الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفة

الشرارة الذكية

هل يمكن للكهرباء الحيوية أن تجعلنا أكثر ذكاءً وأفضل صحة؟

كيوبوست- ترجمات

سالي آدي♦

لا يزال الدماغ البشري أكبر الألغاز التي تواجه الأطباء والعلماء والباحثين. ولا تزال الجامعات ومراكز الأبحاث في مختلف أنحاء العالم تسعى لسبر أغواره وكشف أسراره وآليات عمله. نشرت صحيفة “الجارديان” مؤخراً مقالاً حول كتاب سالي آدي “نحن كهربائيون: علم الإلكتروم الجديد” الذي تلقي فيه الضوء على أحد أحدث العلوم والتجارب المتعلقة بكهرباء الدماغ من خلال تجربتها الشخصية.

كان كل شيء طبيعياً عند نقطة التفتيش حيث أقف عندما انفجرت عربة مفخخة بالقرب منا، وسط الغبار والدخان رأيت رجلاً يركض نحوي بأقصى سرعة، ويرتدي حزاماً ناسفاً، أطلقت عليه النار. وإلى يساري لمحت قناصاً يرفع بندقيته نحوي فأرديته على الفور. سبعة أو ثمانية مسلحين انطلقوا نحو نقطة التفتيش، أطلقت عليهم النار بلمح البصر.

ساد هدوء لا يشوبه إلا صوت الرياح. أضاءت الأنوار ودخلت التكنولوجيا. سألت المدرب وأنا أسلم بندقيتي، وأقطع التيار الكهربائي عن رأسي، كم واحداً أصبت؟ قال جميعهم. لم أكن عند نقطة تفتيش حقيقية، ولم تكن رصاصاتي حقيقية. ما كان حقيقياً هو جهاز التحفيز الكهربائي على رأسي. لقد كنت أخضع لاختبار جهاز يمرر بضعة ميلي أمبيرات من بطارية 9 فولت في جمجمتي لاختبار ما إذا كانت ستحسن أدائي.

اقرأ أيضاً: في يومه العالمي: 7 ملايين مصاب بمرض الباركنسون

كانت فرضية العلماء تقضي بأن التيار الكهربائي سيعيد معايرة الكهرباء الحيوية الطبيعية الموجودة في دماغي، والتي يعتمد عليها الجهاز العصبي، ويأملون في أن يدفع عقلي إلى حالة من اليقظة والتركيز، بما يكفي لتحويل صحفي إلى جندي جاهز للمعركة. ومن النتائج الأخرى المثيرة للاهتمام، يبدو أن الكهرباء تفيد طيفاً واسعاً من المجالات من مقاومة الاكتئاب إلى تحسين المهارات الحسابية.

يرى العلماء الذين أشرفوا على تجربتي أن تدفق الكهرباء يغير قوة الروابط بين الخلايا العصبية في دماغي، مما يحسن من إمكانية عملها بشكلٍ جماعي، ويسرع معدل تعلمي المهارات الجديدة. ولكن الأمر لا يقف عند تعزيز القوة العقلية، فهنالك العديد من الاستخدامات الأخرى للكهرباء لعلاج أمراض الجسم والعقل. ومنها التحفيز العميق للدماغ، وهو علاج يمثل الملاذ الأخير لمرض باركنسون الذي يخفف من أعراضه المدمرة.

واليوم يختبر العلماء العلاج بالكهرباء على الصرع والقلق واضطراب الوسواس القهري والسمنة. وهنالك أيضاً ما أصبح يعرف باسم “الأدوية الكهربائية”، وهي حبيبات بحجم حبة الأرز تثبت حول الأعصاب في الجسم، وقد أثبتت التجارب على الحيوانات أنها تعالج أمراض السكري وارتفاع ضغط الدم والربو.

أثبتت التجارب أن الكهرباء الحيوية يمكن أن تساعد في علاج بعض الأمراض- صورة تعبيرية

منذ مطلع الألفية ظهرت آلاف الدراسات التي تشير إلى التحفيز المباشر عبر الجمجمة كطريقةٍ لتحسين القدرات العقلية. واستشعرت الشركات فرص تحقيق أرباح كبيرة من هذه التقنية الجديدة، وبدأت بعض الشركات الناشئة والمغامرة بالترويج لمنتجاتها من الخوذ المعززة للدماغ، وبتكلفةٍ لا تتجاوز بضع مئات من الدولارات. وقد استخدمها فريق كرة السلة “جولدن جيت ووريرز”، وكذلك فريق التزلج الأوليمبي الأمريكي في تدريباتهم لتحفيز تركيزهم وقدراتهم، مما أثار اتهاماتٍ باستخدام المنشطات الدماغية.

ثم جاءت ردة الفعل الحتمية. بدأ المشككون في التساؤل حول حقيقة هذه التقنية، وسرعان ما بدأت موجة من الدراسات في فضح الكم الهائل من الآمال التي بنيت عليها. وتبين في نهاية المطاف أنه إذا ما تم حساب متوسط جميع التأثيرات فإن المحصلة ستكون لا شيء. ولكن إذا كان التحفيز الدماغي شعوذة، فلماذا يبدو أنه يفيد في معالجة عدد كبير من الأمراض؟

اقرأ أيضاً: كيف يعكس نمط حياتك العمر الفعلي لعقلك؟

يتدفق التيار الكهربائي عبر جميع الكائنات الحية، لكن هذه الكهرباء ليست كتلك التي تأتي من البطارية أو التي تشغِّل غسالة الصحون. الكهرباء التي نعرفها تأتي من تدفق الإلكترونات السالبة، لكن جسم الإنسان يعمل على نوع مختلف تماماً من الكهرباء، يعرف بالكهرباء الحيوية.

ويتم توليد هذا النوع من الكهرباء من خلال حركة أيونات موجبة الشحنة مثل البوتاسيوم والصوديوم والكالسيوم. وكل واحدة من 40 تريليون خلية في الجسم البشري، هي بطارية ضئيلة الجهد. وعندما تأتي نبضة عصبية عبر أحد الألياف العصبية، تنفتح القنوات في الخلايا العصبية، ويتم مرور ملايين الأيونات من خلالها على الفور. وهذه هي الطريقة التي تنتقل بها جميع الإشارات بين الدماغ، وبقية أعضاء الجسم. وهي الأساس لقدرتنا على التفكير، والتحدث والمشي والشعور بالألم والجوع والعطش، وغيرها.

والكهرباء الحيوية لا تقتصر على الجهاز العصبي فقط، وقد ثبت خلال العقدين الماضيين أن كل خلية في جسمك لها تيارها الكهربائي الخاص. واكتشف العلماء مؤخراً أن الإشارات الكهربائية ترسل إرشادات أثناء نمو الجنين في الرحم لتحديد الشكل النهائي الذي سيتخذه. ولكن ما هو نعمة عند الولادة قد يكون قاتلاً. فالخلايا السرطانية لها كهرباء مختلفة خاصة بها، وتشير الأدلة على أنها تمثل خروجاً حاداً عن الكهرباء الموجودة في الخلايا السليمة، وربما ينجح تعطيل هذه الإشارات الخاطئة إلى منع الخلايا السرطانية من الانتشار.

النبضات الكهربائية هي الأساس لقدرتنا على التفكير والإحساس- صورة تعبيرية

ولا تقتصر هذه الكهرباء الطبيعية على الحيوانات فحسب، فقد تم اكتشاف الإشارات نفسها في كل الكائنات من الطحالب إلى الفطريات والبكتيريا. أو بعبارةٍ أخرى في كل شيء حي. وعندما تنفد بطاريتنا الخلوية فإننا نموت. إذاً، ماذا لو تعلمنا كيف نتحكم في المفتاح؟

حتى الآن لا يعرف علماء الأحياء القصة الكاملة للكهرباء الحيوية. وربما يرجع ذلك إلى المفاهيم المتكلسة في إطار العلم. فعلماء الأحياء يلتزمون بحدود البيولوجيا، ويتركون دراسة الكهرباء للفيزيائيين والمهندسين. وهذا الافتراض الضمني بأن كل مجال يجب أن يبقى في مساره وضع قيوداً على علم الأحياء والتقدم العلمي لعدة عقود. وما نحتاجه هو إطار عمل جديد لجمع المؤشرات الكهربائية للجسم تحت سقف واحد ودراستها معاً بطريقةٍ متماسكة لفهم ما يطلق عليه تسمية “الإلكتروم”. لقد أتاح تحديد الجينوم والميكروبيوم تحقيق خطواتٍ حاسمة لفهم التعقيدات الهائلة لعلم الأحياء، ويعتقد العلماء أن الوقت قد حان لرسم الخطوط العريضة للإلكتروم.

فكما قادنا تحديد الجينوم إلى فهم القواعد التي يتم من خلالها ترميز المعلومات مثل لون العينين في الحمض النووي لدينا، يتوقع باحثو الكهرباء الحيوية أن فك تشفير الإلكتروم سيساعدنا على فك رموز الاتصالات المتعددة الطبقات في أجسامنا، وسيمنحنا طريقة للتحكم فيها.

اقرأ أيضاً: أفضل 9 أطعمة لصحة دماغ مثالية

وإذا ما كنا حقاً نعمل بالكهرباء، فيجب أن نكون قابلين للبرمجة على مستوى الخلية. ولكن ماذا سيحدث عندما نبدأ في استخدام معرفتنا بالإلكتروم للحصول على صفات أفضل بدلاً من معالجة السرطان مثلاً؟ أثارت هذه التساؤلات مخاوف ليس أكبرها الأطفال المحسَّنين. وفي بعض التجارب تسبب تعديل بسيط في الإلكتروم في نمو العيون على مؤخرة الضفدع، وفي تجربةٍ أخرى أدى إلى ظهور دودة برأسين.

وإذا ما كنا سنحاول التلاعب بجسم الإنسان، فإن أقل ما يمكننا فعله هو التلاعب به وفقاً لشروطه الخاصة التي جاءت نتيجة ملايين السنين من التطور. لقد أتاح لنا امتلاك الكثير من أدوات المراقبة الحيوية إمكانية فهم الكهرباء الحيوية، ولكننا لا نزال عند النقطة التي كان عليها علم الفلك عندما اخترع جاليليو التلسكوب. وإذا ما كان يُشار إلى القرن التاسع عشر بأنه “قرن الكهرباء”، فإن القرن الحادي والعشرين يمكن أن يكون قرن الكهرباء الحيوية.

المصدر: الجارديان

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة