الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
السياسة في كييف.. هل تنجح الديمقراطية الأوكرانية في مواجهة تحديات ما بعد الحرب؟

كيوبوست- ترجمات
دانيال باير♦
قال دانيال باير، نائب الرئيس لأبحاث السياسات في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، السفير السابق للولايات المتحدة لدى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، إنه خلال زيارة قام بها إلى كييف، في وقت سابق من هذا الصيف، أدهشه حضور ما كان يتوقع غيابه..
اقرأ أيضاً: الإعلام في الحروب متجاوزاً دوره التقليدي
حيث الشباب يحتسون كوكتيلات النبيذ في مقهى على الرصيف، والخدمات البلدية منتظمة في عملها -مثل جمع القمامة- كما أدهشه غياب ما كان ذات يوم حاضراً بقوة في العاصمة الأوكرانية، وهو السياسة.
وأضاف باير أن الأزمة الوجودية التي عجلت بها الحرب الروسية غير المشروعة وغير الأخلاقية ضد أوكرانيا قد أسفرت عن مشاهد أسطورية من التحدي، مشيراً إلى أن شجاعة الرئيس فولوديمير زيلينسكي الكاريزمية، بالإضافة إلى مهارته في التواصل، كانا سبباً في تحويله إلى شخصية تكاد تكون أشبه بشخصية تشرشل.

وزيلينسكي ليس وحده؛ فقد اجتمع الأوكرانيون من مناحي الحياة كافة؛ لمقاومة الروس، مما صاغ شعوراً -لا يمكن تجاهله- بالوحدة، في مدينة اعتادت على خوض معارك سياسية طاحنة، من شأنها أن تجعل واشنطن تبدو وكأنها روضة أطفال، حسب السفير الأمريكي السابق.
اقرأ أيضاً: صعود فلاديمير زيلينسكي
ففي السنوات التي تلت ثورة الكرامة في أوكرانيا، عام 2014، عندما أطاح المتظاهرون بحكومة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش الموالية لروسيا؛ أصبحت الثقافة السياسية أكثر ديمقراطية. وقبل عام واحد، كان الخطاب السياسي في أوكرانيا صاخباً ومحتدماً.
لكن في أواخر يونيو، وفقاً لباير، “لم يكن أي شخص التقيت به راغباً في انتقاد الحكومة“. والسبب ليس لأنهم يظنون أن كل شيء يتم على أكمل وجه؛ بل لأنهم يعرفون أنه حتى أقل تلميح بالانقسام لن يساعد أي شخص، باستثناء أولئك الموجودين في موسكو.

حيث تحل الوحدة الوطنية ومقتضيات الحرب محل السياسة في الوقت الراهن؛ لكن السياسة سوف تعود بلا شك إلى كييف، وسيشكل ذلك اختباراً صعباً للديمقراطية في البلاد. كما سيعني عودة الحراك السياسي في كييف إضافة مزيد من الأعباء على الدعم الدولي لأوكرانيا، وهو ما يشكل عاملاً وجودياً بالنسبة إليها.
اقرأ أيضاً: المجد لأوكرانيا: تحليل الرواية التي تستخدمها كييف لجذب المقاتلين الأجانب
وأكد باير أن أوكرانيا لا يمكنها الاستمرار في القتال، وبالتالي من دون ذلك الدعم لن تتمكن من البقاء كدولة ذات سيادة. وسوف يسعى القادة الروس إلى تضخيم الانقسامات في كييف، كما ستشكك أحزاب المعارضة في الديمقراطيات الغربية في جدوى مساعدة الحركة الأوكرانية المنقسمة داخلياً.
ومع التوقعات بأن تتجاوز تكاليف إعادة الإعمار تريليون دولار، فسيكون من الحماقة أن نتوقع أن تشكل المنح حصة الأسد من التمويل؛ لذلك سوف تحتاج أوكرانيا إلى حشد مساعدات استثنائية من المؤسسات المالية الدولية، والعمل على جذب رأس المال الخاص، وهو ما سيتطلب تفكيراً خلاقاً مع الشركاء الدوليين حول كيفية تخفيف المخاطر، التي قد تواجه المستثمرين.

ويتعين على شركاء أوكرانيا أيضاً أن يستعدوا؛ لإعادة الإعمار، على الصعيدَين الأخلاقي والإنساني. وسيكون عمل لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بأوكرانيا -التي أُنشئت للتحقيق بشأن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني- وعمل المدعي العام الأعلى في البلاد، الذي يحقق في جرائم الحرب، أمراً بالغ الأهمية بشكل خاص.
اقرأ أيضاً: هل تصبح أوكرانيا ساحة تدريب للنازيين الجدد؟
وحسب باير، فإن قِلة من القادة؛ خصوصاً أولئك الذين قادوا بلدانهم في الحروب، هم مَن لم يواجهوا صعوبة في التخلي عن السلطة أو المنصب. ولا يزال مثال جورج واشنطن فريداً في التاريخ الأمريكي، وقد كان قوياً بما يكفي؛ لتشكيل سابقة استمرت قرناً ونصف القرن، حتى حطمها رئيس آخر في زمن الحرب؛ هو فرانكلين روزفيلت.
وقد حظي رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل بالإعجاب؛ لبسالته في الدفاع عن قضية شجاعة في مواجهة عدو شرير؛ إلا أنه تعرض إلى هزيمة انتخابية بعد شهرَين فقط من انتهاء الحرب العالمية الثانية.

ويتعين على زيلينسكي أن يتذكر مثال تشرشل، على حد قول باير، فربما يعود هو أيضاً بعد فترة مناسبة لفترة ثانية كقائد وطني. كما أن شعب أوكرانيا يحتاج ويستحق دولة ديمقراطية. وبوسع القادة -كأفراد- المساعدة في بناء مثل هذه الدولة؛ لكن لا يمكنهم أن يصبحوا هم الدولة.
من جانب آخر، سيشتري الأوليغارشيون السلطة من خلال صفقات سرية وسيستخدمون أموالهم لإخفاء المضايقات السياسية. وما دام زيلينسكي يحتل مرتبة عالية، فإنه لا يحتاج إلى الأوليغارشية؛ لتأمين مكانته.
اقرأ أيضاً: ماذا لو ربح بوتين؟ كيف ستغير سيطرة روسيا على أوكرانيا وجه أوروبا؟
ولكن مع استعادة السياسة مرة أخرى؛ فإن هذه الشخصيات سوف تعرض خدماتها من جديد، وسوف تعود التبعيات المتبادلة القديمة بين المسؤولين الرسميين والأوليغارشية إلى الظهور. وحتى في ظل استمرار تعليق القوى السياسية في كييف، فإن الضغوط السياسية في البلدان الغربية تزداد حدة بسبب التضخم وصدمات الطاقة الناجمة عن جائحة كورونا والحرب.
ولا يزال القادة الغربيون يزعمون أن أوكرانيا هي خط المواجهة الأمامي للحرية، وأن الأوكرانيين يخوضون حرباً ليس فقط من أجل بلدهم؛ ولكن من أجل العالم الحر بأكمله. لكن يبدو أن قِلة قليلة من هؤلاء القادة يؤمنون بما يقولون!
♦نائب الرئيس الأول لأبحاث السياسات في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي. وعمل في إدارة أوباما كسفير للولايات المتحدة لدى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
المصدر: فورين أفيرز