الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

الشركات الإفريقية العابرة للحدود.. أبطال محليون في معركة عالمية

ترجمات-كيوبوست

 لم تكف الشركات الإفريقية عن السعي لغزو أسواق جديدة، لكن يبدو أنها لم تكن تحاول إلا الظهور في بلدانها الأصلية بمظهر مَن توصل إلى بعض التسويات مع المستعمر. المشكلة الأزلية في إفريقيا هي أنها تعرَّضت إلى التقسيم أكثر من مرة، وبدلًا من أن يتم ربط بلدانها اقتصاديًّا بعضها مع بعض، تم ربط كل منها بالرأسمالية الغربية.

إنها حيلة الاستعمار الناجعة؛ حيث شارك هذا الإرث القديم في تحويل البلدان الإفريقية إلى ما يشبه صوامع الغلال، وما زال الوضع على ما هو عليه. والشركات الأوروبية والأمريكية تسيطر على السوق الإفريقية؛ بداية من السلع اللوجيستية ووصولًا إلى تصنيع المشروبات. لكن في ما يبدو أن الأمر آخذ في التغيُّر بعض الشيء، وهو ما يمكن أن نستشفه من إعلان بعض مؤسسات الأعمال الإفريقية عن نيتها استثمار 72 بليون دولار أمريكي في استثمارات أجنبية، وسيجري العمل على ذلك خلال هذا العقد في عديد من البلدان الإفريقية برأسمال إفريقي.

اقرأ أيضًا: ستراتفور: ماذا ينتظر الشرق الأوسط في الربع الثاني من 2019؟

استثمارات رائدة

وهكذا يستمر حلم الوحدة الإفريقية في الصراع لتحقيق ذاته، وطبقًا لأحد الاستطلاعات التي أنجزتها مؤسسة (مكنسكي) لاستشارات الأعمال، فإن ثلثَي الشركات الإفريقية كانت تخطط لغزو دول جديدة في المنطقة عام 2017، هذا مقارنة بنصف الشركات العالمية الأجنبية التي تتوافر لديها النية ذاتها. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فطبقًا لمجموعة (بوستن) لاستشارات الأعمال، هنالك نحو 30 شركة إفريقية تستثمر أموالها في 16 دولة من دول القارة، إلا أن المثير للاهتمام في الأرقام الأخيرة هو أنها تمثل ضعف ما كانت عليه قبل مدة قصيرة زمنيًّا، أي قبل عام 2008.

وتكمُن أهمية الاستثمارات الإفريقية الرائدة في قدرتها على ربط بلدان القارة بعضها مع بعض، وتشجيعها للشركات الأخرى على أن تتبع خطاها. وحاليًّا يقوم رواد الأعمال الإفريقيون بعمل جولات تجارية بين المدن الكبيرة عبر خطوط الطيران الإثيوبية؛ أي عبر 36 دولة إفريقية، حيث يتمتع أصحاب كبرى الشركات الإفريقية بالقدرة على فتح مكاتب إدارية تابعة لهم في عديد من البلدان؛ منهم على سبيل المثال النيجيري أليكو دانجوتي، أحد أباطرة صناعة الأسمنت، والذي كانت لديه الجرأة الكافية للمغامرة باستثمار أمواله في 10 دول إفريقية.

الملياردير دانجوتي أحد أغنى أغنياء العالم

وقد نجحت مجموعة “دانجوتي” للاستثمار، في التغلب على شركة “لافارجهولسيم”، عملاق الصناعة السويسري، وصولًا إلى أن تصبح رقم واحد في صناعة الأسمنت في منطقة جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية. وتمتاز مصانع دانجوتي باعتبارها الأكبر والأحدث والأكثر كفاءة من بين معظم المصانع في إفريقيا، ويُذكر أنه قد حصل على عقد تأسيسها من قِبَل إحدى شركات بناء المصانع الصينية.

اقرأ أيضًا: مع استمرار أزمتها الاقتصادية: تركيا تتغلغل في إفريقيا

 ما الذي يهدد حلم التوسُّع؟  

هنالك مشكلتان أساسيتان تواجهان أحلام المستثمرين الأفارقة في التوسع؛ أولاهما كيفية الحصول على مستهلكين لمنتجاتهم، وتصبح هذه المشكلة صعبة الحل في إفريقيا بالذات؛ خصوصًا إذا عرفنا أن اقتصاد 54 دولة إفريقية مجتمعة لا يصل حتى إلى حجم اقتصاد دولة واحدة مثل فرنسا، حيث يتعلق الأمر بنوعية العملاء المستهدفين من عمليات البيع. ولكي تغزو الأسواق الخارجية عليك أن تعرف أن أغنى العملاء والمستهلكين يتوجهون إلى التعامل مع المؤسسات كبيرة الحجم، وكلما امتلكت مالًا أكثر توجَّهت للشراء من الأسواق الرسمية والشركات صاحبة العلامات التجارية.

وربما دفعت هذه الأسباب مجتمعةً بعض الشركات الإفريقية؛ مثل “شوبريت” (سلسلة متاجر ضخمة) إلى الاستثمار في 15 دولة إفريقية دفعة واحدة، وربما للأسباب ذاتها قامت مجموعة “أو سي بي” المغربية لتصنيع الفوسفات، بافتتاح فرع إقليمي لها في جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية، وكان ذلك عام 2016.

ولم تكتفِ “أو سي بي” بفتح مكتب إقليمي لها؛ لكنها كانت تتخذ خطوات ذكية في اتجاه آخر، ذلك عبر الاستثمار في مجالات أبحاث التربة والقروض الصغيرة والصناعات اللوجيستية، وهي تفكر في خطة بعيدة المدى غرضها تحويل المزارعين من العمل في فلاحة الكفاف إلى مزارعين تجاريين، وبالتالي إلى مستهلكين لأسمدة “أو سي بي” الفوسفاتية، ومن الجيد أن لدينا بعض الأمثلة الأخرى من الشركات الإفريقية التي تتبع الآن الخطوات نفسها.

أما المشكلة الثانية فيمكن اختصارها في ارتفاع نسبة المخاطرة.. ففي مكان مثل إفريقيا يفتقر إلى سلسلة إمداد قوية وعملات معرضة للهبوط في أي لحظة ومسؤولين متقلبي الأمزجة، يصبح الأمر أكثر صعوبة. أضف إلى ذلك ولع السلطات المحلية في بعض البلدان ببعض الأمور؛ منها مصادرة الأملاك أو التحكم في رأس المال، وهذه المشكلات تخيف المستثمرين، طبعًا إذا لم تكن لديهم الضمانات الكافية لاسترجاع الأرباح من الأموال التي أنفقوها؛ لهذا يشعر المستثمرون في إفريقيا بالخطر، لأن المستقبل يبدو غامضًا بالنسبة إليهم على عكس أقرانهم في الاقتصادات المستقرة.

اقرأ أيضًا: توسع غير مسبوق للبنوك المغربية في إفريقيا، وهذه هي الأسباب

تعدد الخيارات

وتبدو إفريقيا تربة طاردة للاستثمار الأجنبي حتى في حالات الاستقرار السياسي. لدينا شركة “تايجر براندز” على سبيل المثال، وهي شركة جنوب إفريقية متخصصة في صناعة المنتجات الغذائية.. قصة هذه الشركة مع التوسع في نيجيريا غريبة ومثيرة للجدل؛ ففي غضون 3 أعوام فقط كانت “تايجر” قد اشترت فرعًا إقليميًّا لها من “دانجوتي” مقابل 200 مليون دولار أمريكي، ثم باعتها إليه مرة أخرى، حيث حدث هبوط مفاجئ لسعر النيرا النيجيرية؛ ما تسبب في انخفاض نسبة الطلب وارتفاع أسعار الواردات من القمح. ولم يعد في جيوب النيجيريين كثير لشراء منتجات “تايجر” أو كثير من الشركات الأخرى. وبالتالي لم تنجح في اجتياز هذه المنافسة المجحفة في السوق النيجيرية.

على الجانب الآخر، هناك شركات ناجحة استطاعت أن تخلق لنفسها عددًا كبيرًا من الخيارات. لدينا على سبيل المثال شركة “إم تي إن”، وهي شركة جنوب إفريقية متخصصة في مجال الاتصالات، وقد اضطرت إلى سحب استثماراتها في عدد من الدول الإفريقية الصغيرة؛ لكنها في الوقت نفسه كانت تملك خيار تعزيزها في سوق ضخمة مثل نيجيريا، وقد قامت بذلك بالفعل.. صحيح أن المعارك مع السلطات المحلية لا تنتهي، إلا أن هامش ربح بمعدل 44% يعد وليمة جذابة للمستثمرين.

وهناك نموذج ناجح آخر يتمثل في شركة “أو سي بي”، التي كانت تخطط في ما سبق لتعزيز استثماراتها في 15 دولة إفريقية، لكنها كانت تملك خيار تصفية هذه القائمة إلى 5 دول فقط؛ كان من بينها كبرى أسواق المنطقة، وهي: إثيوبيا ونيجيريا، وقد كان اختيارًا موفقًا؛ خصوصًا إذا عرفنا أن هذه البلدان تتمتع بأنظمة سياسية ملائمة للاستثمار.

المصدر:الإكونوميست

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة