الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

“الصراع القيمي” في المغرب.. بين الفضائل الأخلاقية والحريات الفردية

ينقسم المغاربة الى فريقين بين من يعتقد بأن ثمة حملة ممنهجة على قيم المجتمع وبين من يعتبر تلك القيم معياراً نسبياً يخضع لحرية الفرد في ممارسة قناعاته

المغرب- حسن الأشرف

شهد المغرب في الفترة الأخيرة نقاشات وسجالات حادة، تأرجحت بين الداعين إلى الحفاظ على القيم الأخلاقية وبين المنادين بصون الحريات الفردية، تجلت خصوصاً في الجدل الذي دار بشأن مسلسل يحكي قصة “شيخة”، وأيضاً في واقعة اعتقال عدد من المفطرين عمداً في شهر رمضان، أو في إعلان إشهاري لأحد منتجات “البسكويت” يتضمن استعمال كلمات عن الحب والشوق..

وانقسم المتابعون في المغرب بشأن هذه الأحداث والوقائع، فبالنسبة للمسلسل الدرامي انتقد فريق ما اعتبروه ترويجاً للسيجارة الإلكترونية، وتطبيعاً مع “الفن المبتذل” متمثلاً في “رقص الشيخات”، واعتبره فريق ثان عملاً تخييلاً يفترض الحرية في الفكر والطرح والتمثيل. أما اعتقال مفطري رمضان قبل إطلاق سراحهم، فوجده البعض زجراً مطلوباً لضرورة احترام قيم ودين المغاربة، لكن آخرين اعتبروا ذلك مساً بالحرية الفردية..

اقرأ أيضاً: مسلسل “الشيخة” في رمضان يثير جدل الفن والأخلاق بالمغرب

هذا التجاذب في الأفكار والنقاشات الساخنة حول الصراع القيمي في المجتمع المغربي، نقله موقع “كيوبوست” إلى كل من مصطفى الطالب، كاتب وناقد فني وسينمائي، وأحمد عصيد، كاتب وناشط حقوقي، اللذين يستعرضان في هذا التقرير وجهات نظرهما بخصوص هذا الملف.

هجوم على الآدمية والقيم

يقول مصطفى الطالب في هذا الصدد إن العالم في الآونة الاخيرة، وليس في المغرب فقط، يشهد هجوماً شرساً على آدمية الإنسان وفطرته السليمة، وعلى القيم النبيلة والأخلاقية التي تحفظ كرامة الإنسان، وتساهم في تماسك المجتمعات البشرية، وذلك تارة باسم الحداثة وتارة باسم الحريات الفردية”.

مصطفى الطالب

ويتأسف الطالب لأن “البعض يعتقد أن الحريات الفردية تعني الحرية المطلقة المتجاوزة لقيم ومعتقدات وأخلاق المجتمع، مثل الإفطار العلني في رمضان، أو تشجيع الأطفال والمراهقين على العلاقات غير الشرعية من خلال بعض الإعلانات، أو ظاهرة “فيمن” النسائية.

ويتابع الناقد بأن “هذا المفهوم وهمي لا أساس له من الصحة، وإلا فما دور الدستور أو الدين أو القانون في تسيير الحياة العامة؟ وهل يمكن العيش في فوضى اجتماعية؟”، مكملاً بأنه “لا يوجد شيء اسمه الحرية المطلقة، سواء فلسفياً أو اجتماعياً أو قانونياً، فالحرية الفردية تعني حرية التعبير وحرية الاختلاف وحرية المطالبة بالحقوق التي يكفلها الدستور الذي تم التوافق عليه من داخل منظومة اجتماعية وثقافية ودينية”.

اتهامات كثيرة لمسلسل “لمكتوب” بترويج السيجارة الإلكترونية

واستطرد الطالب بأن “هذا الهجوم على القيم الذي ساهمت فيه العولمة المتوحشة، اخترق حتى الجانب الفني، حيث جاءت بعض الأعمال الدرامية والسينمائية -باسم الواقعية أحياناً- محملة بقيم دخيلة على المجتمع المغربي، ومفاهيم غريبة صادمة للمشاهد وقناعاته الثقافية والدينية والاجتماعية”، حسب تعبيره.

ويضرب الناقد مثلاً على كلامه بمشاهد غير مبررة فنياً أو درامياً، من قبيل التركيز على التدخين في بعض “السيتكومات”، وعلى السيجارة الإلكترونية في بعض المسلسلات كأنها شيء عادي، وتزيين عالم العلب الليلية، والخيانة الزوجية، والعلاقات غير الشرعية، والإعلاء من شأن شخصيات لا يقبلها المجتمع والأخلاق.

اقرأ أيضاً: انتعاش التدين في رمضان بالمغرب.. صحوة روحانية أم طقوس زائفة؟

وخلص الطالب إلى أن “أي عمل فني يعبِّر عن رؤية للحياة وللمجتمع، وهذه الرؤية إما تكون في توافق مع قيم المحيط الاجتماعي والثقافي التي نبعت منه، وإما تكون تلك الرؤية في انفصالٍ تام عن قيم المجتمع، فتأتي بقيم سلبية دخيلة وهجينة تفسد الذوق العام، وتساهم في تصدع المجتمع، بمعنى أنها تهدم ولا تبني”.

حقيقة الصراع القيمي

أحمد عصيد

وبالمقابل يرى أحمد عصيد أنه “من الخطأ الاعتقاد بأن النقاش حول الحريات والتقاليد والشأن الديني هو نقاش ثانوي، بل هو نقاش جوهري لأنه يبرز استحالة التغيير الديمقراطي بدون تغيير العقليات، وتحقيق التطور المطلوب على مستوى القيم، فالذين يختزلون الديمقراطية في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فقط ويستثنون بقية حقوق المواطنة هم أعداء أشداء للديمقراطية، لأن هذه الأخيرة كل غير قابل للتجزئة”.

وبالنسبة لعصيد، من الخطأ أيضاً الاعتقاد بأن الصراع القيمي موجود بين من يدافع عن الأخلاق ومن هو ضد الأخلاق، فلا أحد ضد الفضائل الأخلاقية في العمق، وإنما الخلاف الرئيسي هو حول مفهوم الأخلاق ذاتها، بين من يهتم فقط بالأخلاق في الحياة الخاصة ويتدخل في شؤون الآخرين ليتحكم فيما يأكلون وما يشربون وكيف يلبسون، وهذه ليست أخلاقاً، بل هي اختيارات تتعلق بنمط الحياة الشخصية التي لا دخل فيها للآخرين، وبين من يعتبر -على العكس- بأن جوهر الأخلاق هو العلاقة بالآخرين، وليس الاختيارات الفردية في الحياة الخاصة”.

اقرأ أيضاً: التدين الظاهري.. وسيلة الكثيرين إلى المكانة الاجتماعية

ويضرب الباحث مثلاً “الذي يصلي مثلا ويصوم رمضان ولا يشرب الخمر، ولكن يمدّ يده إلى المال العام ويقبل أخذ رشاوى أو يغش في عمله، هو إنسان سيئ جداً، وليس مواطناً صالحاً على الإطلاق، لأن شرب الخمر أو ترك الصلاة أو الصيام سلوك شخصي لا يؤذي أحداً، بينما الفساد وسرقة مال الشعب يؤذي الدولة كلها، وتنتج عنه مصائب كثيرة”.

وتابع “هذا ما يفسر أن بلدان المسلمين غارقة في التخلف ومساوئ الأخلاق، لكنها متدينة جداً يزدحم فيها الناس داخل المساجد بل يصلون حتى في الشوارع، بينما هناك دول أخرى راقية فيها درجة تدين قليلة، ولكنها مثال في الأخلاق العالية، فنسبة الإلحاد في الدانمارك مثلا 83 في المائة، لكن هذا البلد احتل الرتبة الأولى في العالم في النزاهة والأمانة والحكامة عدة مرات، بينما تحتل الدول الإسلامية مؤخرة الترتيب، ومنها المغرب”.

نقاش ساخن حول الصراع القيمي في المجتمع المغربي

ويسترسل عصيد “المغاربة الذين ذهبوا عند الشرطة ليشتكوا بمجموعة من الشباب يأكلون داخل مقهى في رمضان، وهو أمرٌ لا علاقة له بالأخلاق، لا يحركون ساكناً أمام مشاهد الرشوة والتزوير والعنف والغش، وهذا معناه أنهم لا أخلاق لهم لأن الأخلاق إنما هي أخلاق الواجب أي الأخلاق الجماعية، وليست هي الاختيارات الشخصية المتعلقة بالحياة الخاصة”، على حد تعبيره..

وفي هذا السياق دعا عصيد -إلى جانب مراجعة القانون الجنائي، وإلغاء الفصول الماسة بالحريات الفردية- إلى تغيير مضامين ومناهج التعليم بالمغرب، لجعلها تقوم على أساس الحرية والاحترام المتبادل، والحق في الاختلاف، وعلى الفضيلة الأخلاقية التي تجعل الفرد المواطن شخصاً مسؤولاً يعمل من أجل الصالح العام، ويتجنب الإضرار بمصالح الوطن”.

وخلص عصيد في ختام حديثه مع “كيوبوست” إلى أنه يتعين على المغاربة أن يفهموا بأن عدم ممارسة شعائر دينية من طرف البعض لا يضر بهم في أي شيء، وأن الدين لا يمكن أن يصبح “نظاماً عاماً” بوليسياً يخضع له الجميع، لأن هذا ليس ديناً بل هو استبداد سياسي”، وفق قوله.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

حسن الأشرف

صحفي مغربي

مقالات ذات صلة