الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون دوليةشؤون عربية
السعودية وإيران.. مساعٍ صعبة لعالم مختلف

كيوبوست- منير بن وبر
يؤكد لقاء وزيرَي خارجية السعودية وإيران، الخميس، والذي جاء بعد سنوات من القطيعة، مزيداً من الرغبة الإقليمية نحو تبني سياسات خارجية قائمة على العلاقات الدبلوماسية الفعالة والشراكات الاستراتيجية؛ كضرورة لا غنى عنها لتحقيق النمو والازدهار والاستقرار، وهو سلوك تنتهجه عادةً الدول متوسطة القوة أو المهيمنة إقليماً، حتى مع وجود تباينات في المعايير أو القيم بينها.
وعلى الرغم من أن المرحلة التالية القريبة في العلاقات السعودية- الإيرانية، وفقاً للبيان المشترك، ستكون على الأرجح متمحورة حول إعادة فتح السفارات وتيسير الزيارات؛ فإنه لا يبدو أن وقتاً طويلاً سيمضي قبل أن يشهد البلدان خطوات أكثر عمقاً، مثل التفعيل العملي الكامل لاتفاقية سنة 2001 بشأن التعاون الأمني بين البلدَين، واتفاقية سنة 1998 للتعاون في مجال التجارة والتقنية. وبلا شك، سيكون التطبيق العملي لتلك الاتفاقيات، وتطبيع العلاقات الدبلوماسية، وبحث المزيد من سبل التعاون الأمني والاقتصادي، دليلاً على صدق النيَّات؛ ليس بين طهران والرياض فحسب، بل مع المنطقة بكاملها.
اقرأ أيضاً: عودة العلاقات السعودية الإيرانية
وفي حين أن التقارب بين السعودية وإيران يُنظر إليه غالباً من زاوية المساعي الصينية لتوسيع هيمنتها ومنافسة الولايات المتحدة، وكذلك نية واشنطن تقليل تركيزها على منطقة الشرق الأوسط، وهي مزاعم لا يمكن إنكارها؛ إلا أن إنجازات السياسات السعودية والإيرانية، مؤخراً، تأتي كامتداد أيضاً لتحول تلك الدول نحو تبني المزيد من سمات الدول متوسطة القوة في سياساتها الخارجية؛ حيث تسعى مثل هذه الدول -عادةً- إلى متابعة مصالحها الوطنية بطريقة واقعية وعقلانية.
التركيز على التحالفات
لا تمتلك القوى المتوسطة الموارد التي تمتلكها القوى الكبرى؛ مثل الولايات المتحدة والصين، لذلك لا تتحمل هذه الدول تبعات الصراعات التي يمكنها بسهولة تدمير إنجازاتها التي راكمتها على مر السنين، وتبديد طموحاتها المستقبلية المدفوعة بمزاياها الاقتصادية الفريدة ومواردها. لذلك، يمثل بناء التحالفات والشراكات مع الدول الأخرى سمة أساسية للدول متوسطة القوة؛ مثل السعودية وإيران.
وفي حين أن الدول الكبرى، أو الليبرالية، يمكن أن تكون انتقائية للغاية في ما يتعلق بشراكاتها، وعادة ما تميل إلى الدول المماثلة لها في التفكير والتي تشترك معها في القيم والمعايير؛ إلا أن التشبث بهذا النهج محفوف بالمخاطر عند تبنيه من قِبل الدول المتوسطة دون مراعاة العوامل الجيوسياسية الأخرى، ففي النهاية، تحتاج هذه الدول إلى جِوار مسالم ومستقر ومتعاون؛ لمواصلة تحقيق طموحاتها الاقتصادية وصعود السلم العالمي.

اليوم، وربما أكثر من أي وقت مضى، باتت الرياض تدرك أن اختلافها العقائدي الجوهري مع طهران ينبغي ألا يعيقها عن مواصلة طموحاتها الاقتصادية، كما أدركت طهران أخيراً أن سلوكها المزعزع للمنطقة سيمنعها حقاً من الاستفادة من قوتها الكامنة في احتياطاتها النفطية الهائلة، ومساحتها الكبيرة وموقعها المهم، ناهيك بعدد سكانها الكبير والفتي.
توازنات واختبارات صعبة
يعد الشرق الأوسط من أكثر المناطق أهمية من الناحية الاستراتيجية في العالم؛ بفضل هيمنته على بعض من أكبر احتياطيات النفط والغاز في العالم، وكونه مفترقَ طرق تجارياً بين أوروبا وإفريقيا وآسيا. إضافة إلى ذلك، تُعد المنطقة سوقاً عالمية رئيسية، ووجهة مهمة للاستثمار الأجنبي، ناهيك بكونها مركزاً دينياً لا مثيل له. كل ذلك يجعل من بلدان المنطقة جائزة استراتيجية رئيسية لأية دولة أو قوة تسعى للتأثير على المسرح العالمي، كما يغذي في دول المنطقة الطموحَ للريادة العالمية؛ وهو ما يجبرها على اتخاذ سياسة موازنة علاقات معقدة وصعبة.
اقرأ أيضًا: أسئلة حول الاتفاق السعودي- الإيراني
لتحقيق طموحاتها، تسعى دول الخليج العربي، كالسعودية والإمارات تحديداً، إلى تعزيز مصالحها وقيمها، بينما تدير أيضاً العلاقات مع القوى الكبرى؛ وهي مناورة موازنة صعبة، حيث قد يكون للقوى الكبرى مصالح متضاربة معها؛ مما يعقد علاقاتها الخارجية ويدفعها إلى التعددية. وذلك يعني ضرورة الاستثمار في التحالفات والشراكات والاستعداد لهما، وتجميع الموارد، واستخدام فن الحكم الاقتصادي كأداة للسياسة الخارجية، وهو ما يمكن أن يشمل كل شيء من المساعدة الإنمائية إلى الصفقات التجارية.
نهج آخر لا يقل أهمية أيضاً هو التركيز بشدة على الدبلوماسية؛ بما يُسهم في تجنب الصراع وبناء علاقات بنّاءة ومزدهرة مع الدول الأخرى. يُعد كل من العلاقات الدبلوماسية المزدهرة والشراكات الاستراتيجية وسيلة لتعويض المزايا التي تتمتع بها القوى العظمى وموازنتها، ورافعة لتحقيق الاستقرار الذي يسمح لها بمتابعة طموحاتها، والتركيز على رؤاها المستقبلية بدلاً عن إهدار الوقت والموارد في النزاعات.

إن تجاهل التعاون بين إيران وجيرانها على الضفة الأخرى من الخليج يقلل من فعالية أي حل للعديد من قضايا المنطقة الحساسة، ويقوض نمو المنطقة ذات الإمكانات الفريدة. لقد مرت عقود من العلاقات المتقلبة بين السعودية وإيران، لم تحظَ خلالها الدولتان بالتقارب النسبي سوى لبعض الوقت فحسب، وفي بعض الأحيان، ألقى التوتر بينهما بظلاله على دول المنطقة. ومع ذلك، لا يعني أن القطار قد فات، فطوال ذلك الوقت كانت تتشكل أيضاً رؤى وإمكانات وقيادات وعوامل جديدة أسهمت في خلق لحظات الحاضر، والأيام وحدها كفيلة بإثبات أن دول المنطقة عازمة على تحقيق التطلعات بالفعل، والارتقاء أكثر في سلم المسرح العالمي المتكشف عن عالم آخر تماماً.