الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةمصطفى سعيد
الشيخ سيد درويش .. مع مصطفى سعيد

كيوبوست
الله الله الله، يا سلام.. هذا الدور من أحلى الأعمال عندي شخصيًّا في الموسيقى العربية، وقت النهضة في البلاط المصري التي بدأت أكيد أيام محمد علي؛ ولكن ازدهرت أيام الخديو إسماعيل، ازدهرت بنهضة آخر عنصر مما ينهض في الفنون والعلوم على رأي ابن خلدون، الموسيقى.
في الموسيقى كما في كل أنواع الفنون الأخرى والآداب، كيف ننهض؟ البعض قال ذاتيًّا والبعض قال استيرادًا. هذه الجدلية ظلت حتى الحرب العالمية الأولى والصدمة الحضارية، وحوار النهضة الذي لم يصبح قاصرًا على طبقة ما، وإنما وصل إلى كل فرد في المجتمع من أية طبقة من الطبقات، لم يعد أحد يرضى بحاله؛ الجميع يريد أن ينهض.
ننهض ذاتيًّا أم نستورد؟
في الموسيقى حُسم الخيار لمنطق الاستيراد بعد ثلاثة أو أربعة عقود من القرن العشرين تقريبًا. لكن نعود إلى الوراء قليلًا؛ إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، حيث التطور الذاتي أو الاستيراد تجسَّد فعلًا في شخصية الشيخ سيد درويش.
الشيخ سيد درويش عبقرية موسيقية فعلًا بكل ما تحمل الكلمة من معنى عبقرية، في قليل جدًّا من الوقت غزارة إنتاج لم يتمكن آخرون من إنتاجها في عشرات السنين.
اقرأ أيضًا: المقام في العراق .. مع مصطفى سعيد
ما سمعناه كان دور “أنا عشقت”، طوَّره ذاتيًّا، وهو ليس نفس الدور الخاص بمحمد عثمان؛ بل مختلف، فهو تطوير للنظام المقامي، تعاطٍ أكثر وضوحًا مع النظام الموسيقي العثماني. تأثر شديد بالإنشاد الديني وتلاوة القرآن أكثر من ذي قبل، تطور ذاتي حقيقي. على النقيض في الناحية الثانية على المسرح الغنائي نجد الشيخ سيد درويش يعمل ألحانًا تظهر كأنها شبيهة بما سبق وقدمه آخرون. لكن تعالوا نسمع نموذجًا ونرى التنفيذ ماذا فعل في اللحن.
(موسيقى)
“على قد الليل ما يطول”، الله يا شيخ سيد، وقبل ما نكمل التحليل، نقول إن هذا الراجل من أول الناس الذين أبدعوا في تلحين الثنائيات الغنائية وجعل غنائها لابد أن يقوم به اثنان؛ أية ثنائية فعلًا، التنفيذ هنا مع البيانو والفلوت والفايولين؛ بس مش الفايولين اللي يعرف يعزف الشرقي، الفايولين اللي يعزف على الأسلوب الأوروبي، رغم أن هذا الغناء لو تم تنفيذه على تخت سيظهر عربيًّا تمامًا، وواضح أنه لا يستورد الخبرة وإنما يستورد النمط، عايز يعمل أوبرا، عايز يبقى فيردي مصر.
الشيخ سيد درويش تأثَّر بالمحيط الاجتماعي الخاص به، عمل أغاني كانت بدأت قبله؛ ولكن هو الذي جعلها فعلًا على ألسنة كل الناس، وهي أغاني النقد الاجتماعي، والتعامل مع أسباب التكنولوجيا الحديثة التي كانت موجودة أكيد من قبل الحرب؛ لكن توغلت وأصبحت في كل قرية بعد الحرب العالمية الأولى.
اقرأ أيضًا: زرياب.. والأساطير في الموسيقى مع مصطفى سعيد (فيديو)
من أجمل هذه النماذج طقطوقة بسيطة جدًّا؛ ولكن تم غناؤها على كل لسان، آنذاك، وحتى الآن على فكرة؛ وهي “حرَّج عليَّ بابا ما أروحش السينما”، فإلى الآن يوجد ناس يحفظونها؛ لكن وقتها كانت على كل لسان فعلًا.
نسمع ونختم مع هذا النموذج “حرج عليَّ بابا ما أروحش السينما”، وقبل أن نختم نطرح سؤالًا: تعرفوا إن فيه سيد درويش تاني اسمه سيد درويش الطنطاوي، غير سيد درويش السكندري الذي نحكي عنه؟ ابحثوا عنه. وإن شاء الله نعمل عنه حلقة، وإلى اللقاء.
(موسيقى)