الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
السودان.. التطبيع مقابل رفع العقوبات.. “صفقة رابحة أم خاسرة”؟
انقسم الشارع السوداني بعد إعلان رفع اسم السودان من لائحة الإرهاب.. بالتزامن مع إعلان الرئيس ترامب التوصل إلى اتفاق تطبيع بين الخرطوم وتل أبيب

كيوبوست – عبد الجليل سليمان
بعد أيام قليلة من الفرحة العارمة التي عمَّت العاصمة السودانية الخرطوم، عقب تغريدته التي نشرها يوم الإثنين 19 أكتوبر 2020، معلناً خلالها أن اسم السودان سيُرفع من قائمة الدول الراعية للإرهاب فور سداده (335) مليون دولار أمريكي بمثابة تعويضات لضحايا الإرهاب الأمريكيين وعائلاتهم، عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى الواجهة مجدداً يوم الجمعة 23 أكتوبر، وهو يدير محادثة هاتفية جماعية من مكتبه البيضاوي بين رئيسَي مجلسَي السيادة والوزراء في السودان؛ من جهة، ورئيس الوزراء الإسرائيلي من جهة أخرى، أعلن خلالها أن البلدَين وافقا برعايته على تطبيع العلاقات بينهما، فانقسمت الخرطوم نخبوياً إلى فسطاطَين؛ أحدهما مؤيد للتطبيع وآخر مناوئ له، كل يدفع بحججه إلى الجمهور، محاولاً كسب تأييده.
اقرأ أيضاً: ماذا يريد السودان من تطبيع العلاقات مع إسرائيل؟
يبقى الحدث الذي أثار جدلاً أوسع كان تزامن رفع العقوبات مع قبول السودان تطبيع العلاقات مع إسرائيل؛ فاعتبره البعض مقايضة سياسية دفع السودان بموجبها (335) مليون دولار تعويضات لأُسر ضحايا التفجيرَين المذكورَين آنفاً، وقبل بالتطبيع نظير شطب اسمه من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وعودته دولة طبيعية تنفتح أمامها كل الفرص للاستفادة من مواردها الضخمة عبر استخدام أحدث التقنيات التي كانت محرومة منها طوال سنوات الحصار (23) عاماً، وبالتالي فإنها صفقة رابحة.
الخروج من العزلة يكفي

وفي حديثها إلى “كيوبوست”، تعليقاً على قبول السودان التطبيع مع إسرائيل إثر رفع العقوبات الاقتصادية عنه؛ قالت الصحفية آمنة بابكر: “ورثت الحكومة الانتقالية الحالية واقعاً اقتصادياً مزرياً ومثقلاً بنحو 60 مليار دولار من الديون، ومعدل تضخم 212%، ونسبة فقر تربو على 70%، وتضاعفت البطالة بين الشباب إلى 40%، فضلاً عن انهيار غير مسبوق في البنى التحتية وشلل كامل في القطاعات الإنتاجية والخدمية والمصرفية، وتراجع هائل في قيمة العملة المحلية؛ حتى أوشكت أن تصبح غير مبرئة للذمة، فضلاً عن شبح مجاعة وشيكة يلوح في الأفق؛ بينما مؤشراته ماثلة على الأرض لا تحتاج إلى دليل، فطوابير الخبز والوقود وانقطاع الماء والكهرباء وانهيار الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية، كلها تدل على ذلك”.
وبالتالي، تواصل آمنة بابكر: “إذا كانت عودة السودان إلى المجتمع الدولي مرهونة بالتطبيع مع إسرائيل، فلِمَ لا؟ ومعظم الدول العربية إما مطبعة فعلياً وإما في طريقها إلى ذلك، وأنا هنا لا أريد أن أتحدث عن تلك (الكليشهات) التي عفَّى عليها الزمن؛ لكنني أؤكد أن حق الفلسطينيين في دولة مستقلة وأن يعيشوا بكرامة في أرضهم لا يتعارض مع التطبيع أبداً، فلكلٍّ مسار مختلف، والسودان موقفه واضح في هذا الصدد، فهو داعم للمبادرة العربية (مبادرة الملك عبدالله).
التطبيع ثمن للعودة
بالنسبة إلى الفوائد التي سيحصل عليها السودان، فقد حقق أهمها؛ وهو شطب اسمه من قوائم الإرهاب الدولي، وهذا يفتح له الأبواب والنوافذ نحو العالم، ويجعل منه دولة طبيعية، بعد أن كان محاصراً ومنبوذاً، ألا يُعد هذا انتصاراً كبيراً؟”.
شاهد: فيديوغراف.. شحنة إمدادات طبية جديدة من الإمارات إلى السودان
تواصل آمنة حديثها إلى “كيوبوست”: “مَن يقولون إن إسرائيل لم تقدِّم دعماً مالياً فورياً إلى السودان، فإنهم إما لم يطلعوا على الاتفاق، وإما يتجاهلونه؛ فالاتفاق لم يتطرق إلى مثل هذه المساعدات، إنما تحدث عن تطبيع للعلاقات على عدة مستويات؛ منها الدبلوماسي والتعاون الأمني، وتبادل السلع، ودعم الفرص الاستثمارية بين البلدَين، ويمكن للسودان أن يستفيد من الخبرة الإسرائيلية في مجال الزراعة بصفة خاصة، ومعلوم للجميع أن بلادنا تمتلك إمكانات زراعية هائلة؛ فقط نحتاج إلى تكنولوجيا متقدمة لنضاعف الإنتاج ونقلل تكلفته”.
اقرأ أيضاً: السودان يقترب من التطبيع مع إسرائيل بعد لقاء نتنياهو والبرهان
تستطرد آمنة: “لست هنا لأقرر موقفاً سياسياً أو أيديولوجياً خاصاً بي، وإنما لأحلل ما هو كائن وواقع؛ لذلك أقول إن التطبيع كان ثمناً لعودتنا إلى المجتمع الدولي، لذلك نستطيع الآن أن نشتري الدواء ونزرع القمح والمحاصيل الأخرى ونصدرها مباشرة بعيداً عن هيمنة (السماسرة) والوسطاء، نستطيع أن نعيد الخطوط الجوية السودانية التي توقفت عن العمل بعد أن أضحت طائراتها خردة بسبب الحصار، وكذلك سيتم إعفاؤنا من الديون الضخمة”.

موافقة الحكومة السودانية بشقَّيها العسكري والمدني على التطبيع، تكشف عن موقف براجماتي ينظر إلى الأمور بشكل عملي، فإن استقرت الأوضاع الاقتصادية والأمنية في البلاد، فإن ذلك من شأنه تعزيز الديمقراطية الناشئة ويُفعِّل العمليات الإنتاجية ويخفف وطأة الضغوط المعيشية الطاحنة التي يعانيها معظم السودانيين، فضلاً عن أن عودة السودان دولة طبيعية ضمن المجتمع الدولي تضاعف من فرصه في النهوض مُجدداً، كما سينعكس إيجاباً على المصارف والقطاع المالي والتنمية الاقتصادية؛ خصوصاً إذا تم شطب جزء مقدَّر من ديونه الخارجية كما تتواتر الأخبار، علاوةً على الدعم المقدَّر الذي ظلت تتلقاه الحكومة الانتقالية في هذه المرحلة الحرجة من دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية وبعض الدول الأوروبية؛ مثل فرنسا وألمانيا، لكن كل ذلك لن يجدي ما لم تذهب الحكومة إلى إعادة هيكلة الاقتصاد ووضع خطط واستراتيجيات محكمة للتنمية الاقتصادية وأن تعمل بجدية على محاربة الفساد المستشري، تختم بابكر.

اندماج في المسار العالمي
من جهته، وفي ما يتعلق بمسألة رفع العقوبات وربطها بالتطبيع مع إسرائيل، قال المحلل السياسي والقانوني حاتم إلياس، لـ”كيوبوست”: “واقع الأمر، سواء طبَّعت الحكومات أم لم تطبع، فإن هذا لا يُلقي بالقضية الفلسطينية خارج مسار التاريخ، ولا يمكن أن تقوم الإجراءات السياسية والاتفاقات المبرمة، هنا وهناك، بدور تصحيح الاعتلال التاريخي للعلاقة بين إسرائيل والشعب الفلسطيني؛ بحيث يمكننا أن ننظر إلى المشهد ولو عبر مرآة سحرية للواقع، لأن العدالة، كقيمة، تظل غائبة بتغييب أصحاب الحق، وهذا لا يعني إطلاقاً عدم البحث عن السلام وفرص السلام عبر التسويات العادلة. لكن يبقى السؤال: هل يحتاج الشعب الفلسطيني إلى تلك النخب المهزوزة في يقينها، ومثقفي أنشطة السبات العقلي؟ وهل يحتاج إلى حكوماتنا التي أسهمت في طمس معالم قضيته بخطابها القومي والديني؟ يتساءل إلياس، ويستطرد: من المستحيل القول إننا أمام الفصل الأخير من كتاب العالم الحُر؛ فحركة التاريخ وسيرورته تقول إن الأفضل للشعب الفلسطيني أن يندمج في المسار العالمي، بدل أن يُصبح بمثابة لغة إقليمية وعرب ومسلمين ونزاع هوياتي وديني؛ أي بمعنى أن ينفك من احتكار ما هو قوموي وإسلاموي، ويعود من جديد إلى منصة النضال العالمي ضد الهيمنة كيفما قدمت تصوراتها”.

رفع مشروط وانفراجة ضيقة
إلى ذلك، أكدتِ الصحفية والمحللة السياسية دُرة قمبو، لـ”كيوبوست”، أن رفع العقوبات سيسمح للسودان بالاستفادة من العلاقات مع المؤسسات الدولية أكثر، وكذلك سيفتح الباب لتدفق الاستثمارات، ويُمكِّن النظام المصرفي المحلي من التعامل المفيد مع النظم المصرفية والمالية العالمية؛ لكن قرار الخروج من قائمة الدول الداعمة للإرهاب كان ثمنه “مهيناً” على حد قولها، لذلك فلن يثمر على المستوى المنظور سوى عن انفراجة ضيقة ومحدودة لأزمات آنية، سرعان ما تتجدد وتعود بشكل أو بآخر، دون معرفة موعد أو حل دائم لها.