الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
الصومال.. ماذا يعني مقتل أحد قادة تمويل “داعش” لشبكة التمويل الإرهابية العالمية؟
عندما تفقد جماعة إرهابية ما أحد مصادر تمويلها فإن ذلك يضعف قدرتها على تمويل عملياتها وعناصرها.. لكنه لا يعني زوالها ببساطة

كيوبوست
أعلنت الولايات المتحدة، أواخر يناير الماضي، مقتل أحد الميسرين الماليين المهمين في شبكة الإرهاب العالمية، وذلك من خلال عملية دقيقة استهدفته في مجمع كهوف بشمال الصومال. ووفقاً للحكومة الأمريكية، فإن الزعيم في تنظيم الدولة الإسلامية، ويُدعى بلال السوداني، مسؤول عن دعم توسُّع “داعش” داخل وخارج إفريقيا.
غالباً ما يتم انتقاد جهود الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب؛ بسبب تركيزها على تجنيب أراضيها هجمات إرهابية، مقابل عدم نجاح حملاتها في كبح جماح توسع الجماعات الإرهابية محلياً في دول أخرى، كما هو حالياً في إفريقيا. يعتقد الخبراء أن استمرار السياسة الأمريكية على هذا النحو سيؤدي في نهاية المطاف إلى عودة الإرهاب العالمي الذي يستهدف أهدافاً غربية.
يمكن للعمليات العسكرية ضد أهداف إرهابية أن تفعل الكثير لمنع المزيد من الهجمات؛ لكن إذا لم يتم قطع التمويل عن الجماعات الإرهابية، فإن الهجمات ستستمر بطريقة أو بأخرى، ومن هنا تأتي أهمية تعطيل شبكات التمويل، كتلك التي يرعاها السوداني. إضافة إلى ذلك، كما يجادل آخرون، يجب أن تولي الولايات المتحدة أيضاً اهتماماً أكبر بدعم المجتمعات المحلية المعرضة لعدم الاستقرار، حتى تتم وقاية المجتمعات من الأنشطة الإرهابية التي تنشط في البيئات المضطربة.
اقرأ أيضاً: ما جدوى العقوبات الأمريكية في الحد من الإرهاب في الصومال؟
شبكة عالمية
تتجه الجماعات الإرهابية إلى زيادة نفوذها وتنمية مواردها في المجتمعات المحلية التي تشهد عدم استقرار سياسي أو نزاعاً، وتعمل على تعزيز شبكة دعمها العالمية. يُنسب إلى بلال السوداني -مثلاً- تورطه في تمويل نفس الخلية الإرهابية المنفذة للهجوم على مطار حامد كرزاي في كابول عام 2021، والذي أدى إلى مقتل 13 أمريكياً و170 من الأفغان.
لبلال السوداني تاريخ طويل مع الجماعات الإرهابية المتنوعة، أدى خلاله دوراً محورياً في تسهيل التمويل اللازم لدعم عمليات “داعش” في جميع أنحاء العالم. بدأ السوداني نشاطه عام 2007 من خلال تنسيق نقل المقاتلين الأجانب إلى الصومال نيابةً عن حركة الشباب. في عام 2012، تم تعيين السوداني من قِبل وزارة الخزانة المالية في قائمة العقوبات التي تستهدف الجهات التي تغذي العنف في الصومال.

وفقاً لوزارة الخزانة الأمريكية، عمل بلال السوداني، والمعروف أيضاً بلقب “أبو فارس”، على تسهيل سفر المقاتلين الأجانب إلى معسكر تدريب لحركة الشباب في الصومال، وتسهيل معاملاتهم المالية، كما قدم لهم المشورة بخصوص السفر إلى الصومال. في 2010، سهَّل السوداني سفر متطرفين من تشاد إلى الصومال.
في 2015، انشق السوداني عن حركة الشباب لتشكيل مجموعة مرتبطة بتنظيم الدولة؛ وقد جعله دوره المالي ومهاراته الخاصة هدفاً مهماً للولايات المتحدة؛ حيث مكنته تلك المهارات والخبرات من بناء شبكة عابرة للحدود تمتد عبر وسط إفريقيا وشرق إفريقيا وصولاً إلى موزمبيق. كما تُستغل الصومال كقاعدة مهمة لتمويل نشاط “داعش” في العراق والشام وأفغانستان، وخلايا مُحتملة في المملكة المتحدة وأيرلندا الشمالية.
اقرأ أيضاً: القبائل والجيش الصومالي يتحالفان في مواجهة الإرهاب
حرب مستمرة وشبكة معقدة
في عام 2016، نفذت القوات الخاصة الصومالية محاولة لم تكلل بالنجاح لإلقاء القبض على بلال السوداني، والذي يتخذ من الجبال الصومالية مركزاً مالياً وإدارياً لجماعته الإرهابية. يحمل السوداني الجنسية السودانية ويقيم بالصومال، وتعمل مجموعته كهمزة وصل مالية بين إفريقيا والشرق الأوسط وأفغانستان، وتتخذ من اليمن مركزاً محورياً لإدارة عملياتها.
تعمل شبكة السوداني بالتعاون مع بعض القبائل الصومالية القوية لنقل الأموال، كما تنتهج الابتزاز من الشركات التجارية للحصول على الأموال. كان لتلك الموارد المعتبرة التي يمكن تحصيلها ونقلها دور بارز في تمويل نشاط تنظيم الدولة في جمهورية الكونغو، والتمرد الوحشي لتنظيم الدولة في موزمبيق في 2017.
وعلى الرغم من أن تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال ليس كبيراً مقارنةً بحركة الشباب؛ فإنه يعمل على استقطاب المزيد من المجندين من خلال الإغراءات المالية، إذ يُذكر مثلاً أن المهاجرين الإثيوبيين الراغبين في الوصول إلى الشرق الأوسط يُعدون أهدافاً شائعة للتنظيم.
اقرأ أيضاً: حسن ضاهر أويس.. شيخ المتطرفين في الصومال
شبكات تتنامى
لقد أصبحت شبكات الإرهاب أكثر انتشاراً وترابطاً عما كانت عليه الحال قبل عقدَين من الزمن. تؤدي الصراعات والاضطرابات المحلية في الكثير من الدول دوراً أساسياً في تنمية تلك الشبكات، جنباً إلى جنب مع تخفيف جهود مكافحة الإرهاب العالمية وتطور التكنولوجيا التي يستغلها الإرهابيون لصالحهم.
مع الاتساع الكبير لشبكات الإرهاب العالمية تصبح قدرة الولايات المتحدة على التدخل عسكرياً في كل مكان مسألة ذات تكاليف ومخاطر باهظة؛ لذلك كان لا بد على الساسة الأمريكيين التركيز على الأولويات والأهداف ذات القيمة العالية باستخدام نهج يجمع بين العمليات العسكرية وتجفيف منابع التمويل. تُعد عملية مقتل بلال السوداني، التي تمت بأمر من الرئيس بايدن، نموذجاً لهذا النهج، ومع ذلك هناك حاجة إلى المزيد.

عندما تفقد جماعة إرهابية ما أحد مصادر تمويلها، فإن ذلك -بلا شك- يضعف قدرتها على تمويل عملياتها وعناصرها؛ لكن ذلك لا يعني زوالها ببساطة، بل إنها ستعمل على البحث في مكان آخر عن التمويل. قد تستغرق عملية البحث وقتاً وجهداً، إلا أنها قد تكون مثمرةً في نهاية المطاف. ومن هنا تأتي أهمية مستوى آخر من مكافحة الإرهاب، وهو وقاية المجتمعات من النشاط الإرهابي، من خلال قطع أسبابه في المقام الأول؛ مثل الاضطرابات السياسية والنزاعات وحركات التمرد والخطابات المتطرفة.
أولويات عالية التحدي
لا شك أن إفريقيا لا تحظى بأولوية عالية مقارنةً بالمخاطر الأمنية والاستراتيجية الأخرى التي تواجهها الولايات المتحدة في آسيا وأوروبا، وتحديداً الصين وروسيا وإيران، ومع ذلك، فمن المؤكد أن عدم التوجيه الكافي للموارد لمواجهة المخاطر الناشئة في إفريقيا ستكون له عواقب وخيمة؛ حيث تعيد الجماعات الإرهابية بناء ذاتها وتعظيم مواردها لمعاودة نشاط الجهاد العالمي من جديد.
اقرأ أيضاً: حركة شباب المجاهدين الصومالية.. هل ستُفجّر طاولة حوار “شيخ محمود”؟
تمتلك الولايات المتحدة الاقتصاد الأكبر في العالم؛ مما يجعل مصالحها مترامية الأطراف وذات تكاليف حماية عالية. لخفض التكاليف وتقليل التهديدات على المدى الطويل؛ تحتاج الولايات إلى استثمار المزيد من قدراتها لمساعدة الدول المعرضة لعدم الاستقرار على بناء قدراتها، وبالتالي تعطيل الفرص على الإرهابيين لحشد الموارد وتجنيد الآخرين.
في إفريقيا، يعتقد الخبراء أن السياسات الأمريكية الحالية غير كافية بعد، وأن هناك حاجة إلى منح المزيد من الاهتمام لتبني جهود وقائية تساعد الحكومات والمجتمعات على تجنب تحويل بلدانهم إلى بيئة مناسبة لازدهار الجماعات الإرهابية. وهي سياسات يمكن أن تكون أقل كلفة بكثير على المدى الطويل عند مقارنتها بالعمليات العسكرية أو متابعة وعرقلة شبكات التمويل التي سوف تستمر في التطور والتعقيد.
لطالما كان تمويل المنظمات الإرهابية مهمة معقدة وصعبة، ومع ذلك أثبتت التجارب النجاح الكبير لعمليات جمع المعلومات الاستخبارية وقدرات التحليل التي تسمح بفهم أفضل لنقاط ضعف وكيفية عمل هذه الشبكات. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري زيادة التعاون بين الحكومات الوطنية والمؤسسات المالية والدول ذات العلاقة.
تتطلب مكافحة تمويل الإرهاب مزيجاً من الأدوات الاستخباراتية وإنفاذ القانون والدبلوماسية والشفافية في النظام المالي؛ من أجل تصعيب المهمة على الإرهابيين. قد يبدو ذلك تحدياً صعباً في ظل مخاطر عالمية متزايدة ومتنوعة وغير تقليدية، لكن يجب أن يحظى بالأولوية، جنباً إلى جنب مع السياسات الاستباقية.