الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

الصين في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.. الوصول إلى ما هو أبعد من الموارد الطبيعية

كيوبوست- ترجمات

يبحث التقرير الذي أعده كل من الباحثَين أمين محسني شيراغلو ونعومي ألاديكوبا، في النفوذ الصيني المتنامي في المشهد الاستثماري والتجاري والثقافي والعسكري والأمني في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، على مدى العقدَين الماضيَين. ويُسلِّط الضوء على شهية الصين المتزايدة للموارد الطبيعية في هذه المنطقة؛ ما يجعل المنطقة سوقاً استهلاكية ووجهة مهمة للسلع والخدمات الصينية على مدى العقود القليلة المقبلة.

على مدار العقدَين الماضيَين، برزت الصين في إفريقيا جنوب الصحراء كشريك تجاري رائد ومستثمر مهم، بينما تراجعت حصص الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في التجارة والاستثمار هناك. باختصار، أصبحت الصين مصدراً رئيسياً لتمويل التنمية، والمساعدة الفنية؛ بل وحتى القروض لإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وتقدم نفسها كبديل موثوق به لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في المنطقة.

اقرأ أيضًا: دخول التنين… نفوذ الصين المتزايد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أسباب الاندفاع الصيني في المنطقة

ما الذي يدفع الصين إلى هذا التوغل التجاري والسياسي والأمني؟ أولاً، عدم الاستقرار السياسي والأمني في بلد أو منطقة معينة لها فيها استثمارات يهدد مصالح الصين الاقتصادية واستثماراتها. ثانياً، كقوة عالمية صاعدة؛ لا يمكن للصين أن تظل بمعزل عن القضايا الأمنية والسياسية إلى الأبد، خصوصاً في ما يتعلق بالدول الشريكة لها. والسبب بسيط: كقوة عالمية، بالإضافة إلى الاقتصاد والتجارة، يتعين على الصين أن تبدأ في إبراز قوتها في مجالات أخرى، وأهمها الجغرافيا السياسية والأمن. هذا ما هو متوقع من قوة عالمية، وتحتاج بكين إلى التحرك على هذه الجبهة لتحقق أهدافها العالمية على المدى الطويل.

وهكذا، غدت الصين أكبر شريك تجاري ومستثمر ومُقرض رئيس في إفريقيا جنوب الصحراء. وقد أدَّى ذلك إلى أن تصبح علاقتها الشاملة مع المنطقة مثار قلق خاص للمجتمع الدولي. وإضافة إلى العلاقات الاقتصادية القوية، أصبحت الصين شريكاً أمنياً تاريخياً للمنطقة، وفي السنوات الأخيرة، لعبت دوراً رئيساً في معالجة القضايا الأمنية لجنوب الصحراء.

أصبحت الصين أكبر شريك تجاري ومستثمر ومُقرض رئيس في إفريقيا

التجارة والاستثمار

يحدد التقرير أكثر من 600 مشروع استثماري صيني وعقد بناء في إفريقيا جنوب الصحراء، تُقدَّر قيمتها بأكثر من 303 مليارات دولار، أبرمت بين عامَي 2006 و2020. هناك أربعة قطاعات تجتذب 87 في المئة من عقود الاستثمار والبناء التي تقوم بها الصين في المنطقة: الطاقة بنسبة 34 في المئة، والنقل 29 في المئة، والمعادن 13 في المئة، والعقارات 11 في المئة. وهذا مشابه جداً لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ حيث يستقطب قطاع الطاقة قرابة 50 في المئة من استثمارات الصين، يليه قطاع النقل بنسبة 19 في المئة؛ والعقارات بنسبة 15 في المئة؛ والمعادن 6 في المئة.

في ما يتعلق بالتجارة، يكشف التقرير أنه بين عامَي 2001 و2020، زادت تجارة البضائع الصينية مع المنطقة بنسبة هائلة بلغت 1,864 في المئة، متجاوزة تجارة جنوب الصحراء الكبرى مع كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. بعبارة أخرى، من عام 2001 إلى عام 2020، ارتفعت حصة الصين في إجمالي تجارة البضائع في جنوب الصحراء الكبرى من 4 في المئة إلى 25.6 في المئة، بينما انخفضت حصص الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في إجمالي تجارة جنوب الصحراء الكبرى خلال الفترة نفسها بنسبة 10 في المئة و8 المئة على التوالي.

اقرأ أيضاً: أصدقاء الصين قليلون.. ولا يعتمد عليهم!

الجانب العسكري وتجارة الأسلحة

يتناول التقرير أيضاً تجارة الأسلحة الصينية مع المنطقة. تحصل المنطقة على 22 في المئة من واردات الأسلحة من الصين؛ ما يجعل الصين ثاني أكبر مورد للأسلحة والمعدات العسكرية في المنطقة؛ حيث تأتي روسيا في المقدمة (24 في المئة). 

بحلول أوائل عام 2020، كانت الصين قد نشرت أكثر من ألفَي جندي وموظف في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية إفريقيا الوسطى ومالي والسودان وجنوب السودان. وتلقت خمس دول من جنوب إفريقيا أكثر من 60 في المئة من صادرات الأسلحة الصينية إلى المنطقة: تنزانيا (19.6 في المئة)، ونيجيريا (13.5 في المئة)، والسودان (12.6 في المئة)، والكاميرون (11.2 في المئة)، وزامبيا (6.22 في المئة).

في السنوات القليلة الماضية، موَّلت الصين برامج لتدريب الأفراد العسكريين من مختلف الدول الإفريقية. وهذا بمنزلة وسيلة الصين لتصدير نموذج الحكم الخاص بها. وقد ركَّزت بكين على برامج التدريب الأمني، ودعت الآلاف من الضباط العسكريين من البلدان الإفريقية للمشاركة في ورش العمل في الصين.

من خلال مبادرة الحزام والطريق، موَّلت الصين أيضاً العديد من الموانئ البحرية في منطقة جنوب الصحراء الكبرى. هناك ما لا يقل عن ستة وأربعين ميناء في مراحل مختلفة يتم تمويلها أو تشغيلها أو بناؤها من قِبل الصين في المنطقة. في حين أن هذه الموانئ مبنية للاستخدام التجاري، هناك عدد متزايد من البلدان التي يمكن أن يتغيَّر فيها هذا في المستقبل؛ حيث تدرس الصين زيادة وجودها العسكري في المنطقة. عمليات مكافحة القرصنة، والجهود المبذولة لتحسين الأمن البحري في خليج غينيا وفي القرن الإفريقي، ودعوات الحكومات المحلية لمساعدتهم على الجبهات الأمنية هي مبررات بكين الرئيسة لإضافة قواعد عسكرية محتملة في المنطقة.

الرئيس الصيني شي جين بينغ- أرشيف

النفوذ السياسي

العلاقات التجارية والعسكرية السابق ذكرها تُترجم في صورة نفوذ ومكاسب سياسية تحققها الصين في المنطقة. حالياً، تميل غالبية البلدان في منطقة جنوب الصحراء الكبرى إلى التصويت لصالح الصين في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى؛ تدعم العديد من مبادرات الصين العالمية، التي غالباً ما تُترجم إلى رفض المبادرات الغربية وعرقلتها. ويتجلى هذا الاتجاه بشكل أكبر في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى التي تتلقى مساعدة إنمائية رسمية من الصين.

في الوقت نفسه، حرصاً على الاستفادة من استثمار الصين في منطقة جنوب الصحراء الكبرى والتجارة معها، فإن العديد من هذه الدول إما وقفت إلى جانب بكين في القضايا الجيوسياسية وإما تجنَّبت الانحياز إلى واشنطن وبروكسل.

اقرأ أيضاً: الصين والولايات المتحدة في الشرق الأوسط بين التبعية والتنافس (1)

القوة الناعمة

علاوة على ذلك، كثَّفت الصين وجودها وشكَّلت تصورها في جنوب الصحراء الكبرى من خلال توسيع وسائل الإعلام التي تديرها الدولة في المنطقة. تعمل شركات الإعلام الكبرى؛ مثل “شينخوا” و”شبكة تليفزيون الصين العالمية” (CGTN) و”الإذاعة الصينية الدولية” و”تشاينا ديلي”، في العديد من البلدان الإفريقية؛ حتى إنها تقدم محتوى مجانياً لمنافذ الأخبار المحلية. وقد بدأت هذه الحملة منذ قرابة خمسة عشر عاماً عندما نقلت “شينخوا” مكتب تحريرها الإقليمي من باريس إلى نيروبي في عام 2006. وفي عام 2021، أنشأت “شبكة تليفزيون الصين العالمية”، مقرها الرئيس بإفريقيا في كينيا.

يشير التقرير إلى أن حجم المهاجرين الصينيين في إفريقيا يُقدَّر بمليون إلى مليونَي مهاجر، مع وجود قرابة مليون شخص يقيمون بشكل دائم في المنطقة. وتوجد أكبر الأعداد في غانا وجنوب إفريقيا ومدغشقر وزامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.  

لتحقيق هدفها الاقتصادي والاستثماري في القارة، تستثمر الصين أيضاً بكثافة في رأس المال البشري في إفريقيا، من خلال المنح الدراسية وبرامج التدريب للمهنيين الأفارقة. وإلى جانب زيادة العلاقات الأمنية والاقتصادية مع المنطقة، ركزت الصين أيضاً على تعزيز قوتها الناعمة. من خلال توفير 16 في المئة من جميع المنح الدراسية للطلاب الأفارقة للدراسة في الخارج عام 2018.

اقرأ أيضاً: استراتيجية الصين الكبرى: الاتجاهات والمسارات والتنافس طويل المدى

الخلاصة

في الختام، يحث التقرير الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على زيادة الانخراط على الأصعدة كافة؛ لتعويض تراجع الوجود والنفوذ في المنطقة. الموقع الجغرافي الاستراتيجي لإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وطاقتها الهائلة، ومعادنها، ومواردها الطبيعية، وتزايد عدد سكانها الشباب، وأسواقها الاستهلاكية الكبيرة.. كلها أسباب مهمة وراء احتياج الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى إعادة النظر في حجم انخراطها مع دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ولا شك أن تأتي متأخراً أفضل من ألا تأتي أبداً.

المصدر: المجلس الأطلسي

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة