الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة
“الشاي” مشروب عالمي: البداية في الصين.. والسحر في مصر.. والمعلمون في اليابان

كيوبوست
يحظى الشاي بمكانة خاصة جدًّا بإجماع شعوب العالم، ويمكن بضمير مرتاح أن نصفه بمشروب عالمي، عابر للحدود الجغرافية؛ بإمكانك أن تتناوله في أمريكا، الصين، أوروبا، وطبعًا في البلدان العربية.
لسنوات، انشغل الكاتب الألماني كريستوف بيتزر، بجمع أواني الشاي، والبحث عن طرق إعداده المختلفة، وارتباطه بثقافات شعوب العالم، إلى أن أنجز في النهاية كتابًا عنه، اسمه “الشاي.. ثقافات.. طقوس.. حكايات” صدرت ترجمته العربية مؤخرًا عن دار العربي للنشر بالقاهرة، بترجمة الدكتورة سمر منير.

في نظر بيتزر، فإن الأجهزة الحديثة التي تم إعدادها لصناعة الشاي، هي في الحقيقة تمثل عائقًا أمام تحضير شاي جيد، إذ أثبتت بعض أنواع الشاي التي جربها بيتزر أنها غير قابلة أن تصبح جيدة من دون تدخل بشري وحس إنساني.
غقرأ أيضًا: 6 طرق تحسّن تأثير الكافيين على إنتاجيتك.
البداية في الصين
يعود تاريخ الشاي، حسب كريستوف بيتزر، إلى عام 728، عندما كتب الصيني “لو يو” دراسته التاريخية “تشا تشينغ”؛ حيث كان الشاي يمتزج بالكُرَّات والزنجبيل وقشور اليوسفي والعِنَّاب، وكان يتحول إلى طوب يتم تحميصه وسحقه في المهراس، ثم غليه بماء مالح.

ما يلفت النظر في علاقة الصينيين بالشاي هو تلك اللافتة العريضة التي تحتل مساحة كبيرة في مطار بكين: “الصين: موطن نشأة الشاي”!
الشاي في مصر .. مادة سحرية
في مصر، اكتشف بيتزر أن الشاي يتعدَّى كونه مشروبًا، وإنما يكاد يكون مادة سحرية تحمل الناس على الجلوس والسهر لساعات، والمناقشة في أمور ذات شأن: كيف نريد لحياتنا أن تكون؟ ومن أين جئنا؟ بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والاجتماعية ورؤيتهم للعالم، كل ما هنالك أنه يشحذ الانتباه وينعش الحواس، ويمنح زبائنه أوقاتًا سحرية.
يحكي كريستوف عن تجربته مع الشاي في مصر، خصوصًا عندما شرب “شاي العروسة” الذي لم يكن يعرف أنه هو إلا عندما دخل مطبخ أحدهم في القاهرة واكتشف الأمر بنفسه، إذ كان يظن أن الشاي من نوعية فاخرة؛ نظرًا لمذاقه الرائع واللذيذ: “لقد شعرت بنوع من خيبة الأمل عندما توجهت إلى المطبخ واكتشفت أن الشاي اللذيذ ما هو إلا نوع من أرخص السلع”، ولكن، وعلى الرغم من كل شيء، فإن سعادة بيتزر كانت غامرة حين زار القاهرة بعد 15 عامًا؛ ليشرب الشاي المصري في إبريق الصفيح من جديد!

يستغرق كريستوف في التعرض للحديث عن الشاي، وأدواته، وطرق إعداده المختلفة من دولة إلى أخرى؛ ومن هذه الطرق “الماتشا” و”السينشا” اليابانية، وهما تمثلان مع عدد من الأواني والأباريق والطقوس الأخرى جزءًا من الهوية اليابانية. وفي سياق ذلك يوضح بيتزر الخلاف التاريخي بين الصين والهند حول نشأته، إذ تؤكد كلتا الدولتين أن جذوره التاريخية تخصها دون الأخرى.
اقرأ أيضًا: 6 حلول سريعة تخلصك من رائحة الفم الكريهة.
معلمو الشاي في اليابان
في اليابان، تسمى طقوس الشاي بالـ”سادو”، وقبل أربعمائة عام من الآن، كان للشاي معلمون في اليابان. هذه حقيقة، ومنهم “سين نو ريكيو” المتوفي عام 1591، الذي ارتقت في عهده طقوس السادو؛ لتصبح بمثابة طقس قومي ياباني في الفترة التي توحدت فيها اليابان بعد حرب أهلية استمرت نحو مئة عام. وقد أخرج كاي كوماي فيلمًا عن قصة حياة سين نو ريكيو، بعنوان “موت معلم الشاي” وردت فيه عبارة يقدسها اليابانيون؛ هي: “الشاي، إنه طريق القتال دون حمل سلاح”، وكان معلمو الشاي اليابانيون يرون أن الجدية اللازمة لإقامة “حفلة شاي مهيبة” لن تتهيأ سوى بإلقاء نظرة كاشفة على الموت، وهكذا اكتسب الشاي في اليابان قدسية خاصة، وحالة روحانية بامتياز.

وحسب بيتزر، فإن الحصول على شاي الماتشا، وتحضيره وَفق طقوس السادو، يستلزم قدح التشاوان، وهو أمر يندرج في فئة الأشياء عالية القيمة، والحديث هنا ليس عن القيمة المالية، ولكنها القدسية؛ حيث إن التشاوان له من التبجيل والعظمة ما يجعله مستحيلًا على شخص عابر أن يحظى برشفة منه، وَفق التقاليد اليابانية.
الشاي في أوروبا
ويؤكد كريستوف بيتزر أن أحدًا لم يعرف مَن أحضر الشاي إلى أوروبا، ولكن المصادر التاريخية تفترض أن البحارة البرتغاليين هم مَن فعلوها، وبالتالي تطورت أول ثقافة شاي أوروبية في البرتغال عام 1580، وفي عام 1610 انتقل احتكار الشاي من البرتغال إلى هولندا، إلى أن سيطرت بريطانيا تمامًا في عام 1669.
حمل تطبيق كيو بوست على هاتفك الآن، من هنا