الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون خليجيةشؤون عربية
عالم اجتماع سعودي يثير جدلاً واسعاً
المقابلة أثارت قضايا حساسة كالاندماج بين أطياف المجتمع السعودي وإلغاء الفوارق ونظرية "تلاشي الدول واندماجها تحت كيانات كبرى"!

كيوبوست
أثارت مقابلة للباحث السعودي في علم الاجتماع الدكتور سعد الصويان، تحدث فيها بوضوح وصراحة، طارحاً قضايا مهمة ومفصلية من وجهة نظره؛ جدلاً واسعاً في الوسط السعودي وفي مواقع التواصل الاجتماعي، انقسم حيالها الرأي العام السعودي ما بين معارض ومؤيد.
رواد “السوشيال ميديا” تداولوا على نطاق واسع مقطعاً قصيراً من مقابلة تليفزيونية أجراها مقدم برنامج “في الصورة” عبدالله المديفر، عبر قناة “روتانا خليجية”، مع الدكتور الصويان، تحدث فيها الأخير عن تجربته في أمريكا، وذكر عرضاً ما سمَّاه بـ”قويريرات الوناسة”.. رغم أن المقابلة حوت كثيراً من الموضوعات الخطيرة والمهمة؛ فإن التركيز كان على قصة “القويريرات”، وقوله إن “دور القبيلة انتهى كداعم لوجود الدولة”، ما كان له بالغ الأثر في انتقاد الكثيرين لما جاء في الحلقة ووصولاً إلى شخصنة مقولات الصويان والتهجم عليه.

مقابلة الدكتور الصويان تنقلنا إلى قضاياً وصفت بـ”المهمة والخطيرة”؛ مثل الاندماج بين أطياف المجتمع السعودي وإلغاء الفوارق بين القبلي والحضري وبين النجدي والحجازي وبين السُّني والشيعي، على حد وصفه، بالإضافة إلى نظرية تلاشي الدولة واندماجها تحت كيانات كبرى كمجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي.

ويمتاز الصويان، الذي يعد أبرز علماء الاجتماع في العالم العربي، بالجرأة في الطرح، منطلقاً من معايير علمية، ومتحدثاً بموضوعية؛ إذ بحكم خبرته ومكانته العلمية، يُخضع أحكامه للمعيار المعرفي، والمنطق الثقافي.

اقرأ أيضاً: جدل بعد إعلان تفاصيل تدشين أول مجلة للدراسات الفلسفية في السعودية
ترحيب بفكرة الصويان لمفهوم الوطن الجامع ونبذ التعصب
وعلى جانب آخر، عبَّر الكثيرون عن ترحيبهم بكلام الصويان، مثمنين الفكرة التي طرحها؛ وهي فكرة تدشِّن لمفهوم الوطن الأشمل والأعم ونبذ التعصب، حيث قال بعضهم إن الرجل يريد أن يطوي صفحة القبلية ويفتح صفحة تقوم على مفهوم الدولة والتواصل ووحدة المجتمع تحت اسم السعودية.

الدعوة للتزاوج بين جميع مكونات المجتمع السعودي
الصويان أثار مقترحاً كسر فيه كل التابوهات الاجتماعية والحواجز الطبقية من خلال ما سمَّاه “تشجيع الناس وليس إجبارهم للتزاوج بين جميع مكونات المجتمع السعودي”؛ حيث سعى إلى تقديم مشورة بأن “تقوم الدولة بمبادرات من هذا القبيل لكسر التابوهات والحواجز الطبقية وتشجيع الناس وليس إجبارهم على التزاوج والتمازج”.

الصويان يكن احتراماً للدور السياسي والاجتماعي الكبير الذي قامت به القبيلة قبل نشوء الدولة
القريب من فكر الصويان يعرف نظرته إلى الدور السياسي والاجتماعي الكبير الذي قامت به القبيلة قبل نشوء الدولة، وأنه مع تطور حضاري واجتماعي حتمي يقول “بانتهاء هذا الدور بخيره وشره، وأن الجميع متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون؛ خاصة أن السعودية دولة عصرية اليوم ولا ينبغي لدولة عصرية أن تقاسمها القبيلة الولاء والبراء”.
الصويان يعد من عشاق الموروث القبلي، ولا يعنيه اندثار القبيلة أو بقاؤها، بقدر ما يرى أنه حينما تعيق المؤسسة القبلية مؤسسات الدولة وخطط التنمية الاجتماعية وقتها ينبغي أن نقدم الشكر للقبيلة على ما قدمته في الماضي، ثم نقيم لها حفل وداع يليق بمقامها.. على حد وصفه.

برنامج تحجيم القبيلة بدأه الملك عبدالعزيز بمشروع الهِجَر وتوطين البادية
الصويان يستذكر أن برنامج تحجيم القبيلة بدأه الملك عبدالعزيز بمشروع الهِجَر وتوطين البادية، مؤكداً أن “سلوم العرب جميلة وراقية في زمانها ومكانها، أما بوجود دولة القانون فتطبيق القانون بشكل عادل هو الأساس”.

اقرأ أيضاً: اللا متوقع في مؤتمر الرياض الفلسفي
الصويان: مفهوم بعض الأشخاص للتقدم والثقافة سطحي بسبب تأثرهم بالثقافة الغربية
الصويان رد خلال المقابلة على الأشخاص الذين يسخرون ممن يشرب “بول الإبل”، قائلاً إن مفهوم بعض الأشخاص للتقدم والثقافة سطحي؛ وذلك بسبب تأثرهم بالثقافة الغربية، متسائلاً عن سبب سخريتهم من شرب “بول الإبل” رغم أنه علاج لقتل البكتيريا وشفاء من الأسقام.
وأضاف أن الآباء والأجداد كانوا يشربون لبن “الحمير” من أجل الشفاء من “الكحة”، ويغسلون رؤوسهم ببول الإبل، لافتاً إلى أن الجبن الذي يُصنع من لبن الحمار يُعد من أغلى أنواع الجبن في العالم.

الصويان كرَّس وقته وجهده لدراسة ثقافة الجزيرة العربية وتوثيقها وحفظها
ارتبط اسم الصويان عند البعض بالأدب الشعبي، وربما ناله شيء من تلك النظرة السلبية التي يحملها البعض تجاه الآداب الشعبية ودارسيها، وتكمن المفارقة هنا في أن أفكار مؤلفات الصويان تعد تجسيداً صريحاً لما ذكره الباحث سابقاً من خلل في الأطر الذهنية لدى أصحاب تلك النظرة.
على مدى سنين طوال، كرَّس سعد الصويان وقته وجهده لدراسة ثقافة الجزيرة العربية وتوثيقها وحفظها؛ فمن الناحية التوثيقية هو من أشد الناشطين في هذا المجال، بدأ منذ عام 1982 بتسجيل مئات الساعات من أفواه الرواة؛ ليحفظ كماً هائلاً من المأثورات الشفهية ويحول دون فقدانها بعد غياب مَن اختزنوها في ذاكرتهم؛ فتلك المرويات لا تمثل قيمة أدبية فقط، بل تحمل قيمة ثقافية زاخرة لزمن مضى ولمجتمعات غابت ظروف نشأتها واستمراريتها وزالت ممارساتها الشفهية لما طرأ على المنطقة من تغيرات ثقافية واجتماعية يدفعها الزمن.

وقد نتج عن ذلك المجهود الضخم كتابه (أيام العرب الأواخر: أساطير ومرويات شفهية في التاريخ والأدب من شمال الجزيرة العربية مع شذرات مختارة من قبيلة المرة وسبيع)، وكتاب آخر هو “فهرست الشعر النبطي”، كما أمضى الصويان عشر سنين ابتداء من عام 1991 مع دار (الدائرة) للنشر والتوثيق رئيساً لهيئة التحرير ومشرفاً علمياً ومديراً عاماً لمشروعَين؛ هما “الثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية” في 12 مجلداً، و”الملك عبد العزيز آل سعود: سيرته وفترة حكمه في الوثائق الأجنبية” في 20 مجلداً لُخصت فيها أكثر من خمسين ألف وثيقة من الأرشيفات البريطانية والفرنسية والأمريكية.

اقرأ أيضاً: إلى من يهمه الأمر.. دراسة الفلسفة ليست ترفاً!
الصويان قدم مجموعة من الأعمال البحثية المتفردة والمميزة تستند إلى عمله الميداني وأدوات العلوم الإنسانية والاجتماعية
الصويان قدم مجموعة من الأعمال البحثية المتفردة والمميزة، لا تُضاهى، في تعاطيها مع ثقافة الصحراء العربية وفهمها لها، هذه الأعمال أسهمت بشكل كبير في سد فراغات كبرى في النظرة للماضي وانعكاساته على الحاضر وحل كثير من إشكالاتها، مستنداً إلى عمله الميداني الفذ وأدوات العلوم الإنسانية والاجتماعية وإلمام رفيع بالموروث الثقافي، يستعرض الصويان شواهده واستنتاجاته لدوافع ابن الجزيرة العربية في اختياراته وتصرفاته، ويبحث في كثير من الظواهر المتداخلة معقدة التركيب التي قلما بحثت بهذا العمق والجرأة.
ويُعد كتاب “ملحمة التطور البشري” من أشهر مؤلفات الصويان، والذي حصد عليه جائزة الشيخ زايد للكتاب، فرع التنمية وبناء الدولة لعام 2014، ويبحث الكتاب الذي هو دراسة تقع في 1014 صفحة من القطع الكبير، في مسألة التطور البشري من منظور الأنثروبولوجي، وأبرز المساهمات السابقة لهذا العلم في هذا المجال على مر العصور.

ومن بين حيثيات منحه الجائزة، مجهوده في توفير المادة العلمية، إضافة إلى المجهود المبذول في تعريب المصطلحات الأجنبية، واعتبار الكتاب امتداداً للجهود العلمية التي تهدف إلى تعميق التحليل الأنثروبولوجي.

ويمكن إجمال السيرة الذاتية للصويان بأنه باحث وأكاديمي مخضرم، من مواليد العنيزة في المملكة العربية السعودية، وبدأ حياته كأستاذ مساعد في جامعة الملك سعود، ثم صار مشرفاً على متحف التراث الشعبي في كلية الآداب بالجامعة نفسها.
كما شغل منصب رئيس قسم الدراسات الاجتماعية، حتى عام 1989 حين نال منحة من جامعة Erlangen-Nurnberg في ألمانيا؛ لإجراء البحوث ومقابلة المختصين بالدراسات الشرقية.