادرة سوف ترتبط بالفساد والفضائح والقضايا البيئية. وكي تحافظ الصين على مسار مبادرة الحزام والطريق يرى الباحثون أنه لا بد للصين من معالجة مخاوف الدول المقترضة.

المصدر: بي بي سي

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة