الواجهة الرئيسيةدراساتشؤون دوليةشؤون عربية
مستقبل الأوضاع في تونس بعد قرارات “سعيد” الاستثنائية

كيوبوست- أحمد سلطان♦
- ملخص:
تعيش الجمهورية التونسية على وقع أزمة سياسية ممتدة وصراع على السلطة، منذ فترة طويلة، وأدى هذا الصراع إلى تعقد الأوضاع الاقتصادية وإفشال جهود السلطة التنفيذية في الخروج بالبلاد من النفق المظلم.
وبعد أشهر طويلة من الشد والجذب بين الرئيس التونسي قيس سعيد، وحركة النهضة، الفرع التونسي لجماعة الإخوان، أقدم “سعيد” على اتخاذ إجراءات استثنائية وفقاً للفصل الـ80 من الدستور التونسي المقر في عام 2014؛ لضمان عدم انهيار الدولة التي تعاني وطأة تداعيات جائحة كورونا.
اقرأ أيضاً: تونس.. انقلاب على الشرعية أم تصحيح لمسار الثورة؟!
ويسعى تقدير الموقف الحالي لاستعراض الخلفيات والدوافع التي صاحبت قرار الرئيس التونسي، إضافةً إلى استشراف السيناريوهات المستقبلية المتوقعة خلال الفترة المقبلة.
- مقدمة:
عشية الاحتفال بعيد الجمهورية التونسية، في الـ25 من يوليو الجاري، أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد، سلسلة من الإجراءات/ التدابير الاستثنائية، استناداً إلى الفصل الـ80 من الدستور التونسي[1]، شملت تجميد مجلس نواب الشعب (البرلمان) ورفع الحصانة عن جميع أعضائه، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي، من منصبه، عقب موجة من التظاهرات التي شهدتها عدة مدن تونسية؛ احتجاجاً على الأوضاع الصعبة التي تعيشها البلاد خلال الفترة الحالية[2].

واستبق “سعيد” هذه الإجراءات بعقد اجتماع مع مسؤولين عسكريين وأمنيين بارزين، وأعلن، فور انتهائه، أنه سيتولى رئاسة السلطة التنفيذية في البلاد بمساعدة رئيس وزراء يختاره؛ لأن المسؤولية التي يتحملها توجب عليه حماية الدولة والمجتمع، محذراً من استعمال العنف لمحاولة تعطيل التدابير المعلنة بقوله: “مَن يطلق رصاصة واحدة ستجابهه قواتنا المسلحة العسكرية والأمنية بوابل من الرصاص الذي لا يعده إحصاء”.
وتبدو الإجراءات الرئاسية الأخيرة موجهة بشكل أساسي ضد حركة النهضة التونسية -تحوز نحو ربع مقاعد البرلمان التونسي (52 مقعداً من أصل 217)- والتي أعلن رئيسها ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، أن تلك القرارات بمثابة “انقلاب على الثورة”، معتبراً أن المؤسسات (المجمدة) ما زالت قائمة، وأن أنصاره سيدافعون عن الثورة، على حد تعبيره[3].
اقرأ أيضاً: قيس سعيد يرسم ملامح الجمهورية التونسية الثالثة
بيد أن تلك الإجراءات لم تدفع قوات الجيش والأمن التونسيين لاتخاذ أي تدابير خاصة/ استثنائية ضد حركة النهضة أو رموزها البارزين؛ بل إن أفراد الأمن استخدموا الغاز المسيل للدموع لتفريق تظاهرة مناهضة للحركة بالقرب من مقرها الرئيس في حي مونبليزير (شرق العاصمة تونس)، في الـ26 من يوليو الجاري[4].
ولعل الطريقة التي تعاملت بها قوات الأمن التونسية مع المحتجين تكشف عدم وجود استعداد كامل لدى أجهزة الدولة التونسية للدخول في صراع صفري مع حركة النهضة أو التضحية بها بشكل كامل، حتى الآن[5].

وعلى صعيدٍ متصل، طوَّقت قوات الجيش، عقب إعلان القرارات الرئاسية، مقر البرلمان التونسي، ومنعت راشد الغنوشي ونائبته سميرة الشواشي، وعدداً آخر من نواب حركة النهضة من الدخول إليه، وفي نفس الوقت تجوَّل الرئيس التونسي بشارع الحبيب بورقيبة -الذي شهد ذروة أحداث الاحتجاج على نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في 2011- والتقى حشود المواطنين الذين توافدوا إلى المنطقة للاحتفال بإقالة الحكومة وتجميد عمل البرلمان[6].
- تحركات وتحركات مضادة
وخلال اليوم التالي (26 يوليو)، دخل رئيس حركة النهضة في اعتصام أمام مقر البرلمان، بعد منعه من الدخول إليه، وحاول حشد أنصاره أمام البرلمان؛ لكنه اضطر إلى الانسحاب آخر اليوم بعد أن فشلت محاولته للحشد بالصورة المطلوبة، في مقابل وجود مكثف لأنصار الرئيس التونسي، في حين اجتمع المكتب التنفيذي للحركة، وأعلن إدانته قرارات قيس سعيد، مضيفاً أنه شكَّل “جبهة وطنية” لمواجهة الرئاسة التونسية[7].
اقرأ أيضاً: الغضب الشعبي التونسي يحرق “النهضة”
وعلى الجهة الأخرى، أصدر الرئيس التونسي قراراً بتعطيل العمل لمدة يومَين في عموم البلاد، وفرض حظراً للتجوال لمدة شهر، كما أعفى عدداً من المسؤولين البارزين من مناصبهم؛ من بينهم: وزير الدفاع ووزيرة العدل ووكيل الدولة العام، ومدير القضاء العسكري، والكاتب العام للحكومة، ومدير ديوان رئيس الحكومة[8].
ويكشف التدقيق في مسار الأحداث التي شهدتها تونس، خلال الأيام القليلة الماضية، عن وجود دعم كبير لقرارات الرئيس التونسي، وتآكل شعبية حركة النهضة التونسية؛ فعلى سبيل المثال حظي بيان قيس سعيد بتفاعل كبير عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، إذ شُوهد بيان الرئيس (حتى الـ28 من الشهر الجاري) نحو 5.1 مليون مرة، وأُعجب به نحو 256 ألف شخص[9]، بينما حظيت دعوة راشد الغنوشي لمواجهة قرارات “سعيد” بـ32 ألف إعجاب فقط، كما لُوحظ وجود تعليقات سلبية عديدة على منشوره[10].

ومع أنه لا يمكن الجزم بمصداقية التفاعلات الموجودة عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ خصوصاً مع وجود إمكانية للتلاعب بها عبر اللجان الإلكترونية، إلا أنها تأتي متسقة إلى حد كبير مع استطلاعات الرأي التي أُجريت مؤخراً في تونس، والتي تشير إلى وجود تأييدٍ كبير للرئيس قيس سعيد بنسبة تصل إلى 45.2%، في مقابل انخفاض تأييد حركة النهضة ليصل إلى 20.4% فقط[11]، وبالتالي يمكن افتراض صحة التفاعلات الإلكترونية الافتراضية إلى حدٍّ كبير؛ وهو ما يعطي لمحة عن حجم السخط الموجود تجاه حركة النهضة التي تسببت ممارساتها في جمود سياسي داخل البلاد، انعكس بدوره على الوضع الاقتصادي المتأزم في فترة حرجة من عمر الجمهورية التونسية.
- أبعد من مجرد خلاف سياسي
إلى ذلك، ترتبط الأزمة الراهنة في تونس، بشكل مباشر، بحالة الفشل الحكومي في إدارة أزمة جائحة كورونا في البلاد؛ خصوصاً في ظل الظروف الصعبة التي عاشتها البلاد، إذ سجلت تونس في الـ26 من الشهر الجاري أعلى معدل للإصابات منذ تفشي الجائحة في البلاد، في مارس 2020، وذكرت وزارة الصحة أنها سجلت 4 آلاف حالة إصابة جديدة، و90 حالة وفاة في غضون يوم واحد[12].
اقرأ أيضاً: كارثة تونس الصحية تتفاقم.. الإمارات والسعودية في مقدمة الداعمين
وفاقم الوضع الصحي الكارثي من حدة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد والتي لم تفلح معها إجراءات حكومة هشام المشيشي، لإنعاش الاقتصاد، في ظلِّ سعيها الحثيث للحصول على قرضٍ جديد من صندوق النقد الدولي بقيمة 4 مليارات دولار على 3 سنوات؛ للمساعدة في استقرار وضع ميزان المدفوعات، بعد اتساع عجز ميزان المعاملات الجارية إلى 7.1% من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي[13].
وسجلت تونس في العام الماضي (2020) انكماشاً اقتصادياً بلغت نسبته 8.8%، إضافةً إلى نسبة بطالة مرتفعة وصلت إلى حدود 17.5%[14].

غير أن الإجراءات الرئاسية لم تسهم في رفع حالة الثقة في الاقتصاد التونسي؛ بل ضاعفت مخاوف المقرضين الدوليين من مخاطر عدم الاستقرار الداخلي في البلاد، والذي من شأنه أن يقوض أية عملية إصلاح اقتصادي متوقع، وانعكست تلك المخاوف بشكل سريع على السندات الصادرة عن البنك المركزي والتي شهدت انخفاضاً، عقب التطورات الأخيرة[15].
- البحث عن مكانة ضمن المحاور الإقليمية المتناقضة
ومن جهةٍ أخرى، يكشف المسار الذي سلكته الأحداث، خلال الأيام الماضية، أن الأوضاع في تونس تتخطى حاجز الصراع السياسي الداخلي بين الرئيس التونسي وداعميه من ناحية، وحركة النهضة (الإخوان) وأنصارها من ناحيةٍ أخرى.
اقرأ أيضًا: بدرة قعلول لـ”كيوبوست”: الأمن التونسي أحبط محاولات خلق “رابعة” جديدة من الإخوان
ومع أن سياق الأحداث الأخيرة، مرتبط بشأن داخلي بحت/ ووضع سياسي واقتصادي متأزم، فإن ذلك لا يُخفي حقيقة أن الصراع السياسي الدائر حالياً مرتبط، في جوهره، بسعي الفرقاء السياسيين في البلاد لإيجاد مكان لهم ضمن محور إقليمي معين في لعبة الصراع الجيوسياسي الدائر، حالياً، لإعادة تشكيل الإقليم المضطرب.
وأبدى الرئيس قيس سعيّد، سابقاً، انحيازاً للمحور المصري- الإماراتي- السعودي؛ خصوصاً خلال الفترة الماضية التي شهدت زيارته إلى القاهرة، ولقاءه نظيره المصري عبدالفتاح السيسي، واستقباله وزير الخارجية السعودي، فضلاً عن ثناء الرئاسة التونسية على الدعم الذي قدمته دولة الإمارات لمواجهة تداعيات جائحة كورونا[16].

ومن جانبه، عمل رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، على جذب بلاده لتقارب أكبر مع المحور التركي- القطري، محاولاً فرض هذا الاتجاه على أجندة السياسة الخارجية لبلاده عبر لعب دور موازٍ لدور وزير الخارجية، من خلال الزيارات والاتصالات الخارجية بأنقرة والدوحة وحلفائهم الإقليميين في دولة ليبيا المجاورة[17].
وبنظرةٍ تحليلية إلى ردود الأفعال التي أبداها الفواعل الدوليون، منذ إعلان الإجراءات الرئاسية الأخيرة، يتبين أن الدول الكبرى -وفي مقدمتها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي- تخشى من خروج الأوضاع داخل تونس عن السيطرة؛ لذا أكدت ضرورة الحفاظ على حالة الاستقرار والهدوء الداخلي، وعدم الانزلاق نحو العنف[18].
شاهد: فيديوغراف.. الإمارات توفر 500 ألف جرعة لقاح لتونس
ومن الواضح أن طرفَي الأزمة في تونس يسعيان لحشد الدعم والتأييد الخارجي والاستفادة منه للتوصل إلى تفاهم مقبول لجميع الأطراف، دون السعي لتصعيدٍ غير مضمون النتائج، وربما كان هذا الدافع يقف وراء سلسلة الاتصالات التي أجراها وزير الخارجية السيد عثمان الجرندي، بناءً على تكليف من الرئيس التونسي مع وزراء خارجية مصر والسعودية والكويت، إضافة إلى تركيا التي انحازت منذ البداية لجانب حركة النهضة، وأعلنت رفضها الإجراءات الأخيرة[19].
- سيناريوهات المستقبل
ويتبين من العرض السابق، أن تونس تعيش في الوقت الراهن أزمة معقدة تتداخل فيها عوامل عدة؛ (سياسية، واقتصادية، ودستورية.. إلخ)، في ظلِّ تعدد الخصوم السياسيين، وهشاشة المشهد النيابي الذي سقط على محك الأزمات الكبرى التي تعيشها البلاد.

وفي حين استغل الرئيس قيس سعيد، انقسام الخصوم السياسيين للتعجيل بإجراءاته الاستثنائية، والتي كانت متوقعة منذ وقتٍ طويل[20]، فإنه لم يتمكن من استبعاد خصومه من المشهد أو حسم الأمور لصالحه بشكل كامل حتى الآن، في ظلِّ حالة حياد إيجابي من قوى مؤثرة في المشهد التونسي؛ أبرزها الاتحاد التونسي للشغل، الذي يمثل المركزية النقابية في البلاد، والمؤسسة العسكرية التي لا ترغب في الاضطلاع بدورٍ سياسي، كما تشير المواقف السابقة لها[21].
وبناءً على المعطيات السابقة، يمكن رسم 3 مساراتٍ مستقبلية للأزمة الحالية في تونس:
أولاً: الحل التوافقي
بالنظر إلى التطورات التي شهدتها الساحة التونسية، خلال الأيام الثلاثة الماضية، يمكن استنتاج أن الأمور تتجه نحو حلٍّ توافقي تُقدم فيه جميع الأطراف على التراجع خطوة للخلف، والتوصل إلى حل توافقي يحفظ للفرقاء السياسيين جزءاً من مكانتهم الحالية.
اقرأ أيضاً: بعد التعدي على برلمانية.. إسلاميو تونس يلطخون الحياة السياسية
ويبدو الرئيس التونسي مقتنعاً بأن الأمور ستؤول في نهاية المطاف إلى هذا الحل؛ لذا يستبقه بسلسلةٍ من الإجراءات الرامية لتعظيم مكاسبه إلى أكبر قدر ممكن في مقابل تقليص مكاسب خصومه من حركة النهضة، وفي هذا الإطار يمكن فهم قرارات الإقالة التي أصدرها لعدد من المسؤولين البارزين خلال الساعات الماضية، والتي تهدف إلى استبعاد المسؤولين المعارضين له، والمؤيدين لحركة النهضة.

ومن المتوقع أن يتمسك الرئيس التونسي بالمكاسب التي حققها، خلال الأزمة الحالية؛ ومن بينها حق اختيار رئيس الوزراء القادم، وزيادة صلاحياته التي حازها، فضلاً عن أنه سيتمكن من فرض رؤيته وأجندته الخاصة على أية مائدة حوار وطني متوقع خلال الفترة المقبلة، وكذلك ستكون له اليد العليا في أي اتفاق مستقبلي لتشكيل المحكمة الدستورية، المنصوص عليها في دستور 2014، ولعلّ لقاءه رئيسَ مجلس القضاء الأعلى التونسي خطوة ضمن ترتيبات حالية تجري في هذا الصدد.
اقرأ أيضاً: كتل برلمانية تقاطع مجلس الشعب التونسي بسبب سياسة الغنوشي
ومن جانبها، ستسعى حركة النهضة إلى اتفاقٍ يحفظ لها ماء وجهها، دون التورط في تصعيدٍ غير محسوب؛ خصوصاً أن قدرتها على الحشد، والتي تعول عليها بشكل كبير، انكشفت خلال الأزمة، وبدت الحركة كأسد عجوز يصارع تقلبات الزمن، وتشتت شمل الأنصار؛ لذا فإن الحركة ستقبل بالانتخابات المبكرة، حال طُرحت كخيار، ولن تسعى للاستئثار بأغلبية في البرلمان المقبل (على فرض كان بمقدورها ذلك)؛ خصوصاً بعد التجربة الحالية، وستعمل الحركة على استغلال أية ثغرة متاحة لكسب نفوذٍ إضافي مستقبلاً.
وفي هذا السياق، يُتوقع أن تلعب الدول الإقليمية الفاعلة دوراً بارزاً في إطار السعي للتوصل إلى اتفاق بين الأطراف التونسية، وستحاول تركيا بالتأكيد دعم حلفائها (حركة النهضة) وإيجاد صيغة تسمح لها بلعب دور أكبر في البلاد، ولو في شكل وسيط مرحلي بين الرئيس والبرلمان.

ثانياً: بقاء الوضع على ما هو عليه
في حال فشلت الأطراف السياسية التونسية، ومن خلفها الدول الإقليمية، في التوصل إلى اتفاقٍ مُرضٍ لجميع الأطراف؛ فقد تستمر الأزمة الحالية لفترةٍ من الوقت، ويبدو هذا السيناريو ثاني السيناريوهات ترجيحاً خلف “الحل التوافقي”.
غير أن الواقع الحالي والمتأزم في تونس، سيدفع الفرقاء السياسيين إلى العمل على إيجاد تسوية عاجلة للأزمة؛ حتى لا يظهر أي منهم في صورة المستثمر في الأزمة التي يعانيها الشعب التونسي؛ خصوصاً أن هذا سيهدد بخسارة شعبية ستؤثر بلا شك على المستقبل السياسي لأي طرف يسهم في استمرار الأزمة.
اقرأ أيضاً: عبير موسى تحاصر حركة النهضة التونسية وتفضح تزويرها
ثالثاً: تعقد الأزمة والاتجاه نحو العسكرة
أشارت وسائل إعلام عربية إلى أن جماعة الإخوان تُعد نفسها لحالة صدام عسكري متوقع، في حال تعقدت الأزمة الحالية[22] وفشلت محاولات إنقاذ ذراعها التونسية (حركة النهضة)[23]، وتعزَّز هذا الطرح بعد دعوة قادة بارزين بجماعة الإخوان -في مقدمتهم محمد منتصر المتحدث الرسمي السابق باسم الجماعة، وأحمد رامي الحوفي القيادي بحزب الحرية والعدالة، ذراع الإخوان السياسية، المنحل في مصر[24]-.
والطرح السابق يلقى بعض الرواج، حالياً، وتجري المقاربة بينه وبين سلوك جماعة الإخوان العنيف الذي انتهجته عقب الإطاحة بها من الحكم في مصر (يوليو 2013)، إلا أنه يبقى سيناريو غير مرجح وغير متوقع في الحالة التونسية؛ لجملةٍ من الأسباب، منها: طبيعة النخبة القيادية في “النهضة” التي تعتبر أكثر براجماتية من نظيرتها الإخوانية المصرية، والتكلفة العالية للانخراط في أي عمل عنيف، والتي ستؤدي إلى وصم الحركة التونسية، التي تسعى لتقديم نفسها في ثوبٍ “ليبرالي”، وطبيعة المؤسسة العسكرية التونسية التي لم تنخرط حتى الآن في الشقاق السياسي الحاصل، فضلاً عن الأوضاع الإقليمية والدولية ورغبة الدول الفاعلة في الحفاظ على كيان الدولة التونسية من الانهيار، وعدم استعداد أي من الأطراف لتحمل كلفة سقوط الدولة في تلك الفترة الحرجة.

- خاتمة:
تمر تونس بمرحلة مخاضٍ عسير نتج عن حالة من الجمود السياسي والصراع بين الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء، ورئاسة البرلمان)، ومع أن الرئيس قيس سعيد فاجأ أطرافاً عديدة بلجوئه إلى اتخاذ إجراءاتٍ دستورية استثنائية؛ فإن هذا لم يعالج جذور الأزمة الراهنة، وإن ألقى حجراً كبيراً في بركة الجمود والتعنت التي ملأتها حركة النهضة بصورة متدرجة على مدار العقد الماضي.
وأسهم في تعزيز موقف الرئيس التونسي قيس سعيد، وجود ضغط في الشارع التونسي وتأييد لصالح قراراته، وهو الضغط الناتج من وضع اقتصادي صعب وحالة سخط على ممارسات حركة النهضة الإخوانية، فضلاً عن وجود دعم ضمني من المؤسسة الأمنية التونسية لـ”سعيد”.
اقرأ أيضاً: تهديد الغنوشي بالاغتيال.. هل ينطلي على التونسيين؟
وظهرت حركة النهضة، في غضون الأيام الماضية، وهي تعاني بشكلٍ واضح، كما فشلت في حشد الجماهير بالصورة المطلوبة؛ للضغط على الرئاسة التونسية، غير أنها لم تبدِ نهجاً عدوانياً بالصورة التي كانت متوقعة، رغم تراجع مكانتها التي حازتها وعملت على الحفاظ عليها منذ رحيل الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، في عام 2011.
ورغم أن المتغيرات الميدانية لا تصبُّ في مصلحة حركة النهضة؛ فإن المعطيات الحالية تُشير إلى أن قيس سعيد يسعى لحلٍّ توافقي يضمن به تعظيم مكاسبه لأكبر قدرٍ، وتقليل المخاطرة إلى أقلّ قدرٍ ممكن، وربما كان هذا الدافع الكامن وراء عدم تعامل مؤسسات السلطة التنفيذية (بما فيها المؤسسة الأمنية) بصورة شرسة مع حركة النهضة وممثليها، خلال الأيام الماضية.
ومن المؤكد أن الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة إلى مستقبل الوضع في البلاد، بينما تتسارع التفاعلات والجهود المحلية والإقليمية، للتوصل إلى اتفاقٍ يضمن عدم انهيار الجمهورية التونسية المأزومة منذ سنوات.
♦باحث مصري
لقراءة الموضوع PDF: السعي نحو التفاهمات
[1] ينص الفصل الـ80 من الدستور التونسي على: “لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويعلن عن التدابير في بيان إلى الشعب، ويجب أن تهدف هذه التدابير إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال، ويُعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب، كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة، وبعد مضيّ ثلاثين يوماً على سريان هذه التدابير، وفي كل وقت بعد ذلك، يعهد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو ثلاثين من أعضائه البتُّ في استمرار الحالة الاستثنائية من عدمه.. وتصرح المحكمة بقرارها علانية في أجل أقصاه خمسة عشر يوماً.. ويُنهى العمل بتلك التدابير بزوال أسبابها. ويوجه رئيس الجمهورية بياناً في ذلك إلى الشعب”، وللمزيد يمكن الاطلاع على الدستور التونسي عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/yczdv686.
[2] تونس: الرئيس قيس سعيد يقيل رئيس الوزراء ويجمد البرلمان والغنوشي يتهمه بالانقلاب، موقع “بي بي سي عربي”، 25- 7- 2021، تمت مطالعته بتاريخ 27- 7- 2021، ويمكن الاطلاع عليه عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/35srhdv8.
[3] الغنوشي يتهم الرئيس التونسي “بالانقلاب على الثورة والدستور”، موقع “روسيا اليوم”، 25- 7- 2021، تمت مطالعته بتاريخ 27- 7- 2021، ويمكن الاطلاع عليه عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/kfzzrrb4.
[4] Police using teargas not far from Ennahdha headquarters in Montplaisir, twitter, 26- 7- 2021, available at: https://tinyurl.com/y7vjhk26.
[5] ترددت شائعات عن اعتقال رئيس الوزراء هشام المشيشي، ومنع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي من السفر، غير أن تلك الأنباء تم نفيها لاحقاً، وللمزيد يمكن مطالعة الرابط التالي: https://tinyurl.com/58xn4fz3.
[6] الجيش التونسي يطوق البرلمان ويمنع الغنوشي من دخوله، “إندبندنت عربية”، 26- 7- 2021، تمت مطالعته بتاريخ 27- 7- 2021، ويمكن الاطلاع عليه عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/3cuvc4sd.
[7] تونس: المكتب التنفيذي لحركة النهضة: ما قام به الرئيس قيس سعيّد يمثل انقلاباً على الدستور والمؤسسات، موقع “سي إن إن”، تمت مطالعته بتاريخ 27- 7- 2021، ويمكن الاطلاع عليه عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/5yfxavf4.
[8] إقالة عدد من كبار المسؤولين في تونس.. سعيد يصدر أوامر رئاسية جديدة، موقع “الحرة”، 28- 7- 2021، تمت مطالعته بتاريخ 28- 7- 2021، ويمكن الاطلاع عليه عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/b4h5zchs.
[9] رئيس الجمهورية يترأس اجتماعاً طارئاً للقيادات العسكرية والأمنية، الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية التونسية على موقع “فيسبوك”، 25- 7- 2021، تمت مطالعته بتاريخ 28- 7- 2021، ويمكن الاطلاع عليه عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/bx6xwurr.
[10] الغنوشي يدعو للانضمام إلى اعتصامه أمام البرلمان، الصفحة الرسمية لراشد الغنوشي، موقع “فيسبوك”، 26- 7- 2021، تمت مطالعته بتاريخ 28- 7- 2021، ويمكن الاطلاع عليه عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/ypjhf2xe.
[11] استطلاع: التونسيون يفضلون قيس سعيد وعبير موسى، موقع “سكاي نيوز عربية”، 15- 4- 2021، تمت مطالعته بتاريخ 28- 7- 2021، ويمكن الاطلاع عليه عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/r6hespbh.
[12] تونس: مَن المسؤول عن تحول تفشي كورونا في البلاد إلى “كارثي”؟ “بي بي سي عربي”، 27- 7- 2021، تمت مطالعته بتاريخ 28- 7- 2021، ويمكن الاطلاع عليه عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/yz942smv.
[13] Tunisia. Government Raises Consumer Prices to “Appease” IMF, Some Claim, nawaat.org, 8- 7- 2021, available at: https://tinyurl.com/26vday3.
[14] هل تثير الأزمة الاقتصادية في تونس مخاوف المقرضين الدوليين؟ “إندبندنت عربية”، 26- 7- 2021، تمت مطالعته بتاريخ 27- 7- 2021، ويمكن الاطلاع عليه عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/ytyhb5yj.
[15] انخفاض حاد في سندات تونس الخارجية بعد تصعيد الأزمة السياسية، “العربية. نت”، 26- 7- 2021، تمت مطالعته بتاريخ 27- 7- 2021، ويمكن الاطلاع عليه عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/nj6um22k.
[16] “شكراً الإمارات”.. احتفاء تونسي بالدعم المقدم من أبوظبي لتجاوز “محنة كورونا”، “العين الإخبارية”، 15 – 7- 2021، تمت مطالعته بتاريخ 28- 7- 2021، ويمكن الاطلاع عليه عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/ksrfr9j2.
[17] لمدة يومين.. الغنوشي في قطر بصفته “الشخصية والحزبية”، “العين الإخبارية”، 6 – 5- 2021، تمت مطالعته بتاريخ 28- 7- 2021، ويمكن الاطلاع عليه عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/fkw8wdmc.
[18] ردود الفعل على الأزمة في تونس.. بين القلق والترقب والإدانة! موقع “دويتشه فيله”، 26 – 6- 2021، تمت مطالعته بتاريخ 28- 7- 2021، ويمكن الاطلاع عليه عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/wv9x9ft5.
[19] الرئاسة والخارجية والبرلمان في تركيا يعتبرون ما جرى في تونس “انقلاباً على الدستور”، “القدس العربي”، 26- 6- 2021، تمت مطالعته بتاريخ 28- 7- 2021، ويمكن الاطلاع عليه عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/ynk6bud8.
[20] أحمد نظيف، ما قبل الانزلاق: هل يمثل تغيير “النظام الهجين” حلاً لأزمة تونس؟، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 29- 6- 2021، تمت مطالعته بتاريخ 28- 7- 2021، ويمكن الاطلاع عليه عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/57jpwdk9.
[21] الاتحاد التونسي للشغل يطالب قيس سعيّد بضبط جدول زمني لـ”الإجراءات الاستثنائية” دون إدانة خطوته، “فرانس 24″، 26- 7- 2021، تمت مطالعته بتاريخ 28- 7- 2021، ويمكن الاطلاع عليه عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/3sy8rejs.
[22] عقب قرارات سعيّد.. ميليشيات إخوانية ليبية تتجه نحو حدود تونس، “سكاي نيوز عربية”، 26- 7- 2021، تمت مطالعته بتاريخ 28- 7- 2021، ويمكن الاطلاع عليه عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/bp4auf5k.
[23] تظاهرات وحشد وانتزاع إدانات غربية.. خطط الإخوان تجاه تونس، “العربية. نت”، 26- 7- 2021، تمت مطالعته بتاريخ 28- 7- 2021، ويمكن الاطلاع عليه عبر الرابط التالي: https://tinyurl.com/hzdx7men.
[24] دعا محمد منتصر صراحة إلى انتهاج العنف في مواجهة الرئاسة التونسية، وحرض أحمد رامي الحوفي على اغتيال الرئيس التونسي بمشاركة صورة ضابط الصف التركي عمر دمير خالص، الذي أقدم على اغتيال الجنرال سميح ترزي؛ لمنعه من السيطرة على قيادة القوات الخاصة بأنقرة إبان محاولة الانقلاب على الرئيس التركي الحالي رجب أردوغان، في عام 2016، وللمزيد يمكن الاطلاع على الرابط التالي: https://tinyurl.com/tzjeshvy.