الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
السوداني وأردوغان.. المقايضة المستحيلة: “شهر المياه” مقابل “بي كي كي”
قصارجيان: "الحكومة العراقية غير قادرة على إعلان حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية.. فديناميات السياسة الداخلية في العراق تحول دون ذلك"

كيوبوست
اختتم رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، الأربعاء 22 مارس، زيارته الرسمية إلى تركيا، مؤكداً الاتفاق مع أنقرة على تشكيل لجان عراقية- تركية لتأمين حصص عادلة للمياه، ومشيراً إلى أن مشروع “طريق التنمية” من أهم ثمراتها، ووصفه بالمشروع الحيوي للعالم بأسره. وأكد السوداني أن مشروع طريق التنمية (القناة الجافة) بين العراق وتركيا، سيربط الشرق بالغرب. وأثنى السوداني على تجاوب الرئيس التركي في معالجة مشكلة شح المياه عبر توجيهه بزيادة إطلاقات نهر دجلة.
زيارة “ناجحة”
احتفت وكالة الأنباء العراقية الرسمية “واع”، بالزيارة “الناجحة” التي ركزت على ملفات “حساسة”؛ على مساس مباشر بملفات الاقتصاد والمياه. وقالت الوكالة إن زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، إلى تركيا نجحت في تحقيق ما هو مطلوب ومُنتظر وغير مسبوق، عبر تحقيق منجزَين مهمَّين؛ الأول الاتفاق على “إعلان أنقرة” لإنشاء طريق التنمية المعروف بالقناة الجافة؛ والذي من شأنه تحويل العراق إلى ممر للتجارة الدولية، وكذلك مضاعفة إطلاقات نهر دجلة لتأمين خزين مائي كافٍ لفصل الصيف.
اقرأ أيضًا: تركيا تخرق السيادة العراقية مجدداً.. والعراق ينتفض في وجه تجاوزات أردوغان
ماذا قال الإعلام التركي؟
من جانبها، ركزت وكالة “الأناضول” التركية، في تغطيتها لزيارة رئيس الوزراء العراقي، على تصريحه بأن بلاده “ملتزمة بعدم السماح باستخدام أراضيها منطلقاً للتجاوز على تركيا”. وأشارت “الأناضول” إلى ما ذكره السوداني عن التسهيلات لرجال الأعمال الأتراك؛ حيث قال: “منحنا صلاحية للسفير العراقي بأنقرة لتسهيل منح التأشيرات لهم دون تأخير، وسأجتمع بالشركات التركية العاملة في العراق غداً (الأربعاء الماضي)؛ لمناقشة المعوقات التي تعرقل عملها”.
موقع “ترك برس” حذا حذو وكالة “الأناضول”، ونقل عن السوداني تأكيده أن بلاده ملتزمة بعدم السماح باستخدام أراضيها منطلقاً للتجاوز على تركيا. وكذلك تشديده على عمق العلاقات مع تركيا. ونوه “ترك برس” بالعلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدَين؛ إذ يبلغ حجم التبادل التجاري بينهما 17 مليار دولار، ويطمح البلدان لرفعه إلى 20 ملياراً خلال الفترة المقبلة، وفقاً للموقع.

زيارة “مجاملة”
من جهتها، انتقدت صحيفة “المدى” العراقية، ما خلصت إليه زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى تركيا، وقالت الصحيفة: “يقدم محمد شياع السوداني (امتنانه) لتركيا التي يزورها، بينما تسكت فصائل المقاومة التي كانت تهدد تركيا قبل 6 أشهر”.
ونقلت “المدى” عن “مصادر سياسية مطلعة” وصفها مفاوضات السوداني في تركيا بـ”المجاملة”، وأنها لم تحقق حلولاً جذرية على حساب سيادة البلاد وأزمة المياه، مقابل استمرار الصادرات التركية. وقالت الصحيفة “يبدو أن أنقرة تحاول استبدال (شهر المياه) بإعلان بغداد حزب العمال الكردستاني المعروف بـ(بي كي كي) منظمة إرهابية”.
ويعاني العراق انخفاضاً مقلقاً في منسوب نهرَي دجلة والفرات، وكلاهما ينبع من تركيا. وتتهم بغداد كلاً من تركيا وإيران بخفض تدفق مياه النهرَين إلى العراق بشكل كبير؛ بسبب تشييد سدود في المنبع.
وتراجعت حصة العراق من المياه نحو 70%؛ بسبب سياسات دول الجوار، خصوصاً تركيا، حسب وزارة الموارد المائية العراقية.
ودفع ملف المياه، إضافة إلى العمليات البرية التركية والقصف على قرى كردستان تحت ذريعة ملاحقة “بي كي كي”، فصائل عراقية لتهديد أنقرة قبل أن يتسلم تحالف “الإطار” السلطة. وتشن تركيا بانتظام عمليات عسكرية برية وجوية في هذه المنطقة ضد حزب العمال الكردستاني؛ الذي تعتبره هي وحلفاؤها الغربيون “منظمة إرهابية”.

ملفان قديمان.. ولا جديد
الكاتب الصحفي المتخصص في الشؤون التركية، سركيس قصارجيان، قال في حديث خاص إلى “كيوبوست”: إن الملفَّين اللذين تصدرا مباحثات رئيس الوزراء العراقي مع أردوغان؛ هما المياه وقضية حزب العمال الكردستاني، وهما ملفان شائكان قديمان، لم تستطع حلهما كل الحكومات المتعاقبة على العراق.

ويعتقد قصارجيان أن تركيا “كبادرة حسن نية” ستسمح بتدفق بعض الكميات من مياه دجلة إلى العراق؛ لكن ذلك لن يسهم في حل مشكلة المياه أو تبديد هواجس العراق من موسم الجفاف المنتظر في الصيف، وذلك يعود، وفقاً للخبير، إلى مفهوم تركيا بخصوص نهرَي دجلة والفرات، والذي يعتبر أنهما نهران عابران للحدود وليسا نهرَين دوليَّين كما تحاول العراق وسوريا فرضه.
المشكلة، وفقاً لقصارجيان، أنه لا توجد أية اتفاقية حول المياه بين العراق وتركيا، إنما بروتوكولات غير ملزمة تم التوقيع عليها على مدى السنوات السابقة، و”هذا يعني أن المياه ستكون دائماً الخاصرة الأضعف في العلاقة العراقية- التركية عند حصول أية مشكلة”.
اقرأ أيضًا: إيران تحذو حذو تركيا وتشن حرب مياه على العراق
ديناميات معيقة
وفي ما يخص قضية حزب العمال الكردستاني، يعتقد قصارجيان أن الحكومة العراقية غير قادرة على إعلان حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية كما تطالب أنقرة، ذلك أن ديناميات السياسة الداخلية في العراق تحول دون ذلك.
ويشرح أن جزءاً من حزب العمال الكردستاني يشكل أحد أجنحة الحشد الشعبي في العراق، وبالتالي فإن إعلان “الكردستاني” إرهابياً يعني أنك تعتبر جزءاً من الحشد إرهابياً، وهذا يتعارض مع التركيبة الحكومية العراقية التي تعتبر الحشد جزءاً من وزارة الدفاع.
ويلفت قصارجيان إلى أمر آخر؛ وهو أن حزب العمال الكردستاني جزء من علاقة بغداد مع أربيل ومع طهران وأيضاً مع دمشق، واليوم مع الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا “إذن هو موضوع معقد جداً ولا يتعلق فقط بقرار حكومي أو برلماني، وبالتالي من المستبعد إعلان الحزب الكردستاني منظمة إرهابية”.

أوراق ضغط
يرى الخبير في الشأن التركي أن العراق يمتلك أكثر من ورقة ضغط على تركيا إن أراد استخدامها؛ على رأسها الورقة التجارية، فالميزان التجاري هو بالمطلق لصالح أنقرة، “تركيا هي المصدِّر رقم واحد للعراق، واستخدام هذه الورقة في هذه الظروف الاقتصادية التي تعانيها المنطقة والعالم؛ خصوصاً تركيا التي يعاني اقتصادها أزمة حادة على أبواب انتخابات رئاسية، قد يؤتي ثماره في موضوع المياه أو احترام سيادة العراق”.. لكن؛ هل يستخدم العراق هذه الورقة؟
يستبعد الخبير ذلك؛ “لأن قرار مقاطعة المنتجات التركية -كما فعلت دول الخليج بشكل غير رسمي مع تركيا- هو غير ممكن في العراق؛ لغياب التوافق. وكذلك استخدام ورقة الطاقة أو الشركات التركية العاملة في العراق.. كلها أوراق بيد العراق؛ لكنه غير قادر على تفعيلها في الوضع الحالي”، وفقاً لقصارجيان.