الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون خليجيةشؤون عربية
السعودية: المناهج الدراسية ترتدي حلّة جديدة لنبذ التطرف
دمج لحصص القرآن والدراسات الإسلامية وخيارات أوسع في الفلسفة والفنون من أبرز التعديلات التي طالت المقررات السعودية

كيوبوست
مع بداية العام الدراسي الجديد في السعودية، الأحد الماضي، بدأت المملكة في تطبيق الجزء الثاني من خطة تطوير المناهج الدراسية والتي تضمنت دمج مواد الدراسات الإسلامية مع مادة القرآن الكريم في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، تحت مسمى “القرآن الكريم والدراسات الإسلامية”، مع تقليص مجموع حصصها من ٣٤ حصة في المرحلة المتوسطة إلى ١٥ حصة أسبوعية، وكذلك تقليص عدد حصصها في المرحلة الابتدائية من ٣٨ حصة إلى ٣٠ حصة أسبوعية، كما تم اعتماد تدريس مادة “المعرفة المالية” في السنة الأولى المشتركة في نظام المسارات للمرحلة الثانوية.
وأعلنت وزارة التربية والتعليم بالمملكة أن تطوير الخطط الدراسية جاء بما يتناسب مع العمل وفق نظام الفصول الدراسية الثلاثة الذي بدأ تطبيقه العام الماضي، في وقتٍ تتزامن فيه عملية دمج المقررات وإعادة النظر في المناهج الدراسية مع عملية تطوير موسعة، تضمنت حذف وإضافة العديد من الموضوعات وإعادة النظر ببعض المصطلحات المستخدمة داخل تلك المناهج.

وتوسعت المناهج السعودية في تضمين الفنون المختلفة، لاسيما الموسيقى والسينما، مع تدريسها بمراحل دراسية مختلفة، كما زادت فيه الحصص والفترات الدراسية المخصصة لهذه المواد، بالتزامن مع وجود فعاليات فنية مختلفة بالمملكة، وزيادة الابتعاث في دراسات الفنون للسعوديين، خلال الفترة الأخيرة بالجامعات الأوروبية والأمريكية.
وكانت السعودية قد أدخلت دراسة الفلسفة خلال الفترة الأخيرة ضمن المقررات الدراسية لطلبة الثانوية، بالإضافة إلى دراستها بالمناهج الجامعية من خلال التوسع بمناهج التفكير النقدي بالجامعات، في خطوة جاءت بعد سنوات كانت دراسة الفلسفة فيها من المحرمات في وقت انعكس إقرارها بالمدارس والجامعات على الاهتمام بالكتابات الفلسفية لدى السعوديين وتقديم إسهامات أكبر فيها.

خطوة على الطريق الصحيح
تتضمن المناهج السعودية تغييراتٍ تعبِّر عن الإشكاليات التي تواجه المجتمع، بحسب الكاتب والباحث السعودي محمد بن الشيخ، الذي يقول لـ”كيوبوست”، إن العلوم بمختلف أنواعها متداخلة، وليس من الصحيح أن يدرس الطالب كل علم بكتاب مستقل، فهذا الأمر ينهك الطالب فكرياً وثقافياً ونفسياً، وينهك العملية التعليمية أيضاً بشكلٍ واضح، ومن ثم فإن هناك ضرورة لإحداث موازنة بين المواد ودمج بعضها البعض بما يحقق فائدة أكبر للطالب وللمسار التعليمي.

وأضاف أن مواد الدين لا تقل أهمية عن المواد الاجتماعية، والعلم والدين ممارسة وعبادة وليس تلقيناً، فهي عملية كيفية وليست مادية، خاصة مع التغيرات الكبيرة التي حدثت في السنوات الماضية، فالتعليم لم يعد مقصوراً على المناهج الدراسية، والطالب يدخل المدرسة اليوم ولديه خلفية عن أمور كثيرة من مواقع التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة التي يستخدمها، ومن ثمّ فإن المدرسة تحولت إلى مصدر من مصادر التعلم، وليست المصدر الوحيد، كما كانت من قبل.
يدعم هذا الرأي الكاتب والمحلل السعودي خالد العضاض الذي يقول لـ”كيوبوست” إن الطفل السعودي لا يعتمد كثيراً على المناهج الدراسية لتعلم أصول دينه، فهو يبدأ التدريب على الصلاة والوضوء والأمور الأساسية في المعارف الإيمانية قبل دخول المدرسة، فالدين بطبعه يؤخذ بالتلقي والتلقين أكثر من التعلم والدراسة، والأسر السعودية تربي أبناءها على الدين والفضائل قبل الدخول للمدرسة، مشيراً إلى أن الفتيات والفتيان لا يكلفون وجوباً بأمور الدين إلا بعد تجاوز المرحلة المتوسطة في الغالب الأعم، وما قبل ذلك فكل أمور الدين في حقهم ليست واجبة، ولا يُحاسب على الإهمال أو التقصير فيها مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية التربية عليها منذ الصغر.
لا يعتقد العضاض أن تكثيف مناهج الدين كما كانت في السابق مناسبة من الناحية التربوية والمنهجية، مشيراً إلى أن صانعي المناهج في وزارة التعليم السعودية على قدر عالٍ من المهنية والاحترافية والخبرة العلمية والعملية، بما يمكنهم من معرفة القدر المناسب لكل مرحلة من المواد العلمية المعرفية، والعملية التفاعلية، وهو ما انعكس على القفزات النوعية المدهشة التي حدثت بالمناهج، ولا أدل عليها من مناهج العلوم والرياضيات الجديدة التي أُعلن عن دخولها لمراحل التعليم المختلفة تباعاً.
اقرأ أيضًا: الكتب المدرسية السعودية تتخلى عن المحتوى المتشدد
اجتثاث التطرف
وبدأت وزارة التربية والتعليم إعادة نظر في المناهج الدراسية قبل عدة سنوات، بخطةٍ كان هدفها المعلن معالجة “القصور في المناهج” و”اجتثاث جذور الفكر الضال، بهدف حماية الفكر والوطن”، فيما تضمنت الخطة تحديث الخطط الدراسية، وزيادة عدد الحصص المخصصة للعلوم والرياضيات والتقنية الرقمية، والمهارات اللغوية، مع استمرار الاهتمام بمناهج الهوية الوطنية، بدون مبالغة أو حشو أو تكرار غير مبرر.
يقول ابن الشيخ إن المواد الشرعية ليست تلقينية كي يحفظها الأطفال في المدارس، ولكنها ممارسات يومية، وبالتالي فإن العملية التعليمية التي أصبحت متعددة المواقع يجب أن تكون جزءاً من أماكن ممارسة ما تتم دراسته، ولا تكون المدرسة لمجرد التلقين، وهو الأمر الذي بات التوجه إليه اليوم بشكلٍ رئيسي.

ويشير خالد العضاض إلى أن النشءَ السعودي اليوم بحاجة ماسة إلى ما لا يمكن تعلمه، أو الإلمام بأصول ومبادئه خارج مقاعد الدارسة، فالمعرفة المالية مثلاً تحتاج إلى جهد ووقت لتعلمها، سواء بالتجربة أو بالتخصص، وإقرارها في التعليم العام سيكون له نتائج ممتازة، وربما تكون تهيئة مناسبةً لمحاسبين نابغين في المستقبل، أو رجال أعمال ومال كبار في المستقبل، وهو الأمر الذي يحتاجه الوطن والمجتمع.
ويقول ابن الشيخ إن إدخال المعرفة المالية للمناهج الدراسية أمرٌ ليس مقصوداً به الطلاب فقط، ولكنه أمر سينعكس على عائلاتهم وأسرهم، لأن الطلاب مع دراستهم لهذه المواد سيكون لديهم قدرة على الفهم والنقاش مع الأسرة في أمورٍ مالية مرتبطة بعملية الإنفاق، وهو أمر سيكون له تأثير اجتماعي كبير على المدى المتوسط والبعيد.
اقرأ أيضًا: السعودية تسعى لأن تصبح مركزاً ثقافياً
تقبل المجتمع
ثمة ضرورة لتحقيق تكاملية بين مدخلات التعليم العام والجامعي وسوق العمل، بحسب أستاذ علم الاجتماع في جامعة نايف العربية د.عبدالرحمن الشقير الذي يقول لـ”كيوبوست” إن هناك ضرورة لإبراز الرموز السعودية في مختلف المجالات داخل المناهج الدراسية، لاسيما الرموز التي نجحت في إثبات نفسها بمجالات سوق العمل حتى يكون لدى الطالب حماس لأن يكون مثلها في المستقبل.

وأضاف أن جزءاً من تحقيق رؤية المملكة 2030 هو تطوير العملية التعليمية، وربط التعليم بمستوييه العام والجامعي بسوق العمل، مع تحقيق هوية اجتماعية للمجتمع، لافتاً إلى أهمية زيادة التركيز في مراحل التعليم الأولى على وضع مناهج دراسية وموضوعات تناسب طبيعة واحتياجات سوق العمل، وهو ما يؤدي لتفكيك أبعاد مشكلة تاريخية أثرت على المجتمع، وباتت لا تخدم المصالح الوطنية.
الانتقاد والرفض للتغيير أمر طبيعي في الشعوب، بحسب ابن الشيخ الذي يشير إلى طبيعة الشعوب بمقاومة ورفض التغيير الأمر الذي يمكن مواجهته بالقرار السياسي، وهو موجود بالفعل في المملكة التي تشهد عملية تطوير كبيرة للغاية، وخير مثال على ذلك قرار قيادة المرأة للسيارة، وكيف تم تطبيقه على أرض الواقع، فالإرادة السياسية يمكنها تحقيق رؤية المملكة وبرامجها، ومن بينها تطوير العملية التعليمية.
يختتم الشقير حديثه بالتأكيد على أهمية أن تكون العملية التعليمية مواكبة للتحولات التي تحدث بالمجتمعات، خاصة وأن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت هي المسيطر الأول على عدد الساعات الأكبر من اليوم لدى الأطفال، وبالتالي فلابد أن يكون مواكباً للعصر وتحولاته.