الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون دولية

السعي نحو القوة والمكانة… الإمارات عضواً في مجلس الأمن

كيوبوست – مروان البلوشي

تعود الإمارات إلى عضوية مجلس الأمن للمرة الثانية، بعد وجود أول لها في دورة 1986-1987. السياق التاريخي مختلف هذه المرة، كما أن الإمارات نفسها تغيرت؛ سلوكياتها في النظام الدولي لم تعد كما كانت، وحجم مصالحها ازداد، ودائرة أصدقائها وخصومها توسعت واختلفت. وعضوية مجلس الأمن تُتيح للدول الصغيرة والمتوسطة فرصةَ أن تراكم حصتها من غنائم نظام لا يعترف سوى بالقوة والإرادة لانتزاع المزيد والمزيد من القوة.

وعضوية مجلس الأمن مُصممة أصلاً لكي تخدم مصالح الدول الخمس دائمة العضوية فيه، هذه الدول الكبيرة تحصل على المساحة الكافية والمدعومة بامتيازاتٍ متعددة؛ كي: تتحاور في ما بينها وترطب أجواء العلاقات وتصل إلى حلول ومساومات تمنع انزلاقها نحو المواجهة المباشرة، المثال الأبرز الذي يتبادر إلى الذهن هو تبادل الآراء الذي دار في أروقة المجلس بين ممثلي أمريكا والاتحاد السوفييتي حول انتشار السلاح النووي، وهو الذي قاد لاحقاً لتوقيع اتفاقيات بين القوتَين العظميين، خففت من توترات وأنواء الحرب الباردة.

اقرأ أيضاً: الإمارات العربية المتحدة تستعد للاحتفال بعيد ميلادها الخمسين

الإمارات في 1987-1986 عاشت في عالمٍ يختلف كثيراً ويشبه كثيراً عالمنا الآن، ثمانينيات القرن الماضي شهدت تصدع ما كان يُسمى الأمن القومي العربي؛ لكن دون انهيار كامل له، وخلالها بدأ بحث الجمهوريات العربية عن عقد سياسي- اجتماعي جديد، وفي الثمانينيات أيضاً زاد الشد والجذب بين القوى الكبرى، وكانت مياه الخليج العربي شاهداً على مواجهات مستمرة بين واشنطن وطهران، والثمانينيات كانت الفترة التي نضجت فيها ترتيبات السلام بين القاهرة وتل أبيب.

الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي

ثم غابت الإمارات عن العضوية منذ ذاك الزمن الصاخب، وفي هذه الأثناء انهار الاتحاد السوفييتي وانتهت الحرب الباردة وتغيرت معادلات الأمن العربي والخليجي، وتعمق الوجود الأمريكي العسكري في الخليج بعد حرب تحرير الكويت، وتوسع اتصال إسرائيل بالعرب، وبدأ نجم الدوحة في الصعود إقليمياً، ثم بدأ الحديث الغربي في التسعينيات وزاد بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، واحتلال العراق 2003، عن تمكين الديمقراطية في العالم العربي، خلال كل هذه الفترة ظلت الإمارات مُحافظة على وضعية هادئة، وكان التركيز على بناء القوة الاقتصادية وتأسيس ومراكمة الكفاءة العسكرية وكان التركيز على بناء القوة الاقتصادية وتأسيس ومراكمة الكفاءة العسكرية التي قادتها ابوظبي، ثم أطلت علينا لحظة الربيع العربي، وهنا اتخذت الإمارات قراراً واعياً بأن تتحول من مجرد دولة صغيرة تراقب الأوضاع حولها بحذر وتتمنى السلامة والنأي بالذات عن نيران الإقليم، إلى لاعبٍ فعال وسريع الحركة يريد أن يحمي ويضاعف مصالحه، ويحفظ ما تبقى من الأمن العربي، ويبدأ بحذر بطرح رؤية جديدة سياسية ودينية وفكرية جديدة لمنطقتنا.

اقرأ أيضاً:  سفيرة الإمارات في ألمانيا: احتياطي الإمارات الهائل من النفط لن يدوم إلى الأبد

العالم في 2021 لم يعد كالعالم في الثمانينيات أو التسعينيات، من القرن الماضي، أو حتى كالعالم في 2011، المنافسة عادت بين القوى الكبرى، هذه المرة بين أمريكا والصين، أضف إلى ذلك أن موسكو تريد أن توسع بصمتها الجيوسياسية على حساب واشنطن، إذا أتيح لها ذلك بتكلفة رخيصة، وفي بيئة الفوضى المناسبة، وبريطانيا تبحث عن دور وثقل دولي لها بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وأن الأوروبيين أنفسهم يريدون صياغة أولويات دبلوماسية وأمنية جديدة مختلفة عن الماضي القريب، إذن نحن كلنا نعيش في مخاضٍ انتقالي غير واضح الملامح، وهنا في قلب الصراع والحيرة والفوضى والتحول، تحين الفرصة للإمارات كي تواصل ما بدأته منذ 2011.

مسبار الأمل أثناء إطلاقه من قاعدة تانيغاشيما الفضائية اليابانية في يوليو 2020- “ذا ناشيونال”

ومع دخول أبوظبي إلى هذا النادي الحصري، تبرز مجموعة أهداف وتحديات؛ ومنها: تسهيل الحوار بين أعضاء المجتمع الدولي في زمنٍ يتراجع فيه الحماس للعولمة السياسية والاقتصادية، ويشهد تعالياً للأصوات المطالبة بإغلاق الحدود، وتنخفض فيه مصداقية المنظمات الدولية لقاعٍ لم تبلغه سابقاً، وحتى ولو لم تُنجز الإمارات متطلبات هذا الهدف بالكامل، فإن القيام بالجهد بحد ذاته، والظهور بمظهر صانعة السلام العالمي، سيضاعف من رصيد قوتها الناعمة في المجتمع الدولي.

ومن الأهداف أيضاً، الاستخدام الحذر والمُقنن لرأسمال المال الدبلوماسي الذي تملكه أبوظبي في سبيل إعادة ترتيب البيت العربي، بشكلٍ يحفظ ما تبقى من دوله وحدوده، عبر طرح رؤية توافقية تمثل منطقتنا ككل، وتضم أكبر عدد ممكن من الشركاء والفرقاء الإقليميين والدوليين. التحدي الأكبر -الذي سيراقبه الكثيرون- سيكون في التعايش والتعامل مع التوتر المستمر الحاصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وآثاره ومضاعفاته التي ستنتقل إلى قاعات مجلس الأمن؛ ولكن هنا أيضاً تكمن فرصة نمو أخرى للإماراتيين. العرب والفلسطينيون ليسوا الفئة الوحيدة التي قد تستفيد من عضوية أبوظبي، هناك تجمعات في العالم الثالث مثل إفريقيا، تقريباً نصف اجتماعات مجلس الأمن و60% من وثائقه و70% من قراراته تتمحور حول شؤون الأفارقة، والقارة تمتلك 3 كراسٍ تشغلها النيجر وغانا والغابون، ولعل الاتحاد الإفريقي هو من أكثر المنظمات الإقليمية تواصلاً مع مجلس الأمن، وإفريقيا أرض واعدة للفرص والاستثمارات الاقتصادية، كما أنها ستمنح الخارجية الإماراتية فرصاً متعددة لتفعيل دبلوماسية الوساطة وحلحلة الصراعات، إذن ينبغي النظر إلى تعميق التعامل مع الأفارقة بوصفه فرصة واعدة، وليس عبئاً كما تراه الدول الغربية.

اقرأ أيضاً: ترحيب دولي بانضمام الإمارات إلى جهود مكافحة الإرهاب في إفريقيا

في نهاية اليوم هناك غاية واحدة كبرى تحرك عضوية الإمارات في هذا التجمع أو ذاك المجلس أو المنظمة؛ وهي مضاعفة المصلحة الوطنية، قبل أي شيء آخر، عبر زيادة قوتها ومكانتها من خلال استغلال كل فرصة سانحة لتحسين قدرات الدولة الاقتصادية والعسكرية وتطوير أداء مؤسسات الحكومة.. حفظ المصلحة والسعي الدؤوب نحو القوة والمكانة كفيلان بجعل الإمارات لاعباً إقليمياً له مساهمة مشهودة في عمارة النظام الدولي.

اتبعنا على تويتر من هنا

 

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مروان البلوشي

باحث إماراتي في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة إدنبرة.

مقالات ذات صلة