الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

السوق المغربية تختنق بسبب اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا

تقرير حكومي نُشر مؤخرًا أثار عديدًا من الانتقادات يشير إلى أن الشركات التركية قد عمدت إلى إغراق السوق المغربية بسلعها.. الأمر الذي انعكس سلبًا على التجار المحليين في المغرب ودفع الحكومة إلى إعادة النظر في هذه الاتفاقية

كيوبوست

لا تزال تداعيات بث التليفزيون التركي الرسمي مقطع فيديو للناشطة الصحراوية أميناتو حيدر، وهي تطالب بانفصال الصحراء الغربية عن المغرب، تثير ضجة كبيرة في المملكة المغربية. وعلى الرغم من بث هذا المقطع على قنوات دولية أخرى؛ فإن أطرافًا مغربية رأت في تعمُّد الإعلام التركي التركيز على هذه القضية استفزازًا للمغرب حكومة وشعبًا.

أنقرة تجنبت على الدوام إثارة هذه القضية في إعلامها؛ حفاظًا على مصالحها الاقتصادية مع المملكة المغربية، لكن يبدو أن الأمر لم يعد كذلك، بعد أن تداعى إلى مسامعها أن الرباط تسعى إلى إلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع أنقرة؛ بسبب إضرارها بالاقتصاد الوطني.

تقرير حكومي نُشر مؤخرًا وأثار عديدًا من الانتقادات، أشار إلى أن الشركات التركية قد عمدت إلى إغراق السوق المغربية بسلعها؛ الأمر الذي انعكس سلبًا على التجار المحليين في المغرب، ودفع الحكومة إلى إعادة النظر في هذه الاتفاقية.

سوق النسيج في المغرب تشهد تدهورًا بسبب المنافسة التركية- وكالات

أنقرة تتراجع

في محاولة لاحتواء الأزمة بعد أن استشعرت تركيا الخطر، خرج وزير الخارجية التركي مولود شاوش أوغلو، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الشؤون الخارجية للتعاون الإفريقي ناصر بوريطة، ليؤكد دعم بلاده الكامل لـ”وحدة وسلامة الأراضي المغربية”، قائلًا: “إن أنقرة تدعم الحل السلمي لجميع النزاعات”.

لكن ما حكاية اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا والمغرب؟ ولماذا يرغب المغرب اليوم حقًّا في تعديلها؟

بدأ الحديث عن هذا الموضوع بشكل علني خلال جلسة شهدها البرلمان المغربي أواخر الشهر الماضي، عندما وُجِّهت أسئلة إلى وزير الصناعة والتجارة مولاي حفيظ العلمي، حول اتفاقات التجارة الحرة التي وقعها المغرب، لفت حينها الوزير بوضوح إلى أبرز تلك الاتفاقيات وهو الاتفاقية الموقعة مع تركيا، مشيرًا إلى أنها تضر بمصالح المغرب الاقتصادية.

اقرأ أيضًا: أعداد المنتحرين في المغرب تتزايد بنسب عالية

وذهب الوزير إلى أبعد من ذلك عندما قال إن الحكومة “مستعدة لإنهاء بعض الاتفاقيات” التي لم يحصل منها المغرب على فوائد تُذكر ولم تعد بالنفع على نموه الاقتصادي، بل كانت سببًا في تراجع هذا النمو. وحسب مصادر في وزارة الصناعة والتجارة، فإن أول دولة كان يستهدفها الوزير بحديثه هي تركيا؛ والسبب هو العجز التجاري الذي تعانيه المملكة حاليًّا.

فوَفقًا لمسؤولين مغاربة، لا تحترم أنقرة التزاماتها المبرمة وَفق اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين البلدَين عام 2006، لافتين إلى أن تركيا قد فرضت عديدًا من العراقيل أمام إدخال المنتجات المغربية إلى أراضيها، وبالتالي تشير الإحصاءات الصادرة، في يوليو الماضي، عن المكتب الوطني للصرافة، إلى أن العجز التجاري للمغرب مع تركيا وصل في عام 2018 إلى 16 مليار درهم (1.5 مليار يورو) مقابل 4.4 مليار درهم (413 مليون يورو) في عام 2006.

بفضل اتفاقية التجارة الحرة التي دخلت حيز التنفيذ بين البلدَين في عام 2006، منح المغرب مزيدًا من الثقة لعلامة “صنع في تركيا”، وأصبحت السوق المغربية ملاذًا جيدًا للمنتجات المصنوعة في تركيا؛ الأمر الذي دفع نحو فتح مزيد من المتاجر في المغرب عبر المستثمرين الأتراك.

محل الأثاث التركي “يتسان” يفتتح فرعه الأخير في الرباط- وكالات

منافسة غير شريفة

يقول خبراء اقتصاديون لصحيفة “ليز أيكو”: “إن افتتاح متاجر تركية جديدة ليس بالضرورة علامة على صحة جيدة أو ربحية الشركة؛ بل إن بعض العلامات التجارية التركية تواجه صعوبة في المغرب، لكن في كثير من الأحيان يمكن لفتح متجر ثانٍ تغطية تكاليف خسارة المحل الأول”. وهو الأمر الذي دفع بخلق نوع من المنافسة غير العادلة داخل السوق المغربية، وجعل من اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا سيفًا مسلطًا على رقاب التجار في المغرب.

قطاعات عدة في المغرب تعاني بسبب هذه الاتفاقية؛ على رأسها قطاع صناعة الأثاث، هذا القطاع الذي تأثر كثيرًا بسبب الأزمة التي يمر بها أصلًا القطاع العقاري في هذا البلد.. شركة “يتسان” التركية، هي أبرز مثال على ذلك؛ فهي شركة تصنيع أسرَّة تركية تأسست في عام 2011 في الدار البيضاء، ثم افتتحت فرعًا لها في مراكش عام 2016، ثم في الرباط عام 2018، وهي بصدد افتتاح آخر فروعها في طنجة، وقد استحوذت بشكل كبير على السوق المغربية بفضل الميزات التي تمنحها اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين البلدَين، على عكس العلامات التجارية المغربية.

اقرأ أيضًا: ما مستقبل اقتصاد المغرب في ظل العقبات الحادة التي تواجهه؟

يقول أحد المنافسين المغاربة لهذه الشركة: “بفضل هجومها التجاري، تسحق تركيا المنافسة في السوق المغربية، ما ينقذنا هو جملة (صنع حسب المقاييس)؛ لكن بمجرد أن يبدأ الأتراك في صنع منتجات حسب الطلب، سنختنق بالكامل”.

لمواجهة هذه المعضلة، يقترح أنس لاسري، عضو مجلس الإدارة للعلامة التجارية المغربية “Le Cube”، “فرض رسوم جمركية جديدة على منتجات الأثاث المستوردة من تركيا وتخفيض ضريبة القيمة المضافة على المنتج الحرفي المغربي إلى 10٪ بدلًا من 20٪ المفروضة الآن”.

هي ليست المرة الأولى التي يُثار فيها هذا الملف في المغرب؛ ففي العام الماضي أعلنت الحكومة المغربية إعادة فرض ضرائب على مستوردي منتجات النسيج والألبسة من تركيا، لحماية المنتج المحلي وفرص العمل، بعد أن تصاعدت شكاوى المستثمرين والعاملين في قطاع النسيج والألبسة المغربية؛ بسبب منافسة المنتجات التركية الرخيصة بدرجة غير مبررة، مما أسفر عن توقف كثير من المصانع المغربية وفقدان كثير من فرص العمل.

وتشير الأرقام إلى وجود أكثر من 80 شركة تركية في المغرب تعمل بشكل أساسي في صناعات النسيج والألبسة والصناعات الغذائية والأثاث، إلى جانب قطاعات أخرى؛ مثل الإنشاءات والعقارات والبنى التحتية.

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة