الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون عربية

الزلزال في سوريا.. أزمة طبيعية وسياسية

كيوبوست- ترجمات

سمير عيطة، وزيدون الزعبي♦

في تقريرهما؛ يستعرض سمير عيطة، الاقتصادي السوري- الفرنسي، ورئيس تحرير سابق للطبعة العربية من مجلة “لوموند ديبلوماتيك”، رفقة زيدون الزعبي، الخبير في شؤون الحوكمة وبناء السلام والمجتمع المدني، الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا في السادس من فبراير الماضي، ويشيران إلى أن حجم الدمار تجاوز قدرة تركيا وحكومتها ووكالات الإغاثة فيها، ومن ثم من البديهي توقع أن مؤسسات الدولة السورية والمنظمات غير الحكومية في سوريا تفتقر بشكل كبير إلى الإمكانات الضرورية لمواجهة الكارثة بعد اثني عشر عاماً من الحرب والعقوبات.

سارعت العديد من الدول وأرسلت فرق الإنقاذ وتقديم المساعدة لتركيا في المناطق المتضررة التي يسكنها عدد كبير من الأكراد واللاجئين السوريين؛ ولكن هذه المساعدات تأخرت كثيراً للوصول إلى مقاطعة هاتاي (لواء الإسكندرون) وعاصمتها أنطاكيا. أما في سوريا فكان عدد الدول التي قدمت المساعدة محدوداً جداً؛ حيث واجهت الحاجة إلى التدخل السريع معضلات سياسية لا عقبات لوجستية.

تعرضت سوريا لزلزال مدمر- وكالات

كيف يمكن إرسال فرق الإنقاذ والمساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر تركيا المنكوبة؟ كيف يمكن الوصول إلى إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام المصنفة دولياً منظمة إرهابية؟ كيف يمكن إرسال المساعدات إلى منطقة عفرين التي تعرضت إلى تغيير ديموغرافي طال سكانها الأكراد؟ كيف ترسل المساعدات إلى حلب؛ حيث تخلت دول الغرب عن المعارضة؟ كيف يتم تقديم المساعدات إلى المنطقة الساحلية الأكثر تضرراً والمتهمة بدعم الرئيس السوري بشار الأسد؟ كيف يمكن أن يتم ذلك بينما تقطع الدول علاقاتها مع الحكومة السورية؟

اقرأ أيضاً: الزلزال أعطى دفعة جديدة لتطبيع العلاقات العربية مع سوريا

في مواجهة هذه الأسئلة المحرجة؛ لم تجد حكومات الولايات المتحدة وأوروبا خياراً سوى عدم التدخل في جهود الإنقاذ والإغاثة في سوريا، وبدت وكأنها تتخلى بشكل صارخ عن السوريين الذين لطالما تشدقت بحرصها عليهم. وأصرت هذه الحكومات على حصر دخول المساعدات الدولية في معبر باب الهوى [هناك قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي قبل سنوات يقضي بدخول المساعدات الدولية من هذا المعبر- المترجم]. وفي الوقت نفسه، فشلت الأمم المتحدة في لعب دورها على الرغم من مساحة المناورة الواسعة التي تتمتع بها.

فريق تابع للأمم المتحدة يقدم مساعدات إنسانية للمتضررين من الزلزال في سوريا- وكالات

كان من الممكن إيصال فرق ومعدات الإنقاذ عبر لبنان أو العراق أو الأردن إلى جميع المناطق المنكوبة، سواء تلك التي تسيطر عليها الحكومة السورية أو هيئة تحرير الشام أو الفصائل التي تدعمها تركيا. لم تكن الحكومة السورية لتمنع وصول هذه المساعدات إلى تلك المناطق؛ خصوصاً إذا دخلت تحت علم الأمم المتحدة أو إحدى الدول التي تقيم علاقات دبلوماسية مع دمشق. كان من الممكن أن يدفع الزلزال القوى العالمية إلى البحث عن حل؛ لا سيما أنها تعلن باستمرار أنها تدعم “وحدة الأراضي السورية”. كان من الممكن أن يتم كل ذلك دون أن يبدو الغرب وكأنه يصافح الأسد.

إن إحجام الولايات المتحدة وأوروبا عن إرسال فرق الإنقاذ والمساعدات الإنسانية يجعلها تتناقض مع تصريحاتها الرسمية، فعلى الرغم من الحاجة الماسة إلى فرق الإنقاذ والمعدات والآليات الثقيلة والوقود على الأرض، أعلنت الولايات المتحدة أنها تتعامل مع شركائها فقط على الرغم من أن هيئة تحرير الشام هي مَن يسيطر على الجانب الآخر من معبر باب الهوى. ومن جهة أخرى؛ كانت تركيا تصنف “شركاء الولايات المتحدة”، وهم قوات سوريا الديمقراطية، على أنها منظمة إرهابية، وبالتالي فإن تقديم المساعدة لهؤلاء “الشركاء” سوف يضر بالتأثير السياسي الإيجابي للمساعدات الأمريكية لتركيا. وفي مواجهة هذا الوضع اضطرت واشنطن إلى الاعتراف بأن عقوباتها أحادية الجانب كانت تعيق الجهود الإنسانية، وقررت تخفيفها جزئياً لمدة ستة أشهر، بينما ظل الاتحاد الأوروبي صامتاً. ومع أن الأوان قد فات على إنقاذ مَن لا يزالون تحت الأنقاض في سوريا؛ فإن هناك كثيراً من التحديات الإنسانية والسياسية التي لا تزال تحتاج إلى معالجة. هنالك مئات الآلاف ممن فقدوا منازلهم ومصادر رزقهم.

اقرأ أيضًا: المأساة والتضامن

على مدى السنوات الماضية؛ كانت الإغاثة تصل إلى محافظة إدلب وريف حلب الشمالي في شكل مساعدات عينية، بدلاً من المساعدات المالية التي تتيح للناس شراء ما يحتاجون إليه من المواد المتوفرة في هذه المناطق من خلال التجارة مع تركيا. واستمر ذلك رغم الانتقادات التي أشارت إلى أن المساعدات العينية كانت تضر بالإنتاج المحلي، وإلى الفساد الذي ينخر منظمات الإغاثة المحلية والدولية العاملة في هذه المناطق وارتفاع أجور العاملين فيها، وتعاملها المستمر مع الفصائل المسلحة (التي لم تقدم المساعدة في رفع الأنقاض وإنقاذ المحاصرين تحتها).

فرق الإنقاذ في سوريا- وكالات

اليوم مَن يحتاجون إلى المساعدة في سوريا ليسوا فقط النازحين في هذه المناطق؛ بل جميع السوريين الذين دمرت منازلهم والذين يعانون نقص الوقود والكهرباء ويعيش معظمهم في فقر مدقع حتى قبل الزلزال. ولكن لا يزال هناك العديد من التحديات التي ينبغي العمل عليها؛ مثل كيفية تنظيم الإغاثة للحيلولة دون سرقتها وكيفية إعادة بناء ما هدمه الزلزال. وهناك العديد من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات؛ مثل مَن سيقرر أين سيعيش المتضررون بعد دمار بيوتهم؟ في الحقيقة، لقد طغت الحساسية الدولية لمفهوم إعادة الإعمار، والحساسية الإقليمية والمحلية لمسألة التغيير الديموغرافي في سوريا (إحلال العرب مكان الأكراد) على كل هذه الأسئلة.

لقد أدى زلزال 6 فبراير المدمر إلى خلط الأوراق السياسية في المنطقة، وسمح لجميع الأطراف السورية بإعادة النظر في خطابها والتخلي عن دعواتها المدانة لتقسيم البلاد. وهذا ما يتيح لكارثة الزلزال أن تحمل معها فرصة لجمع ما مزقته الحرب والتخلص من أمرائها. والتحديات الهائلة التي خلفها الزلزال تستلزم من الدول الكبرى إعادة تقييم سياساتها في ما يتعلق بسوريا، وهذا الأمر لم يحصل بعد في ظل انشغال الغرب بالحرب في أوكرانيا والمبالغ الهائلة التي يستثمرها فيها، وعدم وجود مجال للتفاهم مع روسيا والصين بشأن التوصل إلى حل سياسي في سوريا. السياسة هي فن الممكن، والزلزال المأساوي أعاد سوريا إلى قائمة الأولويات.

♦سمير عيطة، الاقتصادي السوري- الفرنسي، ورئيس تحرير سابق للطبعة العربية من مجلة “لوموند ديبلوماتيك”

زيدون الزعبي، الخبير في شؤون الحوكمة وبناء السلام والمجتمع المدني

المصدر: أتلانتيك كاونسل

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة