الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

السُّنة في إيران.. الوجه المظلم للنظام

 كيوبوست- إبراهيم المقدادي

عاد زعيم أهل السنّة في إيران مولوي عبد الحميد إسماعيل زاهي للدعوة إلى إجراء استفتاء عام، قائلاً: “يجب الخضوع لرأي الشعب، حتى إذا اختار نظاماً علمانياً لا تكون فيه المؤسسات الدينية هي صاحبة القرار، لكن مع الحفاظ على المؤسسات الدينية وحرية العقيدة”.

وأشار إمام جماعة أهل السنّة في زاهدان، أثناء خطبة صلاة الجمعة، إلى “الاختلاف الذي يحدث في البلاد بين جزء كبير من الشعب والنظام”، واقترح مخرجاً للأزمة الحالية في البلاد، قائلاً: “بأقل قدر من الضرر، يجب خضوع النظام لإرادة الشعب”بحسب موقع ايران انترناشونال.

اقرأ أيضاً: الاحتجاجات في إيران تحيي مظالم سيستان بلوشستان

وقبل اسابيع تعرض مولوي عبدالمجيد مرادزاهي، مستشار مولوي عبدالحميد إسماعيل زاهي، للاعتقال من قِبل السلطات الإيرانية، على خلفية الاحتجاجات الجارية في البلاد ودعم الرمز المعتقل لها.

و شهدت مدن مقاطعة سيستان وبلوشستان؛ وخصوصاً زاهدان -ذات الأغلبية السُّنية- ردة فعل غاضبة أدت إلى حالة ملتهبة مرشحة إلى التصعيد، خصوصاً مع بقاء فتيل الاحتجاجات التي اندلعت منذ نحو خمسة أشهر مشتعلاً.

مولوي عبدالمجيد مرادزاهي (اليمين) وعبدالحميد إسماعيل زاهي إمام سُنة زاهدان- (CNN)

ووجَّهت السلطات الإيرانية تهماً لـ”مرادزاهي” تتعلق بمحاولة إرباك الرأي العام، وارتباطه بجهات وأفراد ووسائل إعلام أجنبية، وكان عدد من زعماء القبائل والشخصيات السُّنية والبلوشية المعروفة قد أيدوا مولوي عبدالحميد ومساعده عبدالمجيد في أكثر من مناسبة؛ خصوصاً بعد اندلاع احتجاجات زاهدان الناجمة عن غضب السكان جراء ما تعرضت إليه فتاة من مدينة جابهار من اغتصاب من قِبل ضابط في الشرطة، أُقيل على أثر هذه الاحتجاجات بعض القادة الأمنيين[1].

السُّنيون في إيران

هناك تضارب في المعلومات بخصوص الحجم الحقيقي للسُّنة في دولة إيران الشيعية؛ فالإحصائيات الرسمية للدولة تقول إنهم يشكلون 10% من السكان[2]، أما مصادر السُّنة فتقول إنهم يشكلون ثُلث حجم السكان البالغ عددهم نحو 80 مليون نسمة، والمصادر المستقلة تقول إن نسبة السُّنة تتراوح بين 15 و20% من مجمل السكان، وربما أصدق وأقرب القول أن نسبة السُّنة في إيران تُقدر بـ20 إلى 30% من مجمل سكان إيران[3]، وهم منقسمون إلى ثلاث عرقيات رئيسية؛ وهي الأكراد والبلوش والتركمان، إضافة إلى العرب في الجنوب الإيراني، وهناك فرس سُنيون يتبعون المذهب الشافعي يتوزعون في محافظتَي فارس وطهران، وتؤكد المصادر والتقارير أنه رغم حجمهم هذا غير القليل؛ فإنهم يعانون كل أشكال الاضطهاد، سواء في عهد الشاه أو النظام الحالي.

اقرأ أيضاً: على ماذا يجتمع السنة والشيعة؟ وما الذي يفرقهم؟

اضطهاد ممنهج

من بين أشكال الاضطهاد أنهم محرومون من بناء المساجد في المدن الإيرانية الكبيرة؛ خصوصاً طهران وأصفهان ويزد وشيراز.. وغيرها، ورغم وجود ما يزيد على نصف مليون سُني وأكثر في طهران؛ فإنهم لا يمتلكون مسجداً للصلاة فيه، ولا مركزاً للاجتماع فيه، بينما هناك أماكن عبادة للنصارى واليهود والمجوس والزردشتية، وتعتبر العاصمة الإيرانية طهران الوحيدة في العالم التي لا يوجد فيها مسجد للسُّنة[4].

علاوة على ذلك، يُمنع أئمة وعلماء ورموز أهل السُّنة من إلقاء الدروس في المساجد والجامعات، كما توضع دائماً مراكز ومساجد وتكتلات أهل السُّنة تحت المراقبة الدائمة والشديدة، وتتجسس الأجهزة الأمنية الإيرانية على أي نشاط سُني مهما كان حجمه، ولا شك من وجود اختراقات أمنية لكل المساجد والتكتلات السُّنية؛ ومنها بالتأكيد “جماعة الدعوة والإصلاح”، حتى يمكن القول إنه مسيطر عليها أمنياً بشكل كامل من قِبل أجهزة الاستخبارات الإيرانية.

شكل بياني يوضح التوزيع الديني في إيران

ورغم أن أهل السُّنة يمثلون أكبر أقلية مذهبية في إيران؛ فإن مستوى تمثيلهم السياسي في البرلمانات والوزارات لا يتناسب مع تعدادهم وحجمهم، وتُتهم السلطات الإيرانية بأنها تنجح وتدعم العناصر السُّنية الموالية لها، وتقوم بقمع مَن يعبر عن مطالب أهل السُّنة، ومن هذا المنطلق تتعامل مع كل تمثيل سُني تكتلي؛ خصوصاً فرع جماعة الإخوان المسلمين المتمثلة بجماعة الدعوة والإصلاح.

ويمنع السُّني من تقلُّد مناصب عليا أو قيادية في إيران بشكل عام، كمنصب رئيس الجمهورية أو رئاسة البرلمان أو الوزارات أو قيادة الجيش أو المؤسسات الكبرى والنافذة؛ وحتى محافظ أو قائد بدرجة أمير في الجيش أو الشرطة.. حيث إن الدستور الإيراني يشترط في الفقرة الخامسة من المادة 115 أن الاعتقاد بمذهب التشيُّع شرط أساسي لتولي المناصب في الجمهورية الإيرانية.

اقرأ أيضاً: الأوضاع الاجتماعية في إيران… صراع الأجيال يقسّم المجتمع

وتبدأ معاناة أهل السُّنة مع أبسط المسائل إلى أهمها، وبعض معاناتهم هذه ناتجة عن إجراءات دستورية وقانونية، وبعضها الآخر ناجمة عن ممارسات أجهزة الدولة ونظرتها لأهل السُّنة في كل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية.

وعلاوة عى العديد من التحديات والصعوبات التي يعانيها أهل السُّنة، فإنهم يتعرضون إلى عمليات اعتقال واغتيالات ممنهجة؛ حيث تقول العديد من التقارير والروايات إن المسلمين السُّنة تعرضوا إلى العديد من مظاهر الاضطهاد منذ بداية انتصار الثورة الإيرانية، حين انقلب الخميني على مَن ساعده من رموز السُّنة؛ أمثال أحمد مفتي زادة، الذي كان مصيره الموت إثر الاعتقال والسجن[5].

سموم الطائفية في إيران

ومنذ مجيء النظام الحالي عام 1979، والإيرانيون السُّنة من سكان المحافظات الجنوبية في إيران يشكون من تدخل الأجهزة الأمنية في شؤونهم الدينية، ووضع الأهالي تحت الرقابة الشديدة وممارسة التمييز الطائفي في الوظائف الحكومية[6]، وقال عدد من أهالي القرى التابعة لمدينة كنكان شرقي محافظة بوشهر، إن جهاز الاستخبارات التابع  للحرس الثوري بدأ منذ تولي حكومة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، حملات تفتيش للمساجد ودور العبادة الخاصة بالسُّنة في جنوب إيران[7].

مجموعة من السُّنيين يصلون في مدينة كجساران بإيران- (Salaam Times)

ونظراً للهمينة الفارسية والشيعية؛ فإن باقي الأقليات القومية والطائفية تشعر بالظلم، وأنها لم تحظَ بفرص متساوية مع القومية الفارسية على صعيد الحقوق القومية ولا مع الشعية في ما يتعلق بالحقوق الطائفية، وكان هذا أحد أسباب وقوع الاضطرابات القومية والطائفية في إيران، إضافة إلى ممارسة الأجهزة الأمنية الإيرانية أساليب التمييز والقمع في تعاملها مع القوميات غير الفارسية والطوائف من غير الشيعة، فمحافظة خوزستان جنوب إيران، والتي تعتبر الأحواز مركزها ويشكل العرب غالبيتها حتى بعد عمليات التفريس التي مورست فيها على مدى أكثر من نصف قرن، نُشبت فيها اضطرابات قومية وعدد من الاشتباكات وعمليات تفجير عبَّرت عن مدى سخط الشعوب هناك من الظلم الواقع عليهم وتهميشهم وسلب حقوقهم ومعاملتهم بقسوة وقمع وعنصرية. وفي بلوشستان وكردستان والعديد من المناطق التي تشهد وجوداً لأقليات، شهدت اضطرابات واشتباكات عدة مرات، وعادة ما تتهم السلطات الإيرانية دولاً وأجهزة أجنبية بتبني عمليات تحريض ودعم وتدريب لأقليات إيرانية حدودية؛ من أجل استخدامها كأوراق ضغط على إيران ومحاصرة نفوذها وتدخلاتها في المنطقة.

وحسب ما قاله أهالي هذه القرى بأن استخبارات الحرس الثوري صادرت عدداً كبيراً من الكتب والمواد الصوتية في المكتبات الخاصة بهذه المساجد؛ بحجة أنها تحمل أفكاراً وهابية وفكراً تكفيرياً. ويقول السُّنة في هذه المناطق إن غالبية المساجد في هذه القرى تكاد تكون خالية من الكتب الدينية؛ بسبب منع الأجهزة الأمنية حتى يومنا هذا إدخال أي كتب دينية إلى مكتباتها.

مجلس الشورى الإيراني- (TRT فارسي)

مطالبات بلا جدوى

ومنذ فترة، اشتكى النواب الإيرانيون السُّنة من عدم موافقة السلطات العليا على إقامة مسجد لأهل السُّنة في طهران، رغم انتماء ما يزيد على نصف مليون من سكان العاصمة إلى المذهب السُّني، وقالوا في رسالة مفتوحة: “بينما هناك معابد وكنائس للأقليات الدينية؛ مثل الزرادشتيين واليهود والنصارى في العاصمة، تواصل السلطات الحاكمة رفضها بناء مسجد لأهل السُّنة في طهران”[8].

وتقول منظمات المعارضة إن السُّنة يعانون التهميش والإقصاء، بينما ترفض طهران هذه الاتهامات وتؤكد أن الأقليات يتمتعون بحقوقهم الكاملة وأن لديهم تمثيلاً في البرلمان وفي مجلس الخبراء المعني بعزل أو انتخاب الولي الفقيه؛ أعلى سلطة دينية وسياسية في إيران!

المراجع:

[1] https://cutt.us/IOSQ7

[2] https://cutt.us/RKZrE

[3] https://cutt.us/e48k4

[4] https://cutt.us/UotKC

[5] https://cutt.us/Yg1NS

[6] https://cutt.us/MhtMg

[7] https://cutt.us/C2E7A

[8] https://cutt.us/O60Bn

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

إبراهيم المقدادي

باحث في الشأن الإيراني

مقالات ذات صلة