الواجهة الرئيسيةشؤون عربيةمجتمع

الشرطة المجتمعية في السودان.. خطوة تعيد السودانيين إلى الوراء!

كل المؤشرات تدل على أن هذا القرار سيجابه مقاومة شديدة من قِبل الشعب السوداني الذي لن يرضى بمصادرة حريته مجدداً

كيوبوست- عبدالجليل سليمان

اعتبر حقوقيون ومراقبون سودانيون أن إنشاء إدارة للشرطة المجتمعية يعد عودة من النافذة إلى قانون النظام العام سيئ الصيت والمُقيد للحريات، الذي سنَّه النظام السابق واستخدمه للتنكيل بالمعارضين وانتهاك حرمات المنازل وابتزاز المواطنين؛ سياسياً ومادياً وجسدياً، من قِبل الشرطة نفسها، وبشكل لافت وواضح وصريح.

وكان وزير الداخلية السوداني المكلف عنان حامد، والناطق الرسمي باسم الشرطة العميد عبدالله بشير البدري، قد أثارا جدلاً ولغطاً كبيرَين في الأوساط الشعبية والسياسية والقانونية والمجتمع المدني بإطلاق الوزارة إدارةً للشرطة المجتمعية، ترصد ما أطلقا عليه الظواهر الدخيلة على المجتمع؛ مثل ارتداء الأزياء الفاضحة، وهي صفحة كان السودانيون قد أغلقوها بغياب النظام السابق.

اقرأ أيضاً: الإرهاب الإخواني يُسمم الفضاء السياسي المدني في السودان

وكانت حكومة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، أبطلت في نوفمبر 2019 قانونَ النظام العام وألغت التعامل به؛ استجابة لمشروع تقدم به وزير العدل -حينها- نصر الدين عبدالباري.

شرطي سوداني يضرب امرأة بالكرباج تنفيذاً لقانون النظام العام- صورة أرشيفية

مرافعة ضعيفة

وبينما تحفظت وزارة الداخلية ورئاسة الشرطة على الرد على استفسارات “كيوبوست”، حول الإدارة الجديدة المثيرة للجدل، باعتبار أنهما أعلنتا موقفهما وصرحتا به عبر البيان التوضيحي الصادر عن الوزارة، شدد الصحفي والمحلل السياسي محمد عبدالباقي فضل السيد، بأنه مبدئياً ليس من حق وزارة الداخلية -ولا الشرطة- تشريع قوانين وإطلاق إدارات جديدة؛ فهذه الأمور من مهام السلطة التشريعية لا التنفيذية، خصوصاً أن قانون النظام العام الذي تحاول الوزارة استعادته كان قد أُلغي عام 2019، كما أنه -أي قانون النظام العام- ليس مُتضمناً القانون الجنائي السوداني، وإنما صدر عام 1996 بلوائح إدارية محلية عن ولاية الخرطوم، وتم استغلال هذا الخلل القانوني استغلالاً بشعاً واستُخدم كأداة ابتزاز لا مثيل لها، ويبدو أن وزارة الداخلية تحاول استعادة ذلك التاريخ غير المُشرف؛ من أجل قمع الثوار وضرب الحركة الشعبية الاحتجاجية المناهضة لانقلاب أكتوبر 2019، والمطالبة بعودة المسار الديمقراطي المدني، حسب تعبير فضل السيد في حديثه إلى “كيوبوست”.

محمد فضل السيد

اقرأ أيضاً: التيار الإسلامي العريض.. هل تحالفت المؤسسة العسكرية السودانية مع الإخوان؟

وظيفة الشرطة

بالنسبة إلى الصحفي والباحث السياسي عبدالرحمن فاروق، فإن وظيفة الشرطة الأساسية ليست مراقبة ورصد السلوك الشخصي للمواطنين؛ فهذا أمر تربوي متعلق بالأُسر، وإنما مهمة الشرطة حفظ الأمن وتنفيذ القانون فقط؛ لذلك فإن إطلاق إدارة لما يُسمى بالشرطة المجتمعية -في هذا التوقيت بالذات- إنما هو محاولة لقمع الحركة المدنية والحقوقية المتنامية، وإجهاضها والعودة إلى تكريس نظام قمعي مُستبد يصادر الحريات ويُغلق الفضاء السياسي.

عبدالرحمن فاروق

يضيف فاروق، متحدثاً إلى “كيوبوست”: لكن كل المؤشرات تدل على أن هذه الإدارة ستجابه مقاومة شديدة من قِبل الشعب السوداني الذي لن يرضى بمصادرة حريته مجدداً، ولن يقبل بسن قوانين قمعية تعسفية تعمل على ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان؛ خصوصاً النساء.

قانون بلا أساس

جانب من وقفة احتجاجية منددة بالتمييز ضد النساء- وكالات

وفي السياق ذاته، كان قرار إلغاء قانون النظام العام من قِبل الحكومة الانتقالية المُطاح بها، وجد دعماً شعبياً وترحيباً دولياً منقطع النظير؛ حيث وصفته منظمة العفو الدولية بالخطوة الإيجابية الكبرى بالنسبة إلى حقوق المرأة في السودان، وقالت إنه بموجبه تم القبض على العديد من النساء بصورة تعسفية، وضربهن وحرمانهن من حقوقهن في حرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، وحرية التعبير، واعتبرته قانوناً تمييزياً.

وكان قانون النظام العام المُلغى يتضمن 26 مادة في 7 فصول، تحتوي على ضوابط لتنظيم الحفلات الغنائية العامة والخاصة ومحلات تصفيف الشعر للنساء؛ حيث حظر توظيف الرجال بها، وحدد كيفية استخدام المركبات العامة، وتعيين أماكن محددة لجلوس النساء فيها، موقعاً حزمة من العقوبات على مَن يخالفونه؛ مثل السجن لمدة لا تزيد على 5 سنوات أو الغرامة أو العقوبتَين معاً، بجانب الغرامة والجلد ومصادرة الأدوات المستخدمة في المخالفة.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون في السودان يعيقون التسوية السياسية ويهددون أمن البلاد والعباد

ورغم أنه لم يكن يتضمن صراحة أية مواد متعلقة بالزي الفاضح؛ لكنها كانت الأكثر تطبيقاً، وفقاً لسلطات تقديرية واسعة مُنحت لمنسوبي ما كانت تُعرف بشرطة النظام العام، قبل أن يتم تغييرها إلى “أمن المجتمع”، وذلك وفقاً لمادة أخرى استعيرت من القانون الجنائي لعام 1991؛ إذ تنص المادة 152 على أن “كل مَن يأتي في مكان عام فعلاً أو سلوكاً فاضحاً أو مُخلّاً بالآداب العامة، أو يتزيَّ بزيٍّ فاضح أو مخل بالآداب العامة يسبب مضايقة للشعور العام؛ يُعاقب بالجلد بما لا يجاوز 40 جلدة، أو بالغرامة أو بالعقوبتَين معاً”، وتسببت هذه المادة والتطبيق التقديري لها في الكثير من المتاعب للحكومة السودانية السابقة، وأسهمت في فرض عقوبات دولية عليها لا تزال آثارها قائمة حتى الآن.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

عبد الجليل سليمان

مراسل السودان

مقالات ذات صلة