الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

السياسة الخارجية الأمريكية فقدت مرونتها

كيوبوست- ترجمات

فريد زكريا

لا تزال أصداء الاتفاق الإيراني- السعودي على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدَين، الذي تم الإعلان عنه في بكين، تتردد في وسائل الإعلام وكبريات الصحف العالمية. وقد نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالاً بقلم فريد زكريا، كاتب عمود السياسة الخارجية في صحيفة “الواشنطن بوست”، تناول فيه هذا الاتفاق من زاوية السياسة الخارجية الأمريكية.

افتتح زكريا مقاله بالإشارة إلى بيان صدر عن الرئيس بايدن، إبان زيارته إلى المملكة العربية السعودية، قال فيه: “لن نغادر المنطقة، ولن نترك فراغاً تملأه الصين أو روسيا أو إيران”؛ ولكن زكريا يرى أن هذا هو ما حدث بالفعل. ويشير إلى أن إعادة العلاقات السعودية- الإيرانية لا تعتبر بحد ذاتها زلزالاً سياسياً؛ لكن الدور الذي لعبته الصين في هذا الحدث يكشف عن خلل عميق في السياسة الخارجية الأمريكية ما زال يزداد سوءاً في السنوات الأخيرة.

عادت العلاقات بين السعودية وإيران بوساطة صينية

اعتمدت النجاحات الأكثر بروزاً في السياسة الأمريكية الخارجية، خلال عقود الحرب الباردة، على الطريقة “البسماركية” القائمة على بناء التحالفات وعزل القوى المنافسة؛ فكانت علاقة الولايات المتحدة مع إسرائيل والدول العربية أفضل من علاقاتها بعضها مع بعض، ونجحت في إبعاد دول شيوعية مثل يوغوسلافيا ورومانيا عن قبضة موسكو، وعلى مدى عقود، قبل الثورة الإيرانية، كانت علاقات واشنطن مع طهران والرياض أفضل من علاقة الأخيرتَين بعضهما مع بعض.

ولكن واشنطن فقدت اليوم هذه المرونة التي من شأنها إتاحة هذا النوع من الاستراتيجيات. وأصبحت سياستها الخارجية تتكون من تصريحات أخلاقية كبرى تقسم العالم إلى أبيض وأسود، وأصدقاء وأعداء. وثبت هذا التقسيم بالتشريعات والعقوبات والسياسات الأكثر صرامة. فأصبح الجو السياسي مشحوناً إلى درجة تجعل مجرد التحدث مع “عدو” أمراً محفوفاً بالمخاطر.

اقرأ أيضاً: يجب أن تأخذ السياسة الخارجية الأمريكية دول الجنوب في الاعتبار

واليوم هناك العديد من الدول التي لا تربط الولايات معها علاقات طبيعية، أو تربطها بها علاقات عداء من نوع ما؛ مثل روسيا والصين وإيران وكوبا وفنزويلا وسوريا وميانمار وكوريا الشمالية. من الممكن الدفاع عن موقف الولايات المتحدة المعارض لأي من هذه الدول على حدة؛ ولكن معارضتها مجتمعة سوف تؤدي إلى سياسة خارجية متصلبة تمنع الولايات المتحدة من التحدث إلى الجميع ومن التمتع بالمرونة في علاقاتها الخارجية، وسيظل ذلك حتى تتم الإطاحة بأنظمة هذه الدول.

ويشير زكريا إلى أن هذا ليس انتقاداً لإدارة بايدن؛ بل لسياسة الولايات المتحدة على مدى العقود الماضية. فقد أفسدت مكانة الولايات المتحدة في العالم أحادي القطب النخبة التي ترسم السياسة الخارجية للبلاد. وأصبحت هذه السياسة تقوم بشكل أساسي على تقديم المطالب وإصدار الإدانات والتهديدات، ولا تبذل إلا القليل من الجهود لفهم وجهات نظر الطرف الآخر أو التفاوض معه بشكل جدي.

سياسة الولايات المتحدة لوقف صعود الصين قد فشلت- “تشاينا دايلي”

حاولت إدارة أوباما أن تأخذ نهجاً مختلفاً إلى حد ما؛ فتفاوضت مع إيران على الملف النووي، وأظهرت انفتاحاً على الصين مع الحفاظ على الضغط عليها بشأن قضايا محددة؛ مثل التجسس الاقتصادي، وبدأت بعملية تطبيع العلاقات مع كوبا، بل إنها حاولت الحفاظ على علاقة فعالة مع روسيا.

اقرأ أيضاً: من نيكسون إلى ترامب.. كيف كانت السياسة الخارجية طوق نجاة من العزل؟ (1-2)

ولكن المناخ السياسي العام في واشنطن كان معادياً لمثل هذه الدبلوماسية “الكيسنجرية”، وبمجرد وصول ترامب إلى البيت الأبيض؛ انسحب من الاتفاق النووي، وفرض رسوماً جمركية على الصين، وشدد العقوبات على كوبا، وحاول الإطاحة بالحكومة في فنزويلا. ولم تنجح أي من هذه الجهود؛ ولكن هذه الخطوات أصبحت راسخة ويصعب تغييرها. لقد وعد بايدن في حملته الانتخابية بالتراجع عن هذه السياسات؛ ولكنه، وبمجرد توليه منصبه، وجد أنه من الأسهل له سياسياً أن يتماشى مع الخط المتشدد. وأصبحت سياستنا الخارجية تدار من قِبل نخبة انعزالية تعمل من خلال الكلام الخطابي على إرضاء الجماهير المحلية، في ما يبدو أنها لا تدرك أن العالم يتغير وبسرعة كبيرة.

كاتب عمود السياسة الخارجية في صحيفة “الواشنطن بوست”

المصدر: واشنطن بوست

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة